
“يوم العمال العالمي” الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:
نحو مليون ومائة وثلاثة وثلاثين ألف عاملاً في السوق المحلية الفلسطينية، 655 ألفاً منهم في الضفة الغربية المحتلة، و285 ألفاً في غزة، و193 ألفاً في أراضي الداخل المحتل، يعيشون في واقعٍ صعبٍ، حيث البطالة في غزة والضفة الغربية، والتضييق وسياسات الإذلال وامتهان الكرامة في الداخل المحتل بسبب غطرسة قوات الاحتلال الإسرائيلي وسياساتها.
وعلى الرغم من كافة المعيقات والظروف السيئة التي يعيشها سوق العمل الفلسطيني، إلا أن تقريراً للجهاز المركزي للإحصاء، رصد انخفاضاً في عدد العاطلين عن العمل، والذين قدرهم بـ367 ألفاً خلال العام الماضي، مقارنةً بـ372 ألفاً في 2021م، إلى جانب انخفاض معدل البطالة بين الأفراد المشاركين في القوى العاملة بنسبة 2%، جراء ارتفاع نسبة المشاركة في القوى العاملة في العام ذاته، والتي بلغت حوالي 45% مقارنة بحوالي 43% خلال 2021م.
نسبة البطالة في فلسطين..
وبلغ مستوى البطالة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، حوالي 13% و45% على التوالي مقارنة بحوالي 16% و47% في 2021م، في حين أشار الإحصاء إلى أن إجمالي نقص الاستخدام للعمالة انخفض من حوالي 34% عام 2021 إلى حوالي 31% (500 ألف شخص) عام 2022، ويتضمن هذا العدد حوالي 56 ألفا من الباحثين عن عمل المحبطين، وحوالي 22 ألفا من العمالة الناقصة المتصلة بالوقت.
وسجل الجهاز المركزي للإحصاء، في محافظتي الخليل وجنين في الضفة الغربية المحتلة، أعلى معدل للبطالة لعام 2022 إذ بلغ حوالي 17%، تلتهما محافظة بيت لحم بحوالي 15%، بينما كان أدنى معدل للبطالة في الضفة في محافظة القدس فبلغ حوالي 3%، أما في قطاع غزة، فقد سجلت محافظة دير البلح المعدل الأعلى للبطالة بحوالي 55%، تلتها محافظة خان يونس بحوالي 49%، بينما كان أدنى معدل للبطالة في محافظة شمال غزة بنسبة 38%.
نصف سكان قطاع غزة بلا دخل يومي..
في سياق ذلك، قال سامي العمصي، رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة أن نصف سكان القطاع يعيشون بلا دخل يومي، نتيجة استمرار فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع منذ نحو ستة عشر سنة.
وقال العمصي للخامسة للأنباء أنه مع كل احتفاء عالمي بيوم العمال العالمي، يتجدد الحديث عن الفصول المؤلمة لمأساة العمال الفلسطينيين وخاصة عمال قطاع غزة، حيث يعيشون تحت وطأة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ ستة عشر سنة في أبشع جريمة عقاب جماعي لم يشهد العالم مثيل لها.
ارتفاع نسبة البطالة بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر..
وأكد على أن استمرار الحصار الإسرائيلي، وارتفاع نسبة البطالة لنحو 50% يعني أن نصف سكان القطاع يعيشون بلا دخل يومي، فضلاً عن ارتفاع نسبة الفقر لقرابة 60% وتعطل نحو ربع مليون عامل، مما يعمق الكارثة الإنسانية في غزة، ويزيد من معاناة العمال.
ولدى سؤاله عن تدني الأجور في غزة، شدد العمصي على ضرورة تطبيق الحد الأدنى للأجور من أجل إنهاء استغلال الكثير من أرباب العمل في غزة للحصار كشماعة لصرف رواتب زهيدة لعمالهم، رغم أن بعض الشركات لم تتأثر أرباحها بالأوضاع الاقتصادية في القطاع، وإنهاء معاناة عمال يعملون بأجرة منخفضة تقدر بـ 2 شيقل بالساعة، وبعضهم يعملون بأجرة يومية لا تتجاوز 20 شيكلاً.
انجاز لتعزيز قيمة المنتج الوطني..
وكشف عن تحقيق اللجان القانونية في الاتحاد العام انجازا مهما خلال شهر مارس/ أذار الماضي، حيث حصلت مكافآت نهاية الخدمة عن سنة عمل وثمانية شهور لـ 453 عاملاً غالبيتهم عمال نظافة يعملون بالمستشفيات والعيادات الحكومية بقيمة إجمالية بلغت نحو نصف مليون دولار.
وأشاد العمصي بجهود وزارة العمل بغزة في إنجاز دورة التأمين الصحي التي استفاد منها أكثر من 100 ألف عامل خلال 2022، إذ تحملت كامل نفقات التأمين الصحي التي بلغت 70 مليون شيقلاً.
مُطالبات بتحقيق العدالة..
وطالب منظمة العمل العربية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل وفضح سياسة الاحتلال وإرسال لجان تحقيق وتقصي حقائق بالجرائم المستمرة في مواقع العمل بالداخل المحتل، وفتح تحقيق مستقل بهذه الجرائم، مؤكداً على أن الاتحاد لن يدخر جهدا في الدفاع عن حقوق العمال وإعلاء صوتهم والمطالبة بتحقيق العدالة وتطبيق الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في القطاع.
وبلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص، والذين يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجور (1,880 شيقلا) حوالي 172 ألف مستخدم بأجر منهم 56 ألفاً في الضفة الغربية، (يمثلون حوالي 19% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص في الضفة الغربية)، وبمعدل أجر شهري 1,421 شيقلا، مقابل 116 ألف مستخدم بأجر في قطاع غزة، (يمثلون حوالي 89% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص في قطاع غزة) بمعدل أجر شهري لا يتجاوز 697 شيقلاً.
عاملون بلا حقوق..
ورصدت آخر الإحصائيات، حوالي 28% من المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين يحصلون على حقوقهم كتمويل التقاعد/ مكافأة نهاية الخدمة، إضافة الى الإجازات السنوية مدفوعة الأجر، والإجازات المرضية مدفوعة الأجر، وبلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين لديهم عقد عمل دائم (مكتوب لفترة غير محددة) حوالي 83 ألف مستخدم بأجر، وحوالي 90 ألف عامل في القطاع الخاص لديهم عقد عمل بشكل مؤقت (مكتوب لفترة محدودة، اتفاق شفوي)، مقابل حوالي 294 ألف عامل ليس لديهم عقد عمل، بينما 46% من النساء العاملات بأجر يحصلن على إجازة أمومة مدفوعة الأجر.
فجوة كبيرة الشراكة المجتمعية..
وعلى صعيد مشاركة النوع الاجتماعي في العمل، فبلغت نسبة النساء العاملات في السوق الفلسطيني حوالي 18.6%، مقابل 70.7% من الذكور، مما يوضح وجود فجوة كبيرة في نسبة المشاركة في القوى العاملة.
ولم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بحصار غزة منذ أكثر من ستة عشر عاماً، وما خلفه ذلك من معاناة ألقيت على كاهل العمال باعتبارهم الفئة الأكثر تضرراً من سوء الأحوال الاقتصادية، بل يسعى الاحتلال بكافة السبل إلى زيادة التضييق على الغزيين كلما أتيحت له الفرصة.
عمال غزة عُرضة للتنغيص اليومي..
ولم يسلم قطاع الزراعة من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، والذي يشكل ما نسبته 25% من الاقتصاد الفلسطيني، حيث يستهدف الاحتلال المزارعين وأراضيهم من خلال التجريف المستمر للأراضي الواقعة قرب السياج الفاصل وحرق الأشجار ورش المبيدات السامة وفتح السدود والعبّارات المائية وقصف الأراضي الزراعية وإطلاق النار اليومي على المزارعين خلال ذهابهم إلى عملهم.
واعتقل الاحتلال أكثر من ستة وستين صياداً من عرض بحر غزة منذ 2022، فيما لا يزال يحتجز ثلاثة منهم، وصادر أكثر من عشرين قارب صيد، كما أصيب نحو ثلاثين صياداً برصاص بحرية الاحتلال التي تقوم بملاحقة الصيادين واستهدافهم بالرصاص والغاز في عرض البحر لتنغيص لقمة عيشهم.
ويقول ياسر شويخ (23 عاماً)، وهو صياد من غزة، للخامسة أنه بالإضافة لقلة فرص العمل في غزة، وضيق سبل العيش، يتعمد الاحتلال استهداف الصيادين في البحر من أجل زيادة معاناتهم كمواطنين فلسطينيين.
وأجاب شويخ عند سؤاله عن مدى اكتفائه بما تدره عليه مهنة الصيد من رزق، وهو أب لخمسة أطفال ولديه شقيق يعاني من أمراض مزمنة، قال “الوضع على قد الحال، أنا منتظر الحصول على تصريح عمل في الداخل حتى أسدد ديوني والتزاماتي، أخي كان نفس حالتي وحياته انفرجت بعد حصوله على تصريح وأتمنى أن يكون دوري قريب”.
291 مصنع خياطة تشغل آلاف العمال في غزة..
ويضم قطاع الخياطة، 291 مصنعًا تشغل أكثر من 8 آلاف عامل، حيث يشهد مجال خياطة الملابس انتعاشة نتيجة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الاقتصاد في غزة، والتي أدت إلى ترتيب وضبط الاستيراد، مما أدى إلى رفع قدرة المصانع المحلية على العمل وتعزيز قيمة المنتج الوطني في السوق المحلي.
العمل في الداخل المحتل..
وما زال الاحتلال الإسرائيلي يماطل في تنفيذ التفاهمات التي تمت برعاية وسطاء للسماح بإدخال 30 ألف عامل للعمل بالداخل المحتل، فلا تتجاوز أعداد العمال حاليا عن 16 ألف بحسب ما أكده العمصي لـ الخامسة للأنباء، تحت مسمى “احتياجات اقتصادية”، فيما لا زال الآلاف ينتظرون على أحر من الجمر فرصة الحصول على تصريح.
وقال “منذ عودة العمال للعمل استخدم سلاح الإغلاق كعقاب جماعي لنحو 16 ألف أسرة عمالية، ولكافة المواطنين في القطاع ولشريحة المرضى التي يحتاجون إلى إجراء عمليات عاجلة في الضفة الغربية والداخل المحتل، خاصة خلال ما يسمى “الأعياد اليهودية” أو خلال التوترات الأمنية”.
لا صوتَ يعلو فوق صوت الانتفاضة.. الذكرى الـ35 لاغتيال أمير الشهداء
وأشار إلى أن الاحتلال قام بإغلاق حاجز بيت حانون أمام العمال لثمانية أيام في الفترة ما بين (6-13 إبريل/ نيسان الجاري) بسبب عيد “الفصح العبري” وتكبد العمال خسارة بلغت نحو 40 مليون شيكل (11 مليون دولار)، كما قام العام الماضي بإغلاق الحاجز أربع مرات تكبد خلالها العمال خسائر بلغت نحو 20 مليون دولار.
ويوضح م. ج (54 عاماً)، وهو عامل من غزة، أنهم يعانون الأمرين في رحلة الانتقال إلى العمل في الداخل المحتل يومياً، مؤكداً على أنه رغم حصولهم على مقابل مادي جيد بالمقارنة للوضع في غزة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد سياسة الخنق ضدهم.
وقال للخامسة للأنباء “نتعرض يومياً لإجراءات تفتيش مهينة ومذلة على معبر بيت حانون، بالإضافة للإذلال الذي نواجهه في موضوع أماكن الراحة والنوم وغيره، ففي مرة جربت أن أبيت هناك من أجل توفير المواصلات وتعب المشوار اليومي، النوم كان بين الفئران، الأماكن غير مجهزة أبداً والفراش سيء جداً، حتى الطعام هناك غالي جداً ولا نستطيع أن ندفع ما نحصل عليه من عملنا مقابل وجبة واحدة”.
شهداء لقمة العيش..
وحمل العمصي، الاحتلال، مسؤولية تصاعد حالات الوفيات في صفوف عمال غزة بالداخل المحتل التي بلغت 9 حالات وفاة، والتي كان آخرها، الشهيد العامل أمين أبو وردة (59 عامًا) من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، والذي ارتقى أثناء عمله في الداخل المحتل، بعد تعرضه لاعتداء من مجموعة مستوطنين متطرفين أثناء عمله.
كما استشهد العامل محمد الجبلي (59 عامًا)، إثر تعرضه لنوبة قلبية خلال عمله في مدينة رهط بالنقب، وفي 20 إبريل/ نيسان الجاري، استشهد العامل زياد الغول مطلع مارس/ آذار الماضي إثر سقوط رافعة بناء عليه أثناء عمله بالداخل المحتل، وكذلك العامل مجدي صبحي أبو كرش (54 عامًا) الذي استشهد جراء تعرضه لصعقة كهربائية خلال عمله بالداخل المحتل في 23 يناير/ كانون ثاني الماضي.
وفي 27 ديسمبر/ كانون أول 2022، استشهد العامل خالد كمال العجلة (35 عامًا)، جراء سقوطه في ماكنة طحن للحوم بمصنع إسرائيلي بمدينة عكا، واستشهد العامل عبد العزيز الدغمة (40 عامًا) من سكان عبسان الجديدة في خانيونس جنوب قطاع غزة، بفعل إصابته من قبل جرافة داخل مصنع في ريشون لتسيون جنوب( تل أبيب) في 29 آب/ أغسطس 2022.
واستشهد أيضاً، العامل أحمد عياد في 5 يوليو/ تموز 2022، جراء اعتداء جنود جيش الاحتلال عليه بالضرب المبرح أثناء توجهه للعمل في الداخل المحتل عند فتحة الجدار الفاصل بطولكرم شمال الضفة، رغم حصوله على تصريح للعلاج والعمل.
كما استشهد العامل محمود سامي خليل عرام (27 عاماً)، من سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، في 8 مايو/ أيار 2022 بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار عليه أثناء محاولته عبور السياج الفاصل من مدينة طولكرم نحو الداخل المحتل للعمل.
كذلك استشهد العامل جمال معروف، إثر تعرضه لحادث سير أثناء عمله في الداخل الفلسطيني المحتل في 3 فبراير/ شباط.
تضحيات العمال في تزايد مستمر..
ونوه رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى أن حجم وعدد الضحايا العمال الفلسطينيين يتصاعد سنة بعد أخرى، إذ توفي العام الماضي أكثر من 50 عاملاً من الضفة الغربية والداخل المحتل، وفي 2021 توفي 66 عاملاً في ورش الصناعة والتجارة والبناء والخدمات الزراعية، و65 عاملاً توفوا عام 2020، و47 عاملاً توفوا عام 2019، فيما توفي 39 عاملاً في 2018.
وقال أن “هذه الأرقام تنبه إلى انعدام الأمن في المواقع العمل الإسرائيلية وإجراءات السلامة المهنية، ونحمل أرباب العمل الإسرائيليين مسؤولية ارتكاب هذه الجرائم عبر عدم توفير أدنى إجراءات السلامة في مواقع العمل والتمييز العنصري، بالدفع بالعمال الفلسطينيين للأعمال الخطرة دون أية إجراءات سلامة، و تنصلهم فيما بعد من كافة الحقوق والتعويضات لعائلاتهم”.
وذكر أن الظروف الصعبة للشعب الفلسطيني تدفع أكثر من 100 ألف عامل من الضفة الغربية إلى البحث عن خيارات عمل “مرة” بالداخل المحتل، ونحو 70 ألفا يعملون في مستوطنات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الاحتلال يشن حملات اعتقال متواصلة في صفوف العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية بحجة عدم حصولهم على التصاريح اللازمة، وذلك بهدف تضييق الخناق عليهم ومفاقمة أوضاعهم الصعبة.
ويبقى المواطن الفلسطيني، في يوم العمال العالمي، رهينةً لسياسات الاحتلال الإسرائيلي وعنجهيته وغطرسته والبطالة المتفشية، إلى جانب الصعوبات الداخلية والتجاوزات اللا محدودة التي يرتكبها أرباب العمل محلياً من خلال تجاوز قوانين العمل والحد الأدنى للأجور، في ظل عدم اكتراث وتخاذل الجهات الرسمية والمسئولة وغض نظرها حول ما يجري من انتهاكات للعاملين وحقوقهم في السوق المحلي سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.