حكايا في زمن الحرب.. بسلاله الملونة ينسج ضياء الدين أملاً للنازحين
"في زمنٍ تخلى فيه العالم عنا، تعلمنا أن نحارب القهر بالبقاء، ونصنع الأمل بأيدينا"
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
حكايا في زمن الحرب إعداد: شيماء مقداد
لم يكن “ضياء الدين أحمد” يتخيل أن شغف طفولته سيصبح ملاذًا له في أحلك الظروف، ووسيلة لإحداث فرق في حياة النازحين الذين تركوا وراءهم كل شيء.
ومن بين أنقاض الحرب، وتحت وطأة النزوح والقهر ، وجد العشريني ضياء نفسه أمام تحدٍّ جديد، لا يتعلق فقط بحياته، بل بحياة آلاف العائلات في جنوب غزة.
“أعادتنا الحرب عقودًا إلى الوراء، فارضةً علينا التكيف مع قسوتها وتدبير احتياجاتنا الأساسية بوسائل بدائية.”
ترك النازحون بيوتهم على عجل، تاركين وراءهم أدواتهم وأغراضهم، ليجدوا أنفسهم في خيامٍ أعادتهم إلى حياةٍ بدائية لا تشبه ما كانوا عليه. الأسواق خاوية، والحاجة للأدوات الأساسية باتت مُلحة جداً، عامٌ وشهرين سيطر عليهم الاحتياج لأبسط التفاصيل.
من هنا وُلدت فكرة ضياء، الذي أدرك أن عليه أن يحارب هذا العجز بابتكار شيء بسيط، لكنه أساسي لدى معظم العائلات.
“لم أكن أملك الكثير، لكنني امتلكت الإرادة، أن أُخفف عن الناس ولو بأبسط الأشياء.”
بدأ ضياء مشروعه باستخدام الأشرطة البلاستيكية المقوّاة التي كانت تُستخدم في حزم البضائع. صنع منها أول قطعة (سلة صغيرة لحفظ الخبز) . لم يتوقع أن تحظى هذه السلة بإعجاب النازحين، لكنها كانت البداية. شيئًا فشيئًا، تحول شغفه الطفولي إلى مهنة تنبعث منها حياة جديدة.
يقول: “كان كل شيء يبدأ كفكرة بسيطة، لكن عندما أرى الفرحة في عيون الناس، أدرك أن ما أفعله أكبر من مجرد حرفة.”
في زمن الحصار والدمار، تحولت الكثير من الأشياء البسيطة، كالسلال وأواني الخبز إلى حاجات ضرورية. الأسواق خاوية، والمواد الأولية نادرة. لكن ضياء لم يستسلم. صنع سلال التسوق، وأدوات حفظ الطعام، وحتى قطعًا فنية بسيطة، استجابةً لطلبات الناس.
حكايا في زمن الحرب.. “من قلب الحصار نصنع الحياة، ومن قمة العجز نبني الأمل.”
ضياء، الذي يعيش كنازح مثلهم، أدرك تمامًا معاناتهم. كان يُقدم منتجاته بأسعار رمزية، لأنه يعرف أن النازح لا يملك الكثير. يقول: “أن تكون نازحًا يعني أن تُشارك الناس ألمهم، لكن أيضًا أن تكون جزءًا من محاولة تخفيف هذا الألم.”
لم تكن رحلة ضياء سهلة. شح المواد الأولية وعدم قبول السوق للمشغولات البلاستيكية كانا عائقين كبيرين. لكنه تجاوزهما بإصراره. فهو يؤمن أنه عندما توجد لديك الإرادة، لن يقف أي شيء في طريقك، لا حصار ولا حرب ولا احتلال.
في خضم الحرب التي حاولت أن تسلب ضياء أحمد كل شيء، بقيت إرادته صامدة لا تنكسر. كفلسطيني يعشق الحياة، استطاع أن يخلقها من بين الأنقاض، محولًا شغفه الطفولي إلى مصدر أمل للنازحين.
الحياة في زمن الحرب لم تكن سهلة، لكنها لم تكن مستحيلة بالنسبة له؛ فقد ناضل ليعيش، وعاش ليصنع الأمل بأيديه المبدعة.