رمضانيات

زكاة الفطر.. أحكامها الفقهية ومقاصدها الشرعية

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

زكاة الفطر هي الزكاة التي سببها الفطر من رمضان، وقد فرضت في السنة الثانية للهجرة، وهي السنة التي فرض فيها الصيام، والفرق بينها وبين الزكوات الأخرى أنها فرضت على الأشخاص لا الأموال، ولهذا لا يشترط لها ما يشترط للزكوات الأخرى من نصاب وحول وغير ذلك.

مقاصدها الشرعية

زكاة الفطر مقصدة معللة بحديث ابن عباس قال: “فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات”. أبو داود بسند حسن، ويمكن إيجاز مقاصدها فيما يلي:

التزكية والتطهير: وهو مقصد عام للزكاة عموما وللفطر خصوصا قال تعالى: ﴿خذ من أموٰلهم صدقة ‌تطهرهم وتزكیهم بها﴾ [التوبة: 103]، فالزكاة تطهر نفس المسلم من داء الشح والبخل وتكسر عنده حدة حب المال وكنزه ومنعه عن أصحاب الحاجات.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

الجبر والتكميل: كل صائم يقع في صومه من الغيبة والنميمة وفضول الكلام والنظر ما يقع فتأتي صدقة الفطر لتجبر النقص وتكمل الأجر والثواب للصائم وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “طهرة للصائم من الرفث واللغو”، وعن وكيع بن الجراح رحمه الله قال: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدتي السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم كما يجبر السجود نقصان الصلاة”.

التكافل والإغناء: من مقاصد الزكاة عموما والفطر خصوصا تكافل المسلمين وتعاونهم ودعم مساندة الأغنياء للفقراء والشعور بحاجاتهم والسعي للتخفيف عنهم، لكن صدقة الفطر وسعت دائرة العطاء والتكافل فلم تشترط في دافعها أن يبلغ حد الغنى المطلوب في دافع الزكاة المفروضة.

الشكر والبذل: فالمسلم حين يدفع زكاة الفطر يشكر الله على نعمة إتمام الصيام والقيام وبلوغ رمضان والتوفيق فيه للطاعات، ويحمد الله على نعمة اليسار والكفاف، ويعود نفسه على شكر النعم بالبذل والعطاء، ويصل الصيام بالزكاة، والطاعة بأختها.

الفرح العام بالعيد: شرعت زكاة الفطر لتعم الفرحة بالعيد كل أفراد المجتمع فلا يفرح بها الغني الموسر ويحرم منها الفقير المعدم، فلا بد أن يظهر المعنى الإنساني التراحمي التكافلي في أعياد المسلمين، لهذا شرعت زكاة الفطر في عيد الفطر، والأضحية في عيد الأضحى ورصد الأجر العظيم على الشعيرتين ترغيبا في إدخال السرور على الناس وجبر خواطرهم.

حكمها وعلى من تجب

زكاة الفطر فرض باتفاق جمهور الفقهاء، ودليل فرضيتها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: “فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين”، البخاري.

وتجب على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، ولا تجب عن الجنين إلا إذا استهل صارخا قبل فجر يوم العيد، فإن تطوع بها عنه فلا بأس، ويجب إخراجها عن نفسه، وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب، ولا يدفع الرجل عن زوجته غير المسلمة عند جمهور الفقهاء، ويجب عليه دفعها عند أبي حنيفة وأصحاب الرأي وهو ما أرجحه خاصة لمسلمي أوروبا، لأنها وإن لم تصم إلا أن زوجها ملزم بنفقتها، وبالدفع عنها يتحقق مقصد طعمة للفقراء والمساكين، وهو أنسب لتأليف قلبها وتوسيع دائرة الإعطاء.

من يجب عليه دفعها

تجب زكاة الفطر على كل مسلم أو مسلمة يملك مقدارها فاضلا عن قوته وقوت من تلزمه نفقتهم يوم العيد وليلته، وفاضلا عن مسكنه وأثاثه، وحوائجه الأصلية، ولا يشترط لوجوبها ملك نصاب الزكاة كما قال أبو حنيفة قياسا على زكاة المال، لأن الفطرة متعلقة بالأبدان، والزكاة متعلقة بالأموال فافترقا، وعدم اشتراط الغنى لإخراجها يحقق مقصدا تربويا وأخلاقيا في المجتمع، وهو تدريب المسلم على الإنفاق في السراء والضراء والبذل في اليسر والعسر كما يرجح الإمام القرضاوي رحمه الله.

تغطية مستمرة.. تابعونا على قناة شبكة الخامسة للأنباء في تيلجرام

فإن أخذ الفقير زكاة المال وزاد قدرها عن حاجته وعياله يوم العيد وليلته أخرجها كذلك، والدين المطلوب سداده مقسطا، والدين المؤجل لا يمنعان من دفع زكاة الفطر.

مقدارها

حددت السنة النبوية مقدار زكاة الفطر في حديث ابن عمر المذكور آنفا “صاعا من تمر أو شعير…”، والصاع يتراوح تقديره بين كيلوغرامين ونصف إلى 3 كيلوغرامات تقريبا، وتجوز الزيادة عليه، لقوله تعالى في فدية الصيام وهي طعام مسكين: ﴿فمن ‌تطوع ‌خیرا فهو خیر له﴾ [البقرة: 184]، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة لرجل تصدق بناقة كوماء -أي عظيمة السنام- وقد كانت فوق الواجب عليه.

ومن أراد إخراجها حبوبا أخرجها من غالب قوت البلد الذي يعيش فيه من الأصناف التي تقتات وتدخر، ولا يلتزم بالأصناف المذكورة في حديث ابن عمر، لأنها ليست تعبدية، وإنما كانت تمثل أقوات الناس في البيئة العربية، وغالبها لم يعد قوتا للناس اليوم لا في رمضان أو طوال العام كالتمر والزبيب، لهذا يصار اليوم إلى الحبوب التي تعد قوتا معتادا للناس طوال العام كالأرز والذرة وما شابههما.

هل يجوز إخراج زكاة الفطر نقودا؟

هذه المسألة أخذت أبعادا كبيرة جدا وصنفت فيها المصنفات المستقلة المطولة والمختصرة، وصدرت فيها القرارات المجمعية، ويعاد الجدال والنقاش فيها جذعا كما لو كان يطرح لأول مرة، وكثيرا ما يغيب في النقاش فيها أدب الخلاف، حيث يعتقد المانعون لإخراجها نقدا أن من يخالفهم مخالف للسنة وقد ذهب بعضهم إلى عدم إجزائها أصلا وأنه يجب على من أخرجها نقدا إعادة إخراجها حبوبا، واستمرار هذا الجدال في مسألة من مسائل الفروع يشوش على الناس في عبادتهم ويعكر أجواء التعبد والصفاء الروحي في العشر الأواخر من رمضان، ورغم ظهور بعد القول بوجوب إخراجها حبوبا عن مقصد زكاة الفطر وروحها، إلا أنه يجب أن نتوقف عن هذا الجدال المكرور وليخرج كل مسلم زكاته بما اطمأنت إليه نفسه أو قلد فيه مذهبه أو إمامه أو مفتيه أو ناسب ظرفه وحاجة الآخذين للزكاة في بلده، وليترك غيره يقلد من شاء من الأقوال الفقهية المعتبرة الأخرى.

إنني لا أتخيل أن يخرج أكثر من ملياري مسلم حول العالم زكاة فطرهم حبوبا، فمن أين يأتون بها؟ وأين تخزن؟ وكيف توزع، وماذا يفعل الفقراء بها، وكيف نعقد عبادة الأصل فيها اليسر وعدم التعقيد؟ لقد قرأت أن أحد العلماء رأى فقيرا في بلد يتمسك علماؤه بالحبوب ولا يجيزون إخراج القيمة، يحمل أكياسا ثقيلة من الأرز وليس معه مالا يأخذ به سيارة أجرة تصله لبيته، فترك أكياس الأرز في الشارع ومضى إلى حال سبيله، فهل حققنا بذلك مقاصد زكاة الفطر ومعانيها الشرعية، وهل عادت هذه المنهجية بخير على الأغنياء أو الفقراء، وهل قدمت صورة الإسلام الحضارية العالمية على نحو أكمل وأفضل؟

وقتها

جوز الإمام الشافعي إخراجها من أول رمضان، لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها كزكاة المال بعد ملك النصاب، وجوز أبو حنيفة دفعها من أول العام قياسا على زكاة المال، وجوز بعض الحنابلة إخراجها من نصف الشهر، والمالكية قبل العيد بيومين أو 3 أيام، والأنسب للناس اليوم خاصة في الغرب تعجيل إخراجها من منتصف رمضان أو في العشر الأواخر منه، حتى تتمكن المؤسسات والوكلاء من توزيعها وإيصالها لمصارفها قبل يوم العيد، ولأن الفقير حتى يشعر بفرحة العيد يحتاج أن يشتري الملابس والطعام ليوم العيد وقبله بأيام، وبعضهم يقوم بالشراء قبل رمضان تجنبا للزحام وبحثا عن الأقل ثمنا، جاء في قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قرار 4/23 :”تحقيقا للمصلحة فإن المجلس يحث على تعجيل دفع زكاة الفطر ابتداء من أول شهر رمضان، وبخاصة إذا كانت تنقل خارج بلد المزكي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى