أحلام معلّقة تحت الأنقاض… طلبة غزة خارج معادلة “التوجيهي” للعام الثاني على التوالي
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

طلبة غزة خارج معادلة “التوجيهي” تقرير خاص إعداد: سهر دهليز
في الوقت الذي يتوجه فيه طلبة الثانوية العامة في الضفة الغربية والخارج إلى قاعات الامتحان، يخوض آلاف الطلبة في قطاع غزة معركةً من نوع آخر، معركة البقاء تحت وابل القصف ووسط الركام. للعام الثاني على التوالي، يُحرم طلاب غزة من فرصة تقديم هذا الامتحان المصيري، ليس لعجز أو تقصير، بل لأن آلة الحرب الإسرائيلية دمّرت المدارس، ومزّقت الكتب، وهجّرت العائلات، وقوّضت كل مقومات الحياة التعليمية. هكذا يُترك جيلٌ كامل من الطلبة في العراء، بلا صفوف ولا مقاعد ولا مستقبل واضح، معلّقين بين الأنقاض وفقدان الأمل.
مش حلم.. كابوس اسمه غزة
بهذه الكلمات تختصر الطالبة سارة أبو زيد (18 عامًا) من مدينة رفح مشاعر الألم والخذلان، وهي ترى حلمها بالتخرج يتبدد للعام الثاني على التوالي. تقول بحسرة: “كل ما قرب موعد امتحان الثانوية العامة (التوجيهي)، بزيد القهر. حاولت أدرس رغم النزوح، رغم صوت القصف، رغم انعدام الاستقرار. كنت متمسكة بحلمي، لكن الاحتلال قرر يسرقه زي ما سرق طفولتنا.”
ولا يختلف حال محمد المدهون من مدينة غزة كثيرًا، إذ يختصر واقعه بكلمات ممزوجة بالغضب والأسى: “العدوان دمّر مدرستنا وبيتنا وحتى أحلامنا. بنشوف زملاءنا في الضفة والعالم بيقدّموا الامتحانات، وإحنا كل يوم بنفقد شخص أو مكان أو أمل.”
بتنهيدة تختلط فيها الحسرة بالقهر، تقول الطالبة لمى اقطيفان من مدينة غزة: “ضاعت أحلامي… العام الماضي لم أستطع تقديم امتحانات الثانوية العامة رغم كل محاولاتي، وحرصي على الدراسة خلال فترات النزوح المتكرر، وانقطاع الكهرباء والإنترنت. كنت أتمسك بالأمل، وأُعد نفسي وكأن الامتحانات ستُعقد في أي لحظة، لعل الحرب تتوقف وتُعلن وزارة التربية والتعليم موعدًا للتقديم، لكن ذلك لم يحدث. واليوم، لا أعلم إن كنت سأتمكن من التقديم هذا العام أيضًا، في ظل استمرار هذه الحرب الوحشية على غزة”.
فما بين رفح وغزة، لا يعيش طلبة الثانوية العامة عامًا دراسيًا طبيعيًا، بل يواجهون واقعًا كارثيًا يفتقر لأبسط مقومات الحياة والتعليم، وسط دمار المدارس، وفقدان الأمن، وغياب الكهرباء والكتب والمقاعد، فيما يتحوّل “التوجيهي” من محطة أمل إلى عنوان قهر جديد.
الحق محفوظ.. والحياة أولًا
أكد الناطق باسم وزارة التربية والتعليم، صادق الخضور، في تصريح خاص لـ”شبكة الخامسة للأنباء”، أن الوزارة أعدّت خطة شاملة لعقد امتحانات الثانوية العامة في قطاع غزة بمجرد توفر الظروف الآمنة. وتشمل الخطة نظام “ثلاث دورات” لتمكين جميع الطلبة من التقدم وضمان العدالة، إلى جانب تجهيز مراكز امتحانية بديلة، وإنشاء بنك أسئلة خاص، وتوفير مدارس افتراضية تعليمية داعمة.
وقال الخضور: “عدم عقد الامتحانات لا يعني ضياع الحق في التقدم لها. نحن ملتزمون بحق الطلبة في التعليم، لكن الأولوية الآن هي لحمايتهم وضمان بقائهم على قيد الحياة وسط العدوان المستمر”.
أثر نفسي مدمر: مستقبل معلق تحت القصف
يرى مختصون تربويون ونفسيون أن حرمان طلبة غزة من التقدم لامتحاناتهم للعام الثاني على التوالي لا يترك فقط فجوة تعليمية، بل يُخلف ندوبًا نفسية عميقة. يقول الأخصائي النفسي محمد جمعة: “الطلبة يعيشون في صدمة مزمنة؛ الحرب لا تسرق فرصهم التعليمية فقط، بل تُبدد شعورهم بالاستقرار وتشوّه رؤيتهم للمستقبل”.
وأشار جمعة إلى أن حرمان هؤلاء الطلبة من التوجيهي لم يعد مجرد إجراء طارئ بل أصبح وجهًا آخر لجريمة ممنهجة تستهدف جيلًا كاملًا، في الوقت الذي يجلس فيه أقرانهم في الضفة والخارج لقاعات الامتحانات، يبقى طلاب غزة عالقين بين القصف والخذلان.
طلبة غزة خارج معادلة “التوجيهي” أرقام صادمة: جيل تحت النار
وتُظهر بيانات وزارة التربية والتعليم حجم الكارثة التعليمية في غزة منذ بدء العدوان:
– استشهاد أكثر من 16,607 طالبًا، وإصابة 26,271 آخرين.
– 914 شهيدًا من الكوادر التعليمية، و4,300 مصابًا.
– تدمير 352 مدرسة حكومية، منها 111 بالكامل.
– قصف 89 مدرسة تابعة للأونروا وتدمير 60 مبنى جامعيًا.
– 788,000 طالب محرومون من التعليم، بينهم آلاف من طلبة الثانوية العامة.
وسط هذا الواقع المأساوي، يتجلى سؤال مصيري: كيف لعالم يدّعي حماية حقوق الإنسان أن يغض النظر عن جريمة إسكات أقلام الطلبة تحت صخب القنابل؟
فحرمان طلبة غزة من تقديم “التوجيهي” لا يمس فقط حقهم في التعليم، بل يمثل طعنة في صميم العدالة الإنسانية، وجريمة مزدوجة تستهدف العقل قبل الجسد، والمستقبل قبل الحاضر. هؤلاء الطلبة لا يحتاجون فقط إلى كتب وأقلام، بل إلى وقف فوري للحرب، واعتراف دولي بحقهم في الحياة والتعلم، كبقية أطفال العالم.