أحوال الغزيون خارج حدود غزة
عام على حرب الإبادة.. الغزّيون في الشتات بين النجاحات والتحديات
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
أحوال الغزيون خارج حدود غزة.. إعداد: خليل قنن
مرّ عام على الحرب المدمرة التي شنتها إسرائيل، على قطاع غزة، مخلفةً دماراً شاملاً في كافة جوانب الحياة. مع استمرار الحصار، وجد الآلاف من الغزّيين أنفسهم مضطرين للهجرة خارج القطاع بحثاً عن حياة أفضل أو ملاذٍ آمن، ولو مؤقتاً.
يواجه الغزيون الذين يعيشون في الشتات تحديات الحياة اليومية، بين الحلم بالعودة وتحقيق الاستقرار في أوطان جديدة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على أحوال الغزّيين الذين هاجروا، بين من استطاع النجاح والبدء من جديد، ومن بقي عالقاً في أحلام العودة.
عقبات قانونية
اضطرّ العديد من أبناء قطاع غزة مغادرته بحثاً عن الأمان والاستقرار. ومع أن الرحلة إلى الخارج تحمل آمالاً جديدة، إلا أنها لا تخلو من مشكلات وصعوبات حقيقية. يشكل الوضع القانوني والإقامي تحدياً كبيراً للغزيين في دول اللجوء، حيث يقفون أمام عقبات قانونية، وإدارية، ومعيشية معقدة.
يعاني الكثير من الغزيين من مشكلات كبيرة تتعلق بالإقامة، حيث إن الكثير منهم خرجوا دون تأمين وضع قانوني واضح في الدول التي لجأوا إليها. بالنسبة لمعظمهم، لا توجد إقامات رسمية أو تسهيلات قانونية تضمن لهم حقوق الإقامة الدائمة أو المؤقتة، مما يجعلهم يعيشون في وضع غير مستقر.
ومع أن جمهورية مصر العربية تعتبر المنفذ الوحيد للخروج من غزة، إلا أن العديد ممن وصلوا إليها يواجهون صعوبة في الحصول على إقامة رسمية، ما يتركهم أمام خيارين: إما البقاء بشكل غير قانوني، أو محاولة إيجاد طرق للانتقال إلى دول أخرى، وهو أمر صعب ومعقد للغاية.
أما الإجراءات الحكومية والتسجيل في الجامعات والمدارس، فيواجه الغزّيون أيضًا صعوبات كبيرة في التعامل مع الإجراءات الحكومية في البلدان التي يلجأون إليها، وخاصة فيما يتعلق بتسجيل أبنائهم في المدارس والجامعات. تتطلب هذه الإجراءات أوراقًا قانونية مثل الإقامات والتصاريح، وهو ما يفتقر إليه العديد من اللاجئين الغزّيين بسبب تعقيدات وضعهم القانوني. هذا الأمر يؤدي إلى تعطيل تعليم أبنائهم ويزيد من التحديات التي تواجههم في توفير حياة مستقرة لعائلاتهم.
أزمات التعليم
يواجه الطلاب الغزّيون صعوبات كبيرة في استكمال تعليمهم، سواء بسبب نقص التمويل أو تعقيد الإجراءات القانونية والإدارية.
كريم علوان، وهو طالب من غزة حصل على منحة دراسية في تركيا، يوضح أنه يواجه تحديات تتعلق بتعديل شهاداته الثانوية بسبب الإجراءات البيروقراطية المعقدة من جهة، ومن جهة أخرى التأخير الطويل في إنجاز المعاملات داخل السفارة الفلسطينية.
وفي حديثه لشبكة “الخامسة للأنباء“، قال كريم: “أشعر بالإحباط بسبب التأخير الطويل في استكمال الأوراق المطلوبة. لقد استغرقت عملية تعديل الشهادات وقتًا أطول مما توقعت، وهذا يعرقل مسيرتي التعليمية ويضعني تحت ضغط كبير، خاصة أنني بحاجة إلى هذه الأوراق للبدء في دراستي الجامعية.”
وأشار كريم إلى أن “حياتنا ومستقبلنا في غزة قد دُمِّرا بالكامل، وهذا يزيد من صعوبة مواصلة الطريق نحو تحقيق أهدافنا.”
مرضى غزة بين الإهمال والمرض
يفتقر العديد من الغزّيين في الخارج إلى الرعاية الصحية المناسبة. أحمد حسين، أحد الناجين من الحرب الذي فقد عائلته كاملة وخرج من تحت الأنقاض في الأشهر الأولى للحرب على غزة، يعيش في مصر الآن.
ورغم معاناته، لا يستطيع استكمال علاجه بسبب التكاليف المرتفعة وعدم وجود تأمين صحي، مما يعكس التحديات الصحية القاسية التي يواجهها الكثيرون.
وتزداد المعاناة لدى مرضى السرطان الذين خرجوا من غزة خلال الحرب لتلقي العلاج في المستشفيات المصرية. هؤلاء المرضى يعانون من الإهمال الطبي، سواء من المستشفيات أو من السفارة الفلسطينية التي لم تقدم لهم الدعم اللازم.
نعيم قنن، وهو مواطن في الستينيات من عمره ويعاني من السرطان، قال في حديثه لـ”الخامسة للأنباء“: “تم إهمالنا بالكامل، لا نستطيع الحصول على العلاج اللازم، والمستشفيات لا تقدم لنا العناية الكافية. السفارة الفلسطينية لا تتجاوب مع استغاثاتنا، وهذا يزيد من معاناتنا، كأن الحرب لم تكتفِ بتدمير حياتنا في غزة بل لاحقتنا حتى هنا.”
نجاحات وبدايات جديدة
على الرغم من صعوبة الهجرة والظروف القاسية، استطاع بعض الغزّيين تحقيق نجاحات بارزة في حياتهم الجديدة.
محمد درويش، شاب غزّي يعمل في مجال الطب البيطري، بعد مغادرته القطاع بسبب الحرب. بدأ حياته المهنية في إحدى الشركات الدولية المتخصصة في مصر، ويحكي لـ”الخامسة للأنباء” عن تحديات البداية، ولكنه اليوم يشعر بالفخر لما حققه من إنجازات مهنية، ويعتبر نموذجاً للشباب الذين استطاعوا التميز في دول المهجر.
وفي حديثه، أشار محمد إلى حلمه بأن يصبح دكتورًا كبيرًا بعد إنهاء دراسته الجامعية، لكنه أوضح أن الحرب حالت دون تحقيق هذا الحلم في غزة. قائلًا: “لقد تركت بلدي بحثًا عن مستقبل أفضل، وأتمنى أن أتمكن من تحقيق طموحاتي في مجال الطب البيطري، رغم كل ما مررت به من صعوبات”.
وأكد أن تجربته في الطب البيطري في مصر ساعدته في تطوير مهاراته، لكنه يظل يشعر بالحنين إلى وطنه، حيث يأمل أن يعود يومًا ما ليساهم في إحداث تغيير إيجابي في مجتمعه.
أحلام العودة والواقع الصعب
في المقابل، لا يزال هناك من عالق في ظروف قاسية، يحلم بالعودة إلى غزة. حسن روقة، أب لثلاثة أطفال، غادر القطاع إلى مصر بعد اندلاع الحرب، ولكنه لم يستطع حتى الآن تأمين حياة مستقرة أو إيجاد فرصة عمل مناسبة.
وفي حديثه لـ”الخامسة للأنباء“، قال حسن: “كل ما أتمناه هو العودة إلى وطني وتوفير حياة كريمة لأطفالي.” وأضاف: “الحياة هنا صعبة، وفراق الوطن يثقل كاهلي، لكن أمل العودة يبقى حيًا في قلبي.”
يعكس وضعه معاناة العديد من الغزّيين الذين يعيشون في ظروف غير مستقرة، حيث تظل أحلام العودة تراودهم في كل لحظة، بينما يواجهون صعوبات في التأقلم مع الحياة في بلد جديد.
وعلى الرغم من مرور عام على حرب الإبادة، لا يزال الجرح نازفًا. يعيش الغزّيون، سواء في الداخل أو الخارج، بين النجاحات والبدايات الجديدة، وبين المعاناة والتحديات اليومية. لكن الأمل في العودة والعيش بكرامة يظل حيًا في قلوبهم، موحّدًا بينهم أينما كانوا. فهم مدفوعون بحبهم لوطنهم، وحلمهم بالعودة يومًا إلى أرض غزة الحبيبة.