هل ثمّة معارضة إسرائيلية لنتنياهو؟

أنطوان شلحت
بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس الذي سمحت مرحلته الأولى بمزيدٍ من دفعات تبادل الأسرى، ظلّ التقدير السائد في إسرائيل أنه في “دولةٍ لا تشبع رغبتها في الانتقام”، و”ليست مستعدّة لإنهاء حربٍ لا ضرورة لها من أجل إنقاذ أسراها”، يظل احتمال عودة الحرب الأقوى مثلما ثبت في الساعات القليلة الفائتة. كما ظلّ هذا الاحتمال الأقوى في مواجهة تكرار كثيرين من المحللين العسكريين وقادة عسكريين سابقين في إسرائيل أن عودة الحرب لن تؤدّي إلى تحقيق إسرائيل هدف تفكيك حكم حركة حماس ولا هدف إطلاق الأسرى، بل على العكس ستكون بمثابة إصدار حكم بالإعدام عليهم، ناهيك عن أن هناك استبطاناً بأن هؤلاء الأسرى هم بمنزلة الورقة الأهم في يدي “حماس”، من أجل إنهاء الحرب، وبالتالي، السبيل الوحيد لإطلاقهم كامنٌ في وقف الحرب، وهو ما تدركه إسرائيل وتتجاهله.
وتزداد يوما بعد يوم التساؤلات عن الأسباب وراء نجاح نتنياهو في الاستئثار بإطالة أمد الحرب. ويمكن الإشارة بشأن تلك الأسباب إلى ثلاثة: أولاً، أن المعارضة الإسرائيلية ضعيفة، وليست موحّدة في مواجهة الحكومة. وثانياً، وجود ائتلاف حكومي متماسك ومتمسّك بسدّة الحكم. وثالثاً، خطورة الأوضاع الأمنية والسياسية التي تجد إسرائيل نفسها في خضمّها، وتعتبر غير مسبوقة في تاريخها.
في ما يخصّ المعارضة الإسرائيلية، المهم أنها فاقدة أي بديل للسياسة التي يعرضها نتنياهو، وعلى وجه الخصوص، لما يوصف بأنه “اليوم التالي” للحرب. وربما ينبغي التذكير بأن “الاشمئزاز من نتنياهو” وحده ما يعيد التذكير بوجود معارضة في إسرائيل. وهذا الاشمئزاز شخصيٌّ في الأصل، ولا ينمّ عن معارضة حقيقية بالنسبة لمسائل أساسية، كالاحتلال والحرب والديمقراطية… إلخ، ففي هذه المسائل لا توجد فوارق كبيرة بين اليمين والوسط واليسار الصهيوني.
وحيال تجدّد القتال، لا بُد من تأكيد ما يلي: يمكن ملاحظة أن الاقتناع بأن موقف نتنياهو السالف هو فقط من أجل مصلحته السياسية والشخصية آخذ بالاتساع. وننقل عن تعقيبات جديدة من مختصين ما يلي: أولاً: أضحت الحرب في غزّة أكثر حربٍ سياسية عرفتها إسرائيل، فلا يوجد أيّ مبرّر لها، ولا تحمل أيّ فائدة للمستقبل. ثانياً، يتمسّك نتنياهو بالكرسي، ويستخدم الأدوات والصلاحيات المنوطة به (على غرار خوض حربٍ داميةٍ لا تاريخ لانتهائها، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر ترك الأسرى لمصيرهم) بصورة غير مسؤولة ومدمّرة، من أجل ضمان بقائه الشخصي والسياسي، والالتفاف على وضعه القضائي.
في الماضي القريب، كان هناك تعويل على قادة المؤسّسة الأمنية الإسرائيلية، بدءاً من وزير الدفاع وانتهاء برئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) مروراً برئيس هيئة الأركان العامة للجيش ونائبه ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) ورئيس جهاز الموساد، بأن يخرجوا علناً ضد نتنياهو، وأن يرفضوا مواصلة تنفيذ تعليماته، وأن يطالبوا باعتباره عديم الأهلية، وباستقالته. وبرأي أحد كتاب الأعمدة الصحافيّة “في إسرائيل لا يوجد حكم لشخص واحد، وإذا ما أصيب رئيس الحكومة بالجنون أو تشوّش عقله فيجب إزاحته من المنصب، لكون الدولة أكثر أهمية منه بكثير”!. وأعرب مؤرّخٌ عن اعتقاده بأن اعتبار مثل هذه الدعوة تهدف إلى انقلاب عسكري ضد رئيس حكومةٍ مُنتخَب، في تناقضٍ مع نواظم الديمقراطية، ليس سوى ديماغوجيةٍ رخيصةٍ لا أساس لها من الصحة. وبرأيه، كل ما هو مطلوبٌ أن يعقد قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية مؤتمراً صحافياً في أفضل ساعات البثّ، وأن يعرضوا أمام الشعب، بصورة مفصّلة ومحسوسة، كيف يتسبّب نتنياهو، على نحو ملموس، باستمرار الحرب من دون أن تكون لهذا الاستمرار أيّ فائدة أمنية، وكيف أحبط ويحبط التوصّل إلى صفقة تبادُل، ولماذا سيؤدّي استمرار تمسُّكه بكرسي الحكم إلى تهشيم الدولة بصورة تامة، إذا ما بقي جالساً عليه. لكن هذا التعويل لم يعد ذا صلة، مع تبدّل أغلب هؤلاء المذكورين على قاعدة مبلغ ولائهم للزعيم.