مقالات الخامسة

عدلي صادق: “العمال يتزاحمون، غير ملومين”

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

ما أن أعلنت إسرائيل، عن فتح بابٍ موارب، لبعض العمال من غزة، لكي يرتزقوا على النحو الذي يخفف حرمانهم؛ حتى تدفقت الألوف المؤلفة الى مقر التنسيق المدني للتسجيل. وهذا ما كان الجميع يتوقعه، سواء نحن أو دولة الإحتلال. فقد بحت الأصوات وبُليت الأقلام ونحن نقول إن البرنامج الإجتماعي ـ الإقتصادي، يسبق البرنامج السياسى، وهو التوطئة الطبيعية له ويمثل جوهر شروطه. ومن لا يلتزم هذه الحقيقة، ويعمل بهديٍ منها، لن يفلح لا في السياسة ولا في الإجتماع ولا في المقاومة. بل إن من يتغاضى عن خطورة التردي الإقتصادي ـ الإجتماعي ويقلل منها ويراها مسألة هامشيىة، سيُفاجأ بأنه كمن يَرْقُم على الماء، مثلما قالت العرب!
لو إن إسرائيل، تعلن عن حاجتها الى ربع مليون عامل من غزة؛ فإن هذا العدد سيتوافر في يوم واحد، وسيتزاحم العمال المهرة مع عمال المناولة وحمل الأثقال، وستصبح الحكومات والفصائل والنقابات والخطابات، في مدرجات المتفرجين أو في المنطقة الرمادية، وليس لديها ما تفعله. وحتى لو فكرت كل هذه الأطياف كلها، في منع الناس من التدفق الى سوق العمل الإسرائيلية، فإنها ستحفر قبرها بأيديها، لأن الجوع ـ كما يقولون ـ كافر!
يجدر التنويه ـ ابتداءً ـ إلى أن هذه الحقيقة، لا علاقة لها بالوطنية. فالشعب الفلسطيني أصدق إحساساً بمُدركات قضيته، من النُخب السياسية، وهو دائماً على يسارها، لكن الأمر الأهم في ذهن هذا الشعب، هو ضرورة الحياة ومقومات العيش، لكي لا يصبح وطنه منطقة طاردة لسكانها، يسهل احتلالها وضمها، وهذا بحد ذاته أسمى الغايات، لا سيما في مثل هذه الظروف المُضية، التي أشقت الإنسان الفلسطيني، ولم يعُد بعد آلامها زيادة لمُستزيد!
أسواق العمل كلها في المنطقة والعالم، مغلقة أمام الفلسطينيين، وأصدقاء حكومتي الأمر الواقع، هم الأشد إغلاقاً لأسواقهم، علما بأن معظم الأسواق مفتوحة للفليلبيني والهندوسي والبوذي وللجواسيس من أربع رياح الأرض. وغاية الإغلاق معلومة، وهي أن لا يقاوم الفلسطيني احتلالاً يقتل ويتوحش ويسد الآفاق. ويرتسم العار، عندما تبادر دولة الإحتلال نفسه، فتفتح الباب موارباً الى سوق العمل، لكي تخلق إنطباعاً عن نفسها باعتبارها مبتغى المواطن الفلسطيني البسيط، والطرف الذي يمكن أن يوفر لأسرته طعامها وطبابتها. وهذه نقطة تضرب السياسة على الجانب الفلسطيني في مقتل، لأن من بين دلالتها الظاهرة والسطحية؛ أن النخب الوطنية السياسية معزولة عن شعبها، وأن مشكلة إسرائيل معها وليس مع شعب فلسطين. وفي هذا السياق يكمن أحد ممارسات التزوير والتدليس، علماً بأن النخب السياسية التي تريد إسرائيل البرهنة على لا جدواها، وعلى كونها حمولة زائدة؛ قد أساءت لنفسها بنفسها، سواء بنظرتها الأحادية للمشهد العام في وطنها، أو ببرامجها وبمفردات وأولويات إنفاقها. وبالطبع مثلما هي فشلت في السياسة وفي المقاومة؛ فشلت في التنمية. ففي الأولى، لم يتقدم برنامجها قيد أُنملة ومن بين الأسباب أن يُنيتها غير تمثيلية ولا يمكن أن تكون ضاغطة سياسياً بشفاعة بُنية غير ذات مؤسسات ولا تحظى بولاء الكتلة الشعبية. وفي المقاومة فشلت أيضاً وليس أدل على ذلك من وجوب إجزال الشكر لمن يساعدون المقاومة على تثبيت التهدئة. وبالنظر الى هذا المآلات، السياسية والنضالية، يصح السؤال عن الرؤية التي سبقتها إن كانت هناك رؤية. فلو عدنا الى الإرشيفات، سنجد الكثير من الآراء والنصائح التي كان أصحابها يطالبون بجودة الرؤية، وبتلازم البرامج السياسية والنضالية مع البرامج الإجتماعية، وفق قراءات صحيحة لمعطيات الجغرافيا وأوضاع الناس. وللأسف كانت العلة، في خطاب الدولة التي عبرت عن نفسها قبل أن تتحقق، وفي خطاب التحرير الفوري الذي عبر عن نفسه قبل أن يتقدم متراً. وفي السياقين، لم يفلح أي طرف، ولم يأخذ بالمعطيات، مثل الجغرافيا وموازين القوة والطابع الإجرامي للاحتلال. إن الدولة كمنجز سياسي، هي محصلة تراكم كَمّي من المآثر والإنجازات وليس من المخازي ومن شطب المؤسسات من إطلاق القبضة الأمنية على الشعب وكم الأفواه. كذلك إن المقاومة ستتعثر حكماً، عندما تنبثق عن مجتمع ينتظر كوبونات الإعاشة ، وتتراكم فيه أجيال العاطلين عن العمل، ويجري الحكم باسمه وليس بقراره.
هذا كلام موضوعي، لا يصح أن يقال سواه، لتعليل التدفق الشبابي على مركز تسجيل أسماء الراغبين في العمل في السوق الإسرائيلية. فالعمال يتزاحمون غير ملومين!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى