عالم بلا روح

سهيل كيوان

الشهيد خالد نبهان عرف روح الرّوح، الذي احتضن حفيدته ريم ابنة السنوات الثلاثة استشهدوا قبل ما يقرب من عام، وشكلت فارساً دامغة لحرب الإبادة التي اعترفت بها جيش الاحتلال بمباركة وشراكة أمريكية وتواطؤ عربي، وبتفّهم الكثير من دول أوروبا والعالم، بذريعة الدفاع عن النفس.

الحفيدة ومثلها آلافًا من الأطفال والأبرياء دون أن يهتز لهم جفن. خالد نبهان الشّهيد جدُّ الشّهيدة طفلة ريم، الذي كانت متعته في الحياة أن يلاعب حفيدته ويحاول تلبية رغباتها الطّفولية من كعكة الطفولية، ترقبها في فسحة على دراجته الهوائية، وإطعام السّلحفاة التي لا تستطيع العيش معها، محمية على روحه الطفولية هو نفسه من خلال الوصول إلى الخارج دائمًا، ودّعها وهو يهمس في أذن الشهيدة بكلمات رقيقة عذبة من خلال دموعه، قال “هذه روح الرّوح” وهو ابتسم، كان حزنه هاديءًا من غير ضجيج. وتحويل خالد النبهان إلى أيقونة للمسلمين الملتحيين الطيّب، عكس الصورة النّمطية التي عمل جهابذة الإعلام في مختلف أقسامه من الصحافة وسينما فنون و”مثقفين” أنثال لشيطنة المُسلم، والحكم عليه من خلال مظهره الخارجي.

بمجرّد أن أطلق الرجل لحيته فهو إما يتعاطف أو يتقدم ليصبح لاعباً، هذا إذا لم يصبح بعد.

صدفة أن تكونت مرّة في رام الله مع كاتبٍ من طريقة رام الله، بما فيها علاقة قديمة، وما أن رأيت ذقنني قبضة حتى قال “هل انضممت إلى جماعة الّلحى”! قلت: من تقصدهم؟

فقال: لماذا أطلقت ذقنك! احلقها.

هذا ما فعل التحريض التجريبي، إذ وضع من لحية المسلم رمزاً للإرهاب، فهم بهذا يكسبون رضا أطراف ترى أن عدوها الأول هو الإسلام السياسي، بسبب التوقف عن التعبئة والتنظيم، ويقصدون القول بهذا الشرف في مواجهة عدو واحد، وهو ما رده معظم رؤساء وملوك جامعة الدول العربية.

ما فعله خالد نبهان لبعض من الكبائر، فقد عملوا عقودًا طويلة على ترسيخها، ونظرًا إلى عيون الناس من مختلف القاعة بمحبة الأرض وتعاطفهم مع التقدم في الصورة النّمطية، فالرجل الملتحي ليس إرهابيًا، ولا يكرهون الأنثى لأنها أنثى، وهو يبني علاقات من الحب والرّأفة مع الأطفال والقطط والسّلاحف، ويركب دراجة هوائية ومعه حفيده. الصورة التي رآها العالم لخالد تنبيهان زعزعت غير العادية.

لهذا الّبب عوقب خالد حتى الموت، اعتبره ممنوع أن يكون فلسطينٌ أو عربيٌ بريئًا أو طيّبًا، لأنه يخرّب الصّورة التي تعتّق صناعة الإعلام في ترسيخها. بما أن المجازر ضد المناطق صارت للجميع، ومجرّد أرقام تجاوزت خمسين وأربعين ألفًا، فلم يكن هناك أي سببٍ يحول دون قتل خالد نبهان عقابًا له على عمله الإعلامي لقتلخريبي، ودام أنه مؤثّرٌ في الوعي الذي يجاهد لمجرّد الإثبات لأنه لهذا الملتحي ضحايا وليس قاتلاً.

ريم ابنة الثالثة قتلت بشظايا صاروخية وتمّ أحصاؤها مع المخرّبين، ووجدها خالد النبهان حمل قلبه الطيّب وقتل بشظايا صاروخية وتم إحصاؤها مع المخرّبين مثل حفيده.

ريم تمثلت بذور أجيال المستقبل الّتي ستنهض من الدّمار والرّماد، لتبعث شجرة الحياة من جديد، وتبني وطن التغذية الجميل، ولهذا حقّت عليها الإبادة. الشهيّة للإبادة تتفقم ما دام العالم مستمر بصمته الإجرامي، وما دامت لكن تدعم وتتشارك تحت مسمّى حق الدّعاع عن النّفس، ودام أنّ العربي لا يساوي شيئًا في نظر جامعة الدّول العربية، والتي تتصرف سوى واحد يساوي واحد وعشرة آلاف عربي.

وما دامت دولت عظيمة مثل ألمانيا وفرنسا فهناك حاجة للاحتلال حرب الإبادة بلا تريد، وما دامت الإنترنت العربية نفسها لا تقيم أي وزن للشعوب التي تعاني من الضعف في المغتصبة، وما دامت دائما ينسّق مع الاحتلال في قمع شعبه ليضمن وجوده في السّلطة.

أشغل تنبيه الجدان بنفسه في إطعام القطط وهي مجتمع بعشرات من حوله، وتعرف أنه يدعوها إلى وليمته، عندما تسمع عداده على علبة الفارغة، فتعدو إليه مطمئنة وذلة لتناول طعامها.

واختراع بارزات مزيفة على الجيش الشعبي الذي تفكك أصليا، والذي لم يتوجه بطلة واحدة منذ عام 1974 إلى جولان المحتل، كما يبدو أن المساهمة في جيش النظام سلّموا خرائط مفصلة عن ابره السّلاح لإسرائيل كي تدمّرها، واخترنا ما كنا نقوله منذ ذلك الحين رجال النظام هم الذي كانوا يوصلون المعلومات الحسّاسة والخطيرة لإسرائيل حقيقي جداً، وأن حزب الله كان ورقة مساومة لدى النظام السياسي.

وبعد أن يماطل في الصفقة الوهمية، بدأ يفترض وجوده في القاهرة وفقا لوكالة رويترز بتوقيعها على الصفقة، ووجد أن القاهرة لم تتلمس وزر استضافته، فهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، وأضيفته في القاهرة حتمًا ستثير ردود فعلية مبتكرة خشي النظام ارتداداتها، ثم تمت الصفقة ليست المادة التالية: الكتلة ذريعة مقنعة للاستقبال مطلوبة للعدالة الدولية.

ويريد أن يقطف العديد منها العديد من الاتفاقات الخاصة بفترة زمنية محددة، وإلا فلن تكون هناك صفقة، فهو يريد مصر كجدار له في مواجهة تهمة حرب الإبادة وأمر مؤثراته من أجل القضاء الدولي.

يريد عمليا من العرب دعمًا معلنًا، ناخبين آخرين أن يعيدوا حساباتهم في محاكمته، وإلا فإن الإبادة ستعقد اجتماعهم ليوم بعد يوم، أمام عالم فقد روحه وقلبه وإنسانيته، وعربٍ لا يستأذن.