حكايا في زمن الحرب.. آية أبو جهل: تتجاوز الفقد في خيمة البنات!
"سنة كاملة، نعيش في الذكريات فقط، لقد حولتنا الحرب إلى بقايا، وبعثرت كل الأشياء الجميلة".
حكايا في زمن الحرب إعداد: شيماء مقداد
لم يكن أحد يتوقع أن تتحول حياة آية أبو جهل، الشابة ذات الـ22 عامًا، من أيام مفعمة بالأمان بين عائلتها وأصدقائها إلى رحلة مليئة بالنزوح، الفقد، والصمود.
كانت آية تسكن في أبراج حي تل الهوى جنوب غرب مدينة غزة، منطقة نابضة بالحياة، قبل أن تمحو الحرب كل أثر لها وتجبرها على النزوح إلى حي الدرج وسط المدينة، وهي تحمل جراحًا تنزف في جسدها وروحها.
بدأت المأساة عندما أجبر القصف العنيف والأوامر الإسرائيلية على إخلاء منطقة تل الهوى، لتجد آية وعائلتها أنفسهم في منزل عمها بحثًا عن الأمان. لكن الأمان كان سرابًا؛ استهدف قصف مدفعي المنزل مباشرة، ففقدت آية والديها، إضافة إلى عدد من أفراد عائلتها، بعد أيام من استشهاد شقيقها الأكبر حسين.
أصيبت بجروح خطيرة كادت تودي بحياتها، واضطرت لقضاء أشهر طويلة في رحلة مؤلمة لاستعادة عافيتها.
ورغم خسارتها الفادحة، لم تُكسر آية. بل وقفت كجبل شامخ لتكون أمًا لأشقائها الصغار، وبلسمًا لجراح الفقد التي مزقت قلوبهم.
حكايا في زمن الحرب…
“كانت حياتي كلها أمان. الروتين اليومي والعمل المجتمعي كانا محور حياتي، وكان الأمل كبيرًا أن المستقبل سيكون مليئًا بالنجاحات”
قبل الحرب، كانت آية شابة طموحة تخرجت من تخصص الترجمة الإنجليزية وتشارك في العديد من المبادرات المجتمعية التي عززت الروابط بين الناس، لكن الحرب جاءت كعاصفة مدمرة غيرت كل شيء. تقول آية: “في الحرب، تغيرت الأمور جذريًا. العمل المجتمعي أصبح أكثر أهمية لكنه أكثر عفوية وإلحاحًا. كان علينا أن نركز على دعم النازحين، تسليط الضوء على عائلات الشهداء، وتلبية احتياجات أساسية أصبحت فجأة حلمًا بعيد المنال”.
رغم الألم، قررت آية أن تسخر جراحها لخدمة مجتمعها. شاركت في مبادرات عديدة، منها ورش العمل والتوعية الشبابية قبل الحرب، ثم تحول دورها خلال الحرب إلى تقديم المساعدات للنازحين والمشاركة في مراكز الإيواء.
إحدى أبرز المبادرات التي قادتها كانت “خيمة البنات” بالشراكة مع المنتدى الاجتماعي التنموي ومؤسسة إنقاذ المستقبل الشبابي، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان ومؤسسة التعليم فوق الجميع، هدفها خلق بيئة آمنة للفتيات تشجع الحوار وتمنحهن شعورًا بالانتماء.
“كانت خيمة البنات مرهماً للجراح، احتضنت وجعي ووجع العديد من الفتيات، وتجاوزنا معاً مرارة الفقد”
استهدفت الخيمة أكثر من 300 فتاة وسيدة في محافظتي غزة والشمال، حيث تضمنت ورشات توعوية عن النظافة الشخصية والصحة الجنسية، وتوزيع طرود نظافة شخصية وسط ظروف اقتصادية صعبة يمر بها شمال القطاع طلع، وخاصة النساء والفتيات.
في كل يوم كانت اية تستقي حماسها وشغفها من الفتيات المتحمسات جدًا، واللاتي أظهرن روح التعاون والرغبة في تحسين الوضع. كان هدف الخيمة منحهن الدعم النفسي والاجتماعي وتعزيز الأمل رغم المعاناة.
من خلال خيمة البنات ، أدركت آية أن العمل المجتمعي ليس مجرد نشاط، بل هو طوق نجاة للنازحين الذين فقدوا كل شيء. تقول عن الاختلاف بين العمل قبل الحرب وبعدها:
“قبل الحرب، كانت الأنشطة منظمة وهادئة، لكن بعدها أصبحت أكثر عفوية وملحة مع شعور قوي بالحاجة إلى تلبية الاحتياجات الأساسية التي لم تعد متوفرة”.
لم تكن “خيمة البنات” مجرد مبادرة عابرة، بل مشروعًا مستدامًا نفذ على مراحل وامتد إلى محافظات الجنوب والوسطى. شكّل ذلك شعاع أمل وسط الظلام الذي خيّم على غزة، وساهم في تخفيف المعاناة عن الكثيرين.
آية ليست مجرد ناجية من حرب وفقد وخذلان، بل رمز لصمود المرأة الفلسطينية التي ترفض الاستسلام للألم. حولت مأساة فقدان عائلتها، والدتها الحضن والدفئ، ووالدها الحصن و السند، إلى قوة دافعة لإحداث فرق في مجتمعها. اختارت أن تزرع الأمل في قلوب من حولها، رغم كل ما فقدته.
قصة آية أبو جهل ليست مجرد حكاية عن النزوح أو الفقد، بل هي شهادة حيّة على قدرة الإنسان على النهوض من بين الرماد، وتحويل الألم إلى قوة، واليأس إلى أمل.