تقارير

في ذكرى نصر أكتوبر.. مصر القلب النابض لفلسطين وأهلها

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

خاص الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:

حرب أكتوبر، حرب العاشر من رمضان لدى أخوتنا المصريين، حرب تشرين التحريرية لدى الأشقاء في سوريا، وهي حرب يوم الغفران، أو «ميلخمت يوم كيبور» لدى الاحتلال الإسرائيلي، كلها مسميّات لذات الانتصار الذي سحقت فيه الجيوش العربية، الجيش الذي لا يهزَم كما يروّجُ الاحتلال الإسرائيلي لقواته النازية الغاشمة.

هي حربٌ شنتها كل من مصر وسوريا في وقتٍ واحدٍ على إسرائيل عام 1973م، وهي خامس الحروب العربية ضد العدو الإسرائيلي بعد حرب 1948، وحرب السويس عام 1956، وحرب الأيام الستة عام 1967، وحرب الاستنزاف ما بين عامي 1967-1970.

دوافع الحرب

كانت إسرائيل في الحرب الثالثة قد احتلت شبه جزيرة سيناء من مصر وهضبة الجولان من سوريا، بالإضافة إلى الضفة الغربية التي كانت قبيل ذلك تحت الحكم الأردني، وقطاع غزة الخاضع آنذاك للحكم العسكري المصري.

المُباغتة وتحقيق الأهداف

بدأت الحرب في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973 م، بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية؛ أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة، وقد ساهمت في الحرب بعض الدول العربية سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي.

عقب بدء الهجوم حققت القوات المسلحة المصرية والسورية أهدافها من شن الحرب على إسرائيل، وكانت هناك إنجازات ملموسة في الأيام الأولى للمعارك، فعبرت القوات المصرية قناة السويس بنجاح وحطمت حصون خط بارليف وتوغلت 20 كم شرقاً داخل سيناء، فيما تمكنت القوات السورية من التوغل إلى عمق هضبة الجولان وصولاً إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

فشل ذريع للجيش الذي «لا يهزّم»

في نهاية الحرب تمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاشم من تحقيق بعض الإنجازات، فعلى الجبهة المصرية تمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني ومدينة السويس، ولكنه فشل في تحقيق أي مكاسبَ استراتيجيةٍ سواءً باحتلال مدينتي الإسماعيلية أو السويس، أو تدمير الجيش الثالث، أو إجبار القوات المصرية على الانسحاب إلى الضفة الغربية مرة أخرى، أما على الجبهة السورية فتمكن من رد القوات السورية عن هضبة الجولان واحتلالها مرة أخرى.

التعويضات

تدخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي لتعويض خسائر الأطراف المتحاربة، فمدت الولايات المتحدة جسراً جوياً لإسرائيل بلغ إجمالي ما نقل عبره 27895 طناً من الإمدادات العسكرية، في حين مد الاتحاد السوفيتي جسراً جوياً لكل من مصر وسوريا بلغ إجمالي ما نقل عبره 15000 طناً، إضافة إلى نحو 63,000 طناً من الأسلحة عن طريق البحر وصلت قبل وقف إطلاق النار، ونقل أكثرها إلى سوريا.

النصر العربي المؤزّر

انتهت الحرب رسمياً في الرابع والعشرين من أكتوبر باتفاقٍ على وقف إطلاق النار، تم توقيعه بين الأشقاء العرب والاحتلال الإسرائيلي، ولكنه لم يدخل حيز التنفيذ على الجبهة المصرية فعليّاً حتى 28 أكتوبر.

على الجبهة المصرية حقق الجيش المصري هدفه من الحرب بعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف واتخاذ أوضاع دفاعية، وعلى الرغم من حصار الجيش المصري الثالث شرق القناة، فقد وقفت القوات الإسرائيلية كذلك عاجزةً عن السيطرة على مدينتي السويس والإسماعيلية غرب القناة.

فض الاشتباك ومباحثات الكيلو 101 

تلا ذلك مباحثات الكيلو 101 واتفاقيتي فض اشتباك، ثمّ جرى لاحقاً بعد سنوات توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل كنهاية سياسية لحرب أكتوبر في 26 مارس/آذار 1979، واسترداد مصر لسيادتها الكاملة على سيناء وقناة السويس في 25 أبريل/نيسان 1982، ما عدا طابا التي تم تحريرها عن طريق التحكيم الدولي في 19 مارس/آذار 1989.

مائة وخمس سنوات على بداية النكبات الفلسطينية

أمّا على الجبهة السوريّة، فقد وسّع الجيش الإسرائيلي الأراضي التي يحتلها وتمدد حوالي 500 كم2 وراء حدود عام 1967 فيما عرف باسم جيب سعسع، وتلا ذلك حرب استنزاف بين الجانبين السوري والإسرائيلي استمرت 82 يوماً في العام التالي، وانتهت باتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل، والتي نصت على انسحاب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في حرب أكتوبر، ومن مدينة القنيطرة، بالإضافة لإقامة حزام أمني منزوع السلاح على طول خط الحدود الفاصل بين الجانب السوري والأراضي التي تحتلها إسرائيل.

اهتمام القيادات المصرية بالقضية الفلسطينية

من خلال استعراض الدور والمواقف المصرية حكومةً وشعباً من القضية الفلسطينية عبر أكثر من نصف قرن، نجد أن ارتباط مصر بقضية فلسطين هو ارتباط دائم ثابت تمليه اعتبارات الأمن القومي المصري وروابط الجغرافيا والتاريخ والدم والقومية مع الشعب الفلسطيني، لذلك لم يكن الموقف المصري من قضية فلسطين في أي مرحلة يخضع لحسابات مصالح آنية، ولم يكن أبداً ورقة لمساومات إقليمية أو دولية، فلم يتأثر ارتباط مصر العضوي بقضية فلسطين بتغير النظم والسياسات المصرية، فقبل ثورة 23 يوليو 1952، كان ما يجرى في فلسطين موضع اهتمام الحركة الوطنية المصرية، وكانت مصر طرفاً أساسياً في الأحداث التي سبقت النكبة في 1948، ثم في الحرب ذاتها التي كان الجيش المصري في مقدمة الجيوش العربية التي شاركت في الدفاع عن أرض فلسطين، ثم كانت الهزيمة في فلسطين أحد أسباب تفجر ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار الذين استفزتهم الهزيمة العسكرية .

الملك فاروق والدفاع عن فلسطين أثناء نكبة الـ48

في 28 مايو 1946 اجتمع ملوك ورؤساء وممثلو 7 دول عربية في “أنشاص” للتباحث في قضية فلسطين ومواجهة هجرة اليهود للأراضي الفلسطينية، وفقًا لميثاق جامعة الدول العربية الذي نص على وجوب الدفاع عن الدول العربية في حال وقوع اعتداء عليها، حيث قرر المجتمعون التمسك باستقلال فلسطين التي كانت قضيتها هي القضية المحورية في جميع المؤتمرات .

كما أعلن الملك فاروق عن مشاركة الجيش المصري في نكبة 1948، حيث أدرك أن الرأي العام المصري والعربي لدية رغبة في الإسهام في عملية إنقاذ فلسطين.

فلسطين على سُلّم الأولويات

وضع جمال عبد الناصر القضية الفلسطينية في مقدمة اهتماماته، فكانت دعوته لعقد مؤتمر الخرطوم الذي رفع فيه شعار «لا اعتراف، لا صلح، لا تفاوض» مع إسرائيل، والذي سمي بمؤتمر «اللاءات الثلاث»، كما كان لمصر بقيادة عبد النصار دوراً كبيراً في توحيد الصف الفلسطيني من خلال اقتراح إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، كما ساندت مصر في القمة العربية الثانية التي عُقدت في الاسكندرية في الخامس من سبتمبر 1964، قرار المنظمة بإنشاء جيش للتحرير الفلسطيني، وفي عام 1969، أشرف عبد الناصر على توقيع اتفاقية «القاهرة» دعماً للثورة الفلسطينية، واستمر دفاعه عن القضية الفلسطينية الى أن توفى سنة 1970م.

السادات وشعار النصر والسلام

كانت نظرة الرئيس الراحل أنور السادات ثاقبة في تقدير العلاقات العربية مع إسرائيل، لذا أطلق عليه بطل الحرب والسلام بين المثقفين المصريين، حيث خاضت مصر حرب أكتوبر بقيادته، والتي توجت بالنصر فرفع شعار «النصر والسلام»، ولا يمكن أن نتجاهل مطالبات السادات بحقوق الشعب الفلسطيني خلال خطابة الشهير في الكنيست الإسرائيلي، والذي طالب فيه بالعودة إلى حدود ما قبل 1967، خلال مؤتمر القمة العربي السابع الذي انعقد في التاسع والعشرين من نوفمبر 1973 في الجزائر.

وأقر المؤتمر شرطاً للسلام مع إسرائيل هو الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس، وفي أكتوبر عام 1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراها رقم (3375) بدعوة منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في جميع المؤتمرات المتعلقة بالشرق الأوسط بناءً على طلبٍ تقدمت به مصر وقتها نتيجة إعلان رفقة الدول العربية  في أكتوبر 1974،عن مناصرة حق الشعب الفلسطيني في إقامة السلطة الوطنية المستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكانت آخر جهود السادات هي ما بادر به من خلال دعوة الفلسطينيين والإسرائيليين للاعتراف المتبادل.

مصر داعم أساسي لفلسطين

استمرت مصر في دعم القضية الفلسطينية بعد ذلك، ففي زمن الرئيس محمد حسني مبارك، سحبت مصر سفيرها من إسرائيل عقب مجزرة صبرا وشاتيلا، ثم طرح الراحل مبارك خطته للسلام التي تضمنت ضرورة حل القضية الفلسطينية طبقاً لقرار مجلس الأمن، ومبدأ الأرض مقابل السلام، مع وقف الاستيطان الإسرائيلي، وفي سبتمبر عام 1993 شارك مبارك في توقيع اتفاق أوسلو الخاص بحق الفلسطينيين في الحكم الذاتي، وفي 2003 أيدت مصر وثيقة «جنيف» باعتبارها نموذج سلام لتهدئة الأوضاع في المنطقة.

وبعد ثورة 25 يناير، بذلت مصر جهوداً كبيرة من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حركتي فتح وحماس، وفتحت معبر رفح وفقاً لترتيبات أمنية جديدة بالتنسيق مع الطرفين فتح تجنباً لأن يكون لها دوراً بتعزيز الانقسام.

فلسطين في عهد السيسي

أشاد رئيس العمليات لمنطقة الشرق الأوسط باللجنة الدولية للصليب الأحمر روبير مارديني بالتعاون الوثيق بين اللجنة والحكومة المصرية في إطار الجهود المبذولة لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني في أزمته. وقد سمحت السلطات المصرية بدخول عشرات المصابين الفلسطينيين للعلاج في المستشفيات المصرية، فضلاً عن السماح بدخول شحنات المساعدات من الأدوية والمواد الغذائية والمهمات الطبية بعد كل عدوان إسرائيلي على غزة، لتبقى القضية الفلسطينية في قلب أم الدُّنيا النابض إلى يومنا هذا.

ورعت الحكومة المصرية، الحوار الوطني الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، واستضافت الطرفين في عدد من جولات الحوار بهدف التوصل إلى وفاق وطني يعيد رأب الصدع بينهما، لحماية القضية الفلسطينية مما لحق بها من ضرر نتيجة الانقسام البغيض.

مساعدات مصر لفلسطين في المجال العلمي والتكنولوجي

لم تتوقف إسهامات الأشقاء المصريين في إسناد أبناء الشعب الفلسطيني المحتل عند بعض الأدوية والمواد الغذائية والإسناد السياسي، فقد أسهمت مصر بدرجة كبيرة من رفع مستوى العلمي والتكنولوجي، من خلال تعليم استقبال آلاف الشبان الفلسطينيين، لا سيما من أبناء قطاع غزة في الجامعات المصرية، لينهلوا من مناهل العلم كافة، بدءاً بالطب والأدب، وليس انتهاءً بالهندسة والفنون، وقد حظي الطلاب الفلسطينيين في مصر على معاملة لا تمييز فيها، حيث اعتبرتهم مواطنين من الدرجة الأولى، فيما تعايش المصريون المقيمون في قطاع غزة، والذين يبلغ تعدادهم وفق ما توفر لدينا من إحصائيات نحو أربعين ألف مصرياً، في أُلفةٍ ومحبةٍ ووئام مع أبناء الشعب الفلسطيني.

التبادل التجاري بين فلسطين ومصر

قفزت قيمة صادرات مصر إلى فلسطين خلال عام 2021، بنسبة 72.6%، لتسجل 284.4 مليون دولاراً أمريكياً مقابل 164.8 مليون دولار عام 2020.

وفي المقابل، زادت قيمة الواردات من فلسطين إلى مصر إلى 2.6 مليون دولار عام 2021، مقابل 40 مليون دولار عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 6300%، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر.

وبلغت قيمة الاستثمارات الفلسطينية في مصر 1.1 مليون دولار خلال 2020-2021م، لتبقى جمهورية مصر العربية، الحاضنة السياسية والثقافية والعلمية والتوأم الجغرافي للشعب الفلسطيني، بل شعب الأشقاء النابض دوماً بحبِّ فلسطين وأهلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى