تقارير

موسم قطاف الزيتون.. عُرس فلسطيني بامتياز

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الخامسة للأنباء | تقرير محمد وشاح

في أكتوبر من كل عام، يجدّد الفلسطينيون عهدهم للشجرة المباركة، ويبدؤون الإستعداد لموسم قطف ثمار الزيتون، الذي يعدّ أقدس ما تبقى من التراث الفلسطيني، حيث بدأ الفلسطينيون قطف الثمار بروح تملؤها السعادة، كيف لا وهم يقطفون اليوم ثمار ما زرعته أيدي الآباء والأجداد منذ مئات السنين.

أجواء قطف الزيتون في فلسطين

مع إشراقة الشمس، تجتمع العائلة الفلسطينية بأكملها على مائدة الطعام، أو ما تُعرف عند الفلاحين بـ”كسر السُفرة”، لتناول وجبة الفطور، لينطلقوا بعد ذلك إلى الأرض الطيبة، لقضاء يوم جميل وممتع بين أشجار الزيتون، يتفيّؤون ظلالها، وينهلون من خيراتها.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

في موسم الزيتون، تُبصر الفرح بأجمل معانيه وأبهى صوره في عيون الصغار والكبار، الكل يسهم في هذه المناسبة الجميلة، التي يحرص الكبار تحديداً على إعطائها شكلاً خاصاً يذكّرهم بسنين مضت، أو لربما يعيدهم إلى طفولتهم.

يتميز موسم الزيتون هذا العام ببهجته الإحتفالية المعتادة، حيث كان الموسم جيداً، وجاءت الأمطار وفيرة، ففي فلسطين لا تعتبر شجرة الزيتون مجرد مصدر اقتصادي مهم لشريحة كبيرة فقط، بل تعدت ذلك لتشكّل مكوناً من مكونات الهوية الوطنية، ورمزاً للتجذر والإصرار على البقاء.

ويشكل موسم الحصاد عرساً شعبياً كبيراً، يجتمع فيه الأهل، كبيرهم وصغيرهم، ويعدون الطعام في الخلاء بعد يوم عمل شاق، نكهة مختلفة.

الأسر تتشاطر البهجة والسرور برؤية حصاد تعبها في المعصرة، بعد وضع الثمار في حاويته الخاصة أول الخطوات قبل تدفق «البترول الأخضر».. الزيت في البراميل، من ثم إلى المنزل ويتقاسمونه مع الأهل والأحباب.

رمزية الزيتون في فلسطين

وتجذّر شجر الزيتون في التراث الفلسطيني كرمزٍ لعمق جذوره في الأرض المباركة، وقوة صموده ومقاومته للاحتلال، كجذورها الصامدة في الأرض وجذعها المقاوم للاقتلاع من تربتها.

جملة لم يُرددها عبثًا الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فلم يخلُ خطاب له تقريبًا منها، ليؤكد للعالم أن زيتون فلسطين هو تاريخها وموروثها الثقافي والاجتماعي، وكذلك جوهر اقتصادها، وأن إسقاطه قد يعني إسقاط المشروع الوطني الفلسطيني.

بدأ تأصيل هذا المشروع على المستوى الدولي في خطاب عرفات أمام الجمعية العامة في الأمم المتحدة عام 1974، حينما طالب – بعد سنوات النضال والثورة منذ الخمسينيات – قائلًا: “جئتكم بغصن الزيتون في يدي وببندقية الثائر في يدي، فلا تُسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

ولشجرة الزيتون قيمة دينية راسخة في عقيدة الشعب الفلسطيني المُستمدة من القرآن الكريم والسُنّة، فهي بتقرير القرآن الكريم “شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ”، وبركتها مرتبطة ببركة أرض فلسطين “الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” وأقسم بها الله سبحانه وتعالى: «والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين».

أما عن قيمته التاريخية فهي محفورة في ذاكرة الشعب الفلسطيني، باعتبارها أكبر شجرة مُثمرة مُعمّرة في فلسطين، ومزروعة في أرض فلسطين مُنذ القِدم، ويقف بعضها راسخاً منذ آلاف السنين شاهداً على صدق الرواية الفلسطينية بعروبة فلسطين منذ عهد الكنعانيين العرب إلى يومنا هذا.

مأثورات وأمثال شعبية

ولعل كثرة وانتشار الأمثال والمأثورات الشعبية الفلسطينية عن الزيتون وزيته، يعكسان عمق العلاقة بين الفلسطيني وهذه الشجرة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: «خبزي وزيتي عمارة بيتي»، و«اذا كان في البيت خبز وزيت، وقفت أنا وغنيت»، و«إشرب زيت وناطح الحيط»، و«غرسوا فأكلنا، ونغرس ليأكلوا».

وأيضاً “زيته طيّب بس لقاطه بشيّب» و«ما حدا بقول عن زيته عكر” وغيرها الكثير من الأمثال الشعبية الفلسطينية.

كما اكتسبت شجرة الزيتون الأثيرة على قلوب الفلسطينيين، خلال سنوات الاحتلال، دلالة رمزية كبيرة، لأنها تنهض دليلاً لا يُدحض ، على رسوخ جذور الفلسطيني في أرضه منذ آلاف السنين، وبرهاناً على تداعي وتهافت الرواية الصهيونية عن «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، لذلك يناصبها الاحتلال ومستوطنوه العداء والكراهية للشعب الفلسطيني، فهي الشاهد على غربتهم وإغترابهم عن أرضهم.

المحصول المتوقع

وقال مدير عام مجلس الزيتون الفلسطيني فياض فياض، إن إنتاج 35 ألف طن وفقاً لتوقعات الموسم الحالي يعني تحقيق ثاني أفضل إنتاج خلال العشرين عاماً الأخيرة”.

وتُصدر فلسطين قرابة أربعة آلاف طن زيت زيتون تصل قيمتها إلى 30 مليون دولار أمريكي.

ويشار إلى أن صادرت فلسطين من زيت الزيتون ترسل إلى دول الخليج لأبناء الجالية الفلسطينية في السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان، والأردن وأمريكا ودول أوروبية أخرى.

وأن دول الخليج تستورد ما يصل إلى خمسة آلاف طن سنوياً لافتاً إلى أن الولايات المتحدة واليابان وماليزيا وإندونيسيا تعتبر سوقاً استهلاكياً رئيسياً لزيت الزيتون.

يذكر أن حجم المساحات المزروعة بالزيتون في قطاع غزة تقدر بنحو 43 ألف دونم بينها 34 ألف دونم مثمرة، بمعدل إنتاج طن للدونم الواحد.

الصراع على الأرض

ينتهج الإحتلال الاسرائيلي و مستوطنيه سياسية حرب ضد الشجرة المباركة لما تحمله من رموز تشير إلى تاريخ الأرض المحتلة و الوجود الفلسطيني الثابت حيث ينشط الإحتلال في اقتلاع و تجريف الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة الزيتون.

سجلت منطقة عرابة مؤخراً إحراق المستوطنين لـ400 شجرة زيتون قديمة فاق عمرها الخمسين عاماً، مما تسبب أزمة اقتصادية لمالكيها أيضاً لجأ المستوطنون إلى سياسة جديدة مؤخرًا وهي سرقة الثمار والإستفادة منها شخصياً وبيعها.

وفي العام الماضي اقتلع المستوطنون في بلدة كفر الديك غرب سلفيت 700 شجرة زيتون، وفي بلدة سبسطية غرب نابلس 300 شجرة زيتون، و240 شجرة زيتون في قرية المزرعة الغربية شمال غرب رام الله، وفي الخليل، خاصة في خلة البير في ترقوميا وخربة التوانة، تم قص وتكسير 300 شجرة زيتون، كما تم اقتلاع 280 شجرة في بلدة قفين في طولكرم.

وابتدع المستوطنون خلال موسم الزيتون الماضي، أساليب أكثر تطرفاً تمثلت بإغراق الاشجار بالمياه العادمة ورش مواد سامة على جذور أشجار الزيتون ما أدى لتلفها بالكامل، كما حدث في قرية دير الحطب شرق نابلس، حيث تم إغراق 50 شجرة زيتون بالمياه العادمة والمواد السامة، و100 شجرة زيتون في جالود جنوب نابلس بالرش بالمواد السامة. ومن الأساليب كذلك زرع أجسام مشبوهة لتظهر على انها الغام بالاضافة الى زراعة قضبان حديدية في اراضي المواطنين لاعطاب عجلات السيارات والجرارات الزراعية.

تُشير بيانات اللجنة الدولية، أنه تم تدمير أكثر من 9,300 شجرة في الضفة الغربية خلال فترة عام واحد (آب/أغسطس 2020 – آب/أغسطس 2021)، و بحسب دراسة نشرها معهد الأبحاث التطبيقية في القدس المحتلة، “أريج” فإنه منذ عام 1967 حتى عام 2012، اقتلعت قوات الاحتلال (الإسرائيلي) 800 ألف شجرة زيتون فلسطينية في الضفة الغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى