فراس ياغي: تشاؤم المنطق وتفاؤل المستقبل
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
القصة الفلسطينية وفي غالبية محطاتها ومنذ أن بدأت الحركة الصهيونية العالمية بالتآمر مع الغرب المستعمر وبغض النظر عن طبيعة الامبراطورية السائدة، تفكر في حلول للمسألة اليهودية في أوروبا، وما تفتق عن ذلك من استغلال للمفهوم التوراتي التلمودي (الكاذب والمزور) بإعتبار أرض “فلسطين” هي الأرض الموعودة لليهود على اعتبار أنهم بني إسرائيل، رغم أن اليهودية ديانة والمنضوي تحت لواء هذه الديانة ليسوا من “بني إسرائيل” وغالبيتهم من شعب “الخزر” الذين تشتتوا في اوروبا وبالذات ما كان يعرف اوروبا الشرقية وهم المهاجرين الاوائل لفلسطين، وهم من سيطروا بقوة الإحتلال وبالدعم الغربي الأوروبي والأمريكي على كل فلسطين.
الحركة الوطنية الفلسطينية ومنذ البدء قاومت هذا الإستعمار، والشعب الفلسطيني بكل شرائحه لم يبخل ولن يبخل في تقديم القرابين لأجل الحرية والإستقلال، لكن بنظرة سريعة لقيادات الحركة الوطنية تجد أنها لم تُعبر يوما عن حقيقة هذا الشعب ولم تكن بمستوى أفعاله رغم وجود محطات ثورية لا تُعد وتُشير بأن المنطق السائد بحاجة لإعادة تقييم وتغيير، وعندما تفكر في الأشياء بالمنطق تتشائم، وحين تنظر للمستقبل تتفائل، وبين المنطق والمستقبل فواصل وهوامش وعلامات سؤال وإستفهام شتى…أيعقل أن منطق الوطن غاءب أمام منطق المصلحة الشرائحية، وهنا أشير لمفهوم الشرائحية لأن المهيمن والمسيطر مجموعة شرائح من عدة حركات وأحزاب ارتبطت مصالحها الشخصية مع أصحاب رأس المال اللا وطني وشكلت حالة المنطق المتشاءم.
أحاول أن أشير إلى أن جوهر الأشياء ليس بالضرورة أن يعكس شكلها الخارجي، رغم أنه يُشير في كثير من المحطات لحقيقة الشكل لا لما يظهر عليه، وهنا في الواقع السياسي الفلسطيني نرى الوطنية في الخطاب السائد لا تعكس حقيقة الأشياء خاصة إذا ما تم محاكمتها أمام الواقع، فلا يمكن أن يتماشى الفساد مع الوطنية وبغض النظر عن شكل الفساد، ولا يمكن للقمع ومحاربة حرية الرأي والتعددية أن يتوافق بالمطلق مع مفهوم التحرر الوطني، فجوهر التحرر الوطني هي الحرية، حرية الرأي والتعبير وحرية الفكرة وحرية الإنتقاد الموضوعي، لكن ما يحدث عمليا يعكس ما نحن بصدده “المنطق المتشائم”، فلا منطق أصلا يتوافق مع ما يجري في المناطق الفلسطينية وبالذات في جناحي الوطن حيث السيادة المنقوصة لسلطتين، واحدة بحكم الأمر الواقع وأخرى إنتهت شرعيتها ومشروعيتها.
ما يُعزي الإنسان الفلسطيني رغم فداحة ما يحدث حوله فلسطينيا هو إيمانه بالمستقبل، فهو يرى بعيون تنبع حرية وكرامة لا حدود لها، بل إيمان لا ينتهي وصبر لا يضاهيه حتى ما يُعرف ب صبر “أيوب”، وبنظرة سريعة، نرى كيف هذا الشعب لا يزال وسيستمر في مقاومة الإحتلال حتى نيل حريته وإستقلاله، رغم كل ما تعرض له عبر سبعة عقود ونيف، ورغم أن البعض المُتعجرف والمُتكبر في الغرب وأتباعهم في المشرق العربي إعتقدوا أن الشعب الفلسطيني “داسته أقدام الفيلة” وفق تعبير جون فوستر دلاس، وأن “الكبار سيموتون والصغار سينسون” وفق رؤية الحركة الصهيونية وغولدا مائير، إلا أن الوقائع أثبت فشل كل النظريات وكل المقولات، وتبين أن الشعب الفلسطيني مارد لا ينتهي في فعله وصبره، وهنا الصبر الأساسي لهذا الشعب على قياداته المتعددة، قيادات أصغر من هذا المارد وتتآمر على الشعب بإسم الوطنية وبإسم الشرعية ومهما كان مُسمى الشرعية، شرعية الصندوق أو شرعية المقاومة.
الشرعية، أساسها إحترام إرادة الشعب، وإحترام تطلعاته في العيش الكريم، فلا يُعقل أن يكون هذا الشعب تحت الإحتلال وتحت الحصار ويعيش في مخيمات الشتات في حالة مزرية وعنصرية في بعض الدول والبعض الأخر متهم بفلسطينيته، وقيادات سلطوية ترى في إمتيازاتها والحفاظ عليها أهم من شعبها وتطلعاته، وكل من ينتقدها يتم تخوينه وإتهامه بجنح متعددة، في غزة يتهم ب “التخابر مع رام الله” وبأنه ضد “المقاومة”، وفي رام الله يُتهم إما ب “التجنح” مصطلح غريب وحزبي بالأساس أو بالتآمر، وهنا التآمر يكون فضفاض وواسع فمرة يكون تآمر مع الإحتلال وأخرى مع “حماس” وثالثة مع الغرب ورابعة مع الإقليم….الخ، طبعا هنا الإتهمات مرتبطة بمصلحة هذا الطرف أو ذاك، وهي تبرير لفعل القمع، على الرغم من أنّ هذه القيادات هي من تتآمر على ذاتها بفعلها وممارساتها على الأرض، وهناك قاءمة طويلة لا مجال لتعدادها بهذا الخصوص.
فعلا إذا أردت التفكير بشكل منطقي فسوف تصل لنقطة التشاؤم، فلا منطق مما يحدث، السؤال لماذا؟ لأن أي حركة تحرير في العالم ولكي تُحقق أهدافها في الحرية والإستقلال، أول ما تحتاجه، هو الوحدة الوطنية وعلى أساس برنامج واحد وهدف واحد ووسائل مُتفق عليها في مقاومة المُستعمر، وأن تُعبر أيضا عن تطلعات شعبها الذي سيحضنها وهو وقودها في الفِعل المقاوم للمُحتَل، إذا، واقع الأمر يُشير إلى مفهوم التشاؤم في المنطق القاءم لدى هذه القيادات وهذه الفصاءل…ولأن الشعب الفلسطيني يختلف عن قياداته، ولأنه المارد الذي إنتفض من تحت أقدام “الفيلة”، ولأنه صاحب الحق والولاية رغم أنف الجميع، هنا، سترى تفاؤل المستقبل، هذا الشعب لا يرى المنطق بعيونٍ حزبية والإمتيازات التي يبحث عنها تتعلق بكلمتين “الحرية والإستقلال”.
المنطق المتشاؤم لن يسود كما تحاول فرضه زمرة شرائحية وجدت في مفهوم الصراع لأجل التحرر مجال لبزنسها، ومجال لتكديس الثروات، ورفعت شعارات وطنية شتى وأعلنت أنها لن تتنازل عن الحقوق الدنيا للشعب الفلسطيني، لكن فعلها مع شعبها عكس مفاهيم أخرى أساسها فرض الذل والخنوع والإستجداء بإسم المفاوضات وعممت الفساد ليكون لها ظهيراً، في حين الشرائح التي تتغنى ب “المقاومة” عكست على الأرض فِعل الإمتياز لقياداتها وكدس البعض منهم ثروات وإعتمدت منطق شمولية التفكير والنهج المطلق الذي لا يرى أحد.
رغم كلّ ذلك، فالمستقبل يحمل في ثناياه كل التفاؤل، شباب بعمر الورود كرّست نفسها وفي كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني لمواجهة هذا المنطق وعكسته بقوة في “الشيخ جراح” و “باب العامود” و “سلوان” وفي كل القدس والضفة ومخيمات اللجوء والشتات، شباب تصدت للقمع المُمَنهج وواجهت الإحتلال ورفضت سياسات الذل والخنوع، وتمردّت على منطق عواجيز القيادات ودفعت حياتها ثمن ك الشهيد “نزار بنات”، وتصدرت كل وسائل التواصل الإجتماعي ك “منى الكرد” و “محمد الكرد”، وغيرهم الكثير، أيقونات فلسطينية وبنهكة فلسطينية خَطّتْ المستقبل الحقيقي لهذا الشعب، ووضعت حد نهائي لتشاؤم المنطق رافعة شعار تفاؤلوا فالمستقبل لنا ولحريتنا ولكرامتنا ولا مكان لهؤلاء المُدّعيين.
إنها الحقيقة التي لا تراها شرائح الفساد وشرائح رأس المال المرتبطه بشكل أو بآخر مع الإحتلال وفق نهج تكديس الأموال والثروات مقابل الحد الأدنى من إزعاج الإحتلال بالفعل والكلمة.