مقالات الخامسة

نيرمين ماجد: وُدٌّ مَشْرُوطٌ . . .!

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

لقد قرأت في علم النفس أن هناك قوانين إذا فهمتها وبدأت بتطبيقها ستتغير حياتك كليا، كقانون الراحة النفسية والذكاء العقلي والاستغناء والتحدي وغيرهم من القوانين، فهل النظريات والمواقف والقوانين باتت مسارا نحكم به حياتنا ومشاعرنا وتصرفاتنا! وهل الكلمات التي تلامس أرواحنا ونفوسنا تغرقنا وتنقذنا وتجعلنا نطير وتتسع آفاقنا، لقد قيل من لم يكن نورا لنفسه لن يضيئه كل أنوار الكون، فهل نحن بحاجة لذلك النور وللرأفة ببعضنا البعض كالرأفة في الحديث وفي التمسك وفي الفعل وحتى في التغاضي والتخلي!

من المؤلم أن تعاشر أناسا فرضت عليك الحياة وجودهم في حياتك، محيطك، دائرتك، أناس يتمنون لك الخير بشرط أن هذا الخير لا يجعلك أفضل منهم، طيبون لكن بوقاحة، أناس يحسدونك لأفكارك، لعلمك، لجمالك، لأخلاقك، لإبداعك، لتميزك، لاختلافك، حتى لمجرّد ضحكتك، ينتقصونك عمدا بحقد لمجرد أنك مختلف ولا ترتضي لنفسك أن تكون نسخه مكررة، يكرهون حتى محبة الناس لك وهناك من يموت قهرا وحقدا بسببك، وهناك من يستكثر عليك النعم، يحيطك بطاقته السلبية المريضة ويحاول تكرارا كسر فرحتك، إطفاء ابتسامتك وتعطيل سعادتك، هؤلاء البعد عنهم غنيمة وسكينة، والحذر منهم واجب، عِجاف القُلوب لن ينفع معهم ودّ ولا تودّد، حتى لو زرعتَ لهم سبع سنين سنابلَ حب.

فيا من ابتُليت بهكذا أصناف من البشر انخرطت في حياتك دونما استأذان، خُذ عنّي زادا يُواسيك:

الحياة فيها الحلو والمر وكليهما لا يدوم لأنهما متغيران متعاقبان، ولأن كل مُر سيمُر، سينطوي، سينتهي وسيرحل وكأنه لم يكن يوما، وسيطرق الفرح باب قلبك، لكن عليك أن تحيا الحياة كما يجب أن تكون خذ وقت حزنك، ولكن لا تبالغ فيه وعش وقت مرحك وفرحك وبالغ فيه حتى تعشّش السعادة في قلبك، وستعود كما كنت ذلك الشخص القوي المُعافى. ستقابل أشخاصا أفضل وأنقي، وكن على يقين أنك ستضيئ من تلقاء نفسك، فأنت النور لنفسك ولمن يحبونك من حولك، فلا تنتظر النور من أحد أصنعه، اكتشفه بداخلك، جاور من يفتحون نوافذ وشبابيك الأمل والسعادة كل يوم يتنفسون الخير والجمال، وكن على يقين بأن الطريق الطويل المنهك سينتهي يوما ما، وأن الألم سيزول حتما وأن هذه الأيام ستمضي ولن تعود والكسر الذي ينهش قلبك وظهرك سيجبره الله، فكن مع الله ولا تبالي، وإياك أن تبتسم لمآسي الآخرين وانكسارهم، كن انسانا أو مُت وأنت تحاول.. لأن أرقي الناس هم الذين يخافون من أثر كلماتهم ووقعها في قلوب غيرهم، وفي النهاية لن يبقي معك إلا من رأى الجمال في روحك ومُحيّاك، أما المنبهرون بالظاهر والمظاهر، عُبّادُ الأموال والنجاحات والمناصب سيرحلون تباعا، وسيبقي الود والحب هو قيمة كل زمان لذلك أحسنوا الاختيار، الحياة تحتاج بعض التجاهل لبعض الأشخاص والأفعال والأقوال والأحداث والتواريخ لتستمر.

وإنما البشر معادن وأصناف يا سامعي، منهم الأصيل الذي لا يتغير ولا يتبدل، ومنهم المراوغ الذي يتلوَّن كالأفاعي، ومنهم من خلف الأقنعة يستتر، كي يخطط ويُدبِّر، ومعادن الناس تتكشف وقت الشدّة، وقت المشاكل، وقت الخلاف، وقت حقي وحقك، وقت الخصام، وقت الحزن، وقت المرض، وقت السعادة، وقت الدَّيْن، وقت الفراق، وقت الحاجة، فلا تحكموا على الناس أنهم أصدقاء ومعارف وإخوة لمجرد أنهم ضحكوا معكم ومدحوكم ونفخوكم وخرجوا معكم وأطربوا مسامعكم بمعسول الكلام. ولكن وقت الشدة يطفو على السطح كل ما بدواخلهم من حقد وغل وحسد وغيظ، فالشدة حرفيًّا كشفت القريب قبل الغريب، ولابدّ أن نستوعب أن العتاب ليس هو الحل على الدوام، فلا مجال له إطلاقا في حالات كالكذب وقلة التقدير والتجاهل والكلام وقت الفراغ.

من قال أنّ الكلمات لا تفعل شيئا، فهناك كلمة تعين وكلمة تهين فاحذر أن تجرح أحد وتخدشه بكلمة لأن جرح الكلام لا شفاء له، هناك في يسار الصدر كدمات وندبات وألم يعتصر القلب ويزيده إيلاما، وهناك غباء مبرَّر بحجة الحب والود والعشرة نخترعه لكي نلتمس الاعذار السبعين لمن نحبهم ونصون ودهم، وهناك شيب يزحف مسرعا يغطي سواد الشعر يغطي الأوجاع والآلام الذي خلّفته الأيام والسنين، كل شيء يهون إلا كسرة القلب والخاطر. فلا تكن سببا في قهر أحد فيظل طوال عمره كلما مرت سيرتك يردد حسبي الله ونعم الوكيل. كسر الخواطر بمثابة خطأ طبّي، الاعتذار عنه لا يعيد لك عافيتك، كن لطيفاً بحديثك ‏فبعضهم يعاني من ألم الحياة، وكن دقيقا في انتقاء كلماتك، وانتقيها مثلما تنتقي ملابسك وعطرك فالفرق بين أن تجرحني أو تحرجني هو موضع النقطة، فعلاً لا يتغير أحد عن فراغ وإنّما الصدمات هي من تصنع التغيير والمواقف كفيلة بذلك.

فقبل أن تؤذي أحدا باستذكار جميلك السابق، وتستعرض فيه مهارات لسانك اللاذع، وتتشرّط وتَمُنَّ عليه بخيرك ووجودك الكئيب في حياته، تذكّر ألوانا من المعروف صنعها معك ولأجلك، فالقلوب التي تقدر المعروف والمواساة وقت الضعف و الحزن هي أجمل القلوب وألينها وأحنها، فأعط بسخاء ولين، أعط عطاءا غير مشروط ولا محدود، وكن صاحب القلب الجميل الذي لا ينساه أحد، فالحياة قاسية بما يكفي وكل إنسان فيه ما يكفيه وينهكه، فكن طيب الأصل كريم الخلق، فسلاما لبسطاء الروح الذين يختارون وينتقون أحاديثهم برحمة ولطف الذين يراعون اختلاف الطباع، سلاما لكل من يملك كلمة طيبة تكون سببا في ابتسامة أو جبر خاطر، سلاما لمن يحترم صمت غيره، سلاما لمن يربت على كتف أخيه وسلاما لأولاد الأصول اللذين تربّوا التربية الصح في زمن المغلوطات وبات التنمر والسخرية والاستهزاء بمشاعر الآخرين خفّة ظل وقلة الذوق فن وإبداع.

كن أصيلا وتذكّر ألَّا تتفنّن في جلد ذاتك بالمقابل، فعندما تتجاهل مكالمة تزعجك فأنت لست سيء، وعندما تبتُر علاقة سامة ببلوك عقلي فأنت لست سيء، وعندما تقطع علاقة تسبب لك الحزن، فأنت لست سيء، وعندما تغادر مكانا لأنه ينهشك فأنت لست سيء، وعندما تغلق سماعة هاتف لأنها تزعجك فأنت لست سيء، وعندما تصنع لنفسك عالما يريحك فأنت لست سيء… أنت لست سيء عندما تختار راحتك واستقرارك النفسي وطمأنينة قلبك وسكينة روحك وراحة بالك، فيا رب أزرع كل طرقاتنا أفئدة هيّنة ليّنة تحفظ العِشرة، تصون الودّ، وتُراعي القلوب، ثم اجعلنا سائرين في خلقك بِطيبِ الكلام والمُحَيَّا وجَبْرِ الخواطر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى