مقالات الخامسة

بين ويتكوف وبن إلياهو والعرب وخروج «حماس» ..!

كتب: أكرم عطالله
الجميع يعرف ما الذي يريده بنيامين نتنياهو وحكومته من هذه المفاوضات، فهو يريد الأسرى ثم استئناف الحرب للقضاء على حركة حماس، وأثناء ذلك يستمر بتدمير القطاع وتصحيره لجعله منطقة غير قابلة للحياة لخدمة الهدف الإستراتيجي، وهو تفريغ القطاع من السكان كمهمة لم تنجزها القوات الإسرائيلية منذ ثلاثة أرباع القرن بوصول دباباتها إلى حدود مصر بعد أن تكون قد طردت كل الفلسطينيين، كما فعلت في القرى والبلدات والمدن شمالي بيت حانون وبيت لاهيا.
لكن لا أحد يعرف تماماً ما الذي يريده دونالد ترامب بتصريحاته المتضاربة إلى الدرجة التي أوقعت كثيراً من المراقبين في تفسير لا يستوي مع طبيعة العلاقة بين الثنائي ترامب نتنياهو أو توأمة العلاقة بين تل أبيب وواشنطن. هل يريد ترامب إنهاء الحرب على حساب اسرائيل أم يريد إنهاءها وفقاً للأهداف الإسرائيلية ؟ أغلب الظن أن التقدير الأخير هو الأقرب للمنطق بعد هذه الحرب، وأن كل ما يقوله أو يفعله ترامب هو عملية تذاكي التاجر للحصول على الصفقة الأفضل.
حتى كتابة هذا المقال بقي الوفد الإسرائيلي في الدوحة رغم أن القرار كان بمغادرته الأربعاء في حال عدم حصول أي تقدم، ما أعطى للمراقبين قدراً من التفاؤل بإمكانية إحراز تقدم أصبح الضرورة التي يطلبها الجميع، الولايات المتحدة والوسطاء وحركة حماس كطرف يملك ورقة الأسرى، والشارع الإسرائيلي الذي عاش لحظات خروج دفعات المرحلة الأولى قبل أن تتهرب اسرائيل، كل تلك العوامل تشكل عناصر ضاغطة على الحكومة الإسرائيلية والتي يبدو أنها تزداد تصلباً مع الوقت.
الوفد الإسرائيلي محدود الصلاحيات والمسؤوليات، ما يعكس استهتار نتنياهو وحكومته بالملف، حيث خلا من رئيس الفريق الوزير رون ديرمر أو مسؤول المخابرات والموساد،  فقد ضم فقط جال هيرش مسؤول ملف الأسرى والمفقودين، وكذلك أوفير غليك مستشار نتنياهو السياسي، لكن التقديرات بأنه لن يمر كثير من الوقت لمعرفة نجاح أو فشل المحاولة دون أن يستطيع أحد تحديد النتائج.
بسبب الظرف والضغوطات يتحدثون في اسرائيل عن صعوبة فشل الجولة، وكذلك عن صعوبة نجاحها ارتباطاً بتمترس الأطراف عند مطالبها شديدة التعارض. فحماس من ناحيتها تطالب بوقف الحرب، أما إسرائيل فكل مناوراتها تهدف لاستكمال الحرب التي تجري تحضيراتها في أروقة وزارة الدفاع، حيث يعكف إيال زامير القائد الجديد لأركان الجيش والقريب من نتنياهو على تجديد خططها بشكل أكثر عنفاً من خطط سابقه هرتسي هاليفي التي يعتبرها متواضعة وعديمة الكفاءة في تحقيق أهداف الحرب، وعلى رأسها إنهاء حركة حماس.
يانيف آسور القائد الجديد للمنطقة الجنوبية الذي قام رئيس الأركان بتعيينه خلفاً ليارون فينكلمان وفي أول تصريح له يعيد ترتيب أولويات الحرب، واضعاً هدف القضاء على حركة حماس أولوية قبل استعادة الأسرى، وهو ما أحدث جدلاً صاخباً في اسرائيل حول نوايا الجيش بتعييناته الجديدة، ومدى توافقه مع مناورات نتنياهو بعد أن كان الجيش يشكل ضمانة معارضة للكثير من السياسات الحكومية في صالح عودة الأسرى الإسرائيليين.
في لقائه مع فوكس نيوز كان ستيف ويتكوف يتحدث عن «نزع سلاح حركة حماس وخروجها من غزة كنهاية، ويؤكد أن ليس لديهم خيار آخر»، وربما هذا الشكل المقبول إسرائيلياً وأميركياً للنهاية ما يجعل كل تصريحات ترامب هي مجرد مناورات تجارة سياسية، وأن ما يظهره من مرونة في تصريحاته المتضاربة مجرد رسائل تضليلية على عكس ما تتوقعه أوساط باقتراب نهاية شهر العسل بينه وبين نتنياهو، وهذا يتوافق مع تقدير الإجماع  الأميركي على دعم اسرائيل وتعزيز مناعتها من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ويزيد عليها شخصية ترامب الصديق الأقرب لإسرائيل التي لن تقبل ببقاء حماس طرفاً مؤثراً في غزة.
يقدم إيتان بن الياهو القائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي  تصوراً لا يبتعد كثيراً عن الرؤية الإسرائيلية الأميركية لنهاية الحرب يقوم على خمس مراحل، المرحلة الأولى من اسبوعين يتم فيها إعداد قائمة من أعضاء قيادة حماس في القطاع ومن منهم سيضطر للمغادرة، أما المرحلة الثانية فتمتد لشهرين وتشمل نهاية الحرب وعودة الأسرى وتغادر فيها قيادة حماس، ومع رحيل آخر قيادي في حماس سيعاد آخر أسير إلى اسرائيل، وتمتد المرحلة الثالثة لشهر يتم فيها نزع السلاح باستثناء أسلحة الشرطة .
المرحلة الرابعة تمتد لستة أسابيع يتم خلالها تشكيل لجنة لإدارة غزة يرأسها في الأيام الأولى وفد مصري، وتضم السعودية والإمارات وتكنوقراط من السلطة وممثل صغير من حماس، أما المرحلة الخامسة والأخيرة تشمل تنظيم جيش شرطة تحت قيادة مصرية وتديره السلطة لمدة ستة أشهر. ومنذ اللحظة التي يغادر فيها أعضاء قيادة حماس يبدأ تدفق المساعدات وإعادة الإعمار التي سيقوم فريق دولي بقيادة الولايات المتحدة بتنظيم مصادر تمويلها من السعودية وقطر والإمارات ودول أخرى.
لا يمكن أن تجد خطة كهذه قبولاً لدى حركة حماس أو الأطراف العربية لجهة مسؤوليتها بإدارة غزة، لكن الشيء المهم المشترك هو مغادرة حركة حماس الذي بات تصوراً مشتركاً لكل الخطط الإسرائيلية، سواء رسمية أو غير رسمية مع الموقف الأميركي، وربما يشترك العرب أيضاً مع هذا التصور، فهم من سيتكفلون بتمويل إعادة الإعمار وهو ما جاء ضمناً في مخرجات القمة العربية «غزة بلا حماس « كمقايضة للإعمار، وهو ما أيدته الحركة في بيانها بعد القمة وبات واضحاً، فكيف سيكون ذلك؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى