2023: تغيّرات مناخية عنيفة سوف تتفاقم!
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:
ينتهي اليوم العام 2022، مع ما سوف يحمله من أحداث دراماتيكية ومدمرة ومؤلمة حدثت على المستوى المحلي الفلسطيني، وعلى مستوى المنطقة والعالم، ومن ضمن الأحداث التي سوف ينتهي العام 2022، وما زالت أصداؤها تتردد، التغيرات البيئية والمناخية المدمرة التي حدثت، وبل تراكمت وتوسعت واشتدت حدتها خلال العام 2022، وكان آخر هذه الظواهر المناخية العنيفة ما حدث في أجزاء من الولايات المتحدة الأميركية، وبالأخص في ولاية نيويورك، حيث خلف الإعصار الجليدي العنيف عشرات القتلى ومئات الملايين من الخسائر مع تدمير كبير للبنية التحتية.
وتتجلى حدة التغيرات المناخية العنيفة من خلال البرودة الشديدة أو الحرارة الشديدة في بقاع العالم، التي حدثت وتحدث وسوف يتفاقم حدوثها خلال العام القادم والأعوام التالية، بسبب تواصل التلوث البيئي من الدول الصناعية الكبرى، من خلال بث غازات التلوث إلى طبقات الجو، وما يترتب على هذه الظواهر الحادة من آثار وتداعيات وأحداث لم يعشها أو يعتد عليها البشر خلال السنوات الماضية، والتي وفي ظل عدم الالتزام بالحد من بث غازات التلوث إلى طبقات الجو، سوف تتعمق وتزداد حدتها وتتفاقم آثارها المدمرة على البشر، وعلى النظام البيئي الذي اعتدنا عليه.
وسوف تغرق مدن ودول ومنها دول كبرى تحت المياه بسبب الفيضانات الحادة، ومع درجات حرارة فوق الأربعين درجة في دول ومناطق أوروبية وفي دول أخرى في العالم لن تتوقعها في أسوأ السيناريوهات، ومع موجات جفاف قاسية سوف تضرب أوروبا والشرق الأوسط، حيث أصبح التصحر السمة البارزة فيهما، وبالتالي يشكل ذلك تهديداً خطيراً للأمن الغذائي، ويصبح خطر المجاعة أمراً واقعاً، ومع شح مصادر المياه، وبالأخص مصادر المياه الجوفية بسبب قلة الأمطار والاستنزاف المتزايد للمياه وازدياد ملوحة المياه، سوف تتعمق آثار التغيرات المناخية مع تداعيات اقتصادية واجتماعية ونفسية وسياسية حادة.
كل ذلك يترافق مع تسارع ذوبان الجليد، وبالتالي ارتفاع مستوى مياه البحار والمحيطات، والخطر الشديد لفيضانات مفاجئة مدمرة كما حدث خلال العام 2022 وفي مناطق مختلفة في العالم، وبالتالي احتمال اختفاء مدن وربما دول خلال فترات أسرع مما كان متوقعاً، ومع احتمال انتشار حشرات وأوبئة وأمراض جديدة تهدد البشرية والإنتاج الغذائي، ومع الاستنزاف المتزايد لمصادر الطاقة غير المتجددة، مع كل هذه التغيرات البيئية المناخية، والتي نحن في فلسطين أصبحنا نتعايش معها، أصبح عالم التغيرات المناخية العميقة يتجسد وسوف تبرز بقوة أكبر خلال العام 2023.
ورغم قمم المناخ العالمية السنوية، والتي كانت آخرها في مدينة شرم الشيخ المصرية، والتي في العادة يشارك فيها ممثلو حوالى 200 دولة، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والخبراء والباحثين، ويتم التركيز خلال هذه القمة على عرض الأدلة والبيانات ونتائج الأبحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون، سواء أكانوا يتبعون مراكز أبحاث مستقلة أو هيئات أكاديمية، أو حكومات أو هيئات دولية، ومنها ما يتبع منظمة الأمم المتحدة بتخصصاتها وبرامجها المختلفة، رغم ذلك كله ما زالت الدول التي وقعت على نتائج هذه القمم لا تلتزم بالتطبيق العملي لهذه القرارات.
وما زالت الصورة القاتمة التي وصلت إليها الأرض وما تحويه من نظام بيئي تتجسد، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف بغازات الدفيئة، وانعكاسات ذلك من خلال ما تجسد من ارتفاع كبير ومستدام في درجة حرارة الأرض في السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الأمطار، وتشكل الأمطار الحامضية، والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل، أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة، وبالتالي انتشار الأمراض المعدية، وتداعي الأمن الغذائي، وتلوث المياه، وذوبان الجليد والفيضانات وما يمكن أن يجر ذلك من كوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.
وبصرف النظر عن القرارات أو الإجراءات التي سوف تتم خلال العام 2023، ومنها قرارات قمة المناخ العالمية المقرر انعقادها في مدينة دبي الإماراتية، وبصرف النظر عن الآلية التي تم وضعها للتطبيق العملي لهذه القرارات، والتي تهدف في الأساس إلى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها في الجو، وإلى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، إلا أن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها، وما زالت تحدثها هذه الدول بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية، ولكنها تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر إيلاماً أو دون إنصاف وعدل، والتي سوف تزداد خلال العام 2023، وهذا سوف يفاقم غياب ما بات يعرف بـ«العدالة المناخية»، أو بالأحرى عدم وجود أو غياب عدالة مناخية في العالم.
وهذا يعني بالتحديد الصورة القاتمة والظالمة التي باتت تحياها دول فقيرة أو ضعيفة، ولا تملك المصادر أو الإمكانيات للتعامل مع تداعيات بيئية ومناخية وربما صحية، ونحن من هذه الدول، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الأيام نلمس هذه التداعيات على أشكال مثل: شح الأمطار وارتفاع حرارة الأرض، وذوبان الجليد، وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحر أي فقدان قدرة التربة على الزراعة والتلوث، وانتشار بعض الأمراض بسبب ظهور آفات جديدة.. وما إلى ذلك، وما ينتج عنه من التداعيات الإنسانية والسياسية والاجتماعية، والتي تأتي إفرازاً أو نتاجاً لغياب العدالة المناخية، والتي سوف تتفاقم خلال العام 2023.
وتحقيق العدالة المناخية يعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، ما يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، أو إلى التوجه نحو الاستثمار أكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، أو نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يؤثر على عالم الاقتصاد والمال والاستثمار والعمل والتشغيل، ما يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، أو تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، ويعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم وبالأخص قمم الدول الصناعية الغنية.
وفي ظل تعمق آثار التغيرات المناخية وبشكل سريع وعنيف وخطير، والتي سوف تتجلى أكثر وضوحاً في العام 2023، فإننا في فلسطين، ورغم إننا لسنا بالبلد الصناعي أو الزراعي ذي التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، إلا أننا نتأثر وسوف نتأثر بشدة خلال العام 2023، بما يقوم به الآخرون في العالم، وسوف يستمر هذا التأثر ويزداد ويشمل جوانب أساسية من حياتنا، مثل: المياه والتربة والغذاء والصحة والطاقة، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والزيادة المرتفعة نسبياً في أعداد السكان، فقد يكون هذا التأثير علينا كبيراً وملموساً، حيث بدأنا نلمس آثاره وسوف يزداد في مجالات المياه والإنتاج والأمن الغذائي والجفاف وتداعي محاصيل، والتصحر وتراكم النفايات بأنواعها، وفي المجالات الصحية والاجتماعية والاقتصادية وربما السياسية، وربما يكون العام 2023 هو العام الذي ستكون أولويات العالم – ونحن منه – هي كيفية التعامل أو الحد من آثار تغيرات مناخية وتداعيات بيئية، تم التحذير منها قبل سنوات عديدة.



