إيران إلى أين؟
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

مصطفى إبراهيم
في خطاب حماسي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن “الهدف كان شلّ قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ووقف التهديد النووي”، وأن الضربة نُفذت بتنسيق كامل مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي سارع إلى التفاخر بـ”تحقيق الهدف الأساسي للعملية عبر تدمير منشآت فوردو ونطنز وأصفهان”، وكأن ثلاث ضربات جوية كفيلة بإغلاق ملف نووي شُيّد على مدى عقدين.
وبعد أن أوفى ترامب بوعده، ووسط موجة من النشوة العارمة التي عمت إسرائيل وبعض دول الشرق الأوسط، بدأت تبرز أسئلة مصيرية: ماذا عن نصف طن من اليورانيوم المخصب الذي نُقل، على ما يبدو، من منشأة فوردوإلى موقع آخر؟ وكيف يمكن إنهاء هذه الحرب بعد انضمام الولايات المتحدة فعليًا، ولأول مرة في تاريخها، إلى الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد إيران؟
في هذه الاوقات وجدت إيران نفسها بعد الضربة الأميركية في عزلة خانقة. وعلى الرغم من الإدانة من كل من روسيا والصين، فإنهما عاجزتان عن تقديم ردّ عسكري أو مظلة دبلوماسية حقيقية. في الوقت نفسه، تتسم مواقف حلفاء طهران بالتردد. فحزب الله في لبنان والفصائل الشيعية في العراق اكتفوا ببيانات الإدانة، مؤكدين قدرة “الدولة الإيرانية القوية” على مواجهة التهديد. وحدهم الحوثيون أعلنوا تعليق اتفاق وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة، دون تنفيذ هجمات حتى الآن.
طوال السنوات الماضية، استثمرت إيران في برنامجها النووي وشبكة من الحلفاء، وما سمي محور المقاومة، ووحدة الساحات، من سوريا ولبنان وفلسطين إلى العراق واليمن. ورغم مشاركتها في مفاوضات مع القوى الكبرى، فقد تمسكت ايران بـ”ذخرها الاستراتيجي”، أي برنامجها النووي، ورفضت التخلي عنه، خاصة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018.
منذ عام 2021، عادت إيران لتخصيب اليورانيوم بمستويات عالية، وزادت وتيرة التصعيد بعد سلسلة ضربات إسرائيلية طالت منشأة نطنز وقادة بارزين في محور المقاومة، كان أبرزهم حسن نصر الله. وفي النصف الثاني من 2024، ومع سقوط نظام الأسد في دمشق، ارتفع منسوب القلق الإيراني، وردت طهران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% – خطوة تُعد أقرب إلى عتبة السلاح النووي، وإن لم تبلغها بعد.
عملية “شعب كاللبؤة”، التي انطلقت قبل عشرة أيام، سرعان ما تحولت من ضربة استباقية إلى مسار حربي مفتوح. ووفق وسائل الإعلام الاسرائيلية، حُددت أربعة أهداف رئيسية للعملية: تدمير البرنامج النووي الإيراني، وشلّ قدراته الصاروخية البالستية، وضرب محور المقاومة، وفرض ردع سياسي طويل الأمد. بل إن بعض المسؤولين الإسرائيليين تحدثوا صراحة عن إمكانية “الإطاحة بالنظام الإيراني” أو حتى اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي وصفه وزير الأمن يسرائيل كاتس بـ”هتلر العصر”.
السؤال الجوهري اليوم هو: هل ستدفع الضربة الامريكية الكبرى الإيرانيين إلى تقديم تنازلات؟ أم أنها، على العكس، ستدفعهم إلى مزيد من التشدد؟ يرى الإيرانيون أن برنامجهم النووي كان بمثابة “مظلة حماية” تمنع القوى المعادية من إسقاط النظام. ومن وجهة نظرهم، فإن التخلي عنه يعادل الانتحار السياسي.
وتنقل صحيفة هآرتس عن مصادر أمنية أن “الرهان الأميركي على تدمير المنشآت النووية كوسيلة لجرّ إيران إلى طاولة المفاوضات قد يكون خاطئًا”، وأن الإيرانيين لديهم تجربة طويلة مع الصبر، بارعون في سباقات النفس الطويل. وعلى الرغم من تراجع قدراتهم العسكرية نسبياً ، فإنهم لا يزالون يحتفظون بأدوات تهديد حقيقية: من الصواريخ والطائرات المسيرة، إلى إمكانية ضرب القواعد الأميركية أو إغلاق مضيق هرمز، وهو سيناريو سيهز الاقتصاد العالمي ويضر بالصين وحلفاء واشنطن في الخليج.
منذ الثورة الايرانية في العام 1979، كان الهدف الأول للنظام الإيراني هو البقاء. وقد نجح في تخطي حربٍ مدمرة مع العراق، وموجات احتجاج متكررة، وعقوبات دولية خانقة، وظلّ أكثر صلابة. واليوم، يسعى إلى خوض معركة محسوبة تضمن بقاءه، في مشهد إقليمي ملتهب تحوّل إلى “حلقة نار” يصعب كسرها.
الرهان على أن رجال الدين في طهران سيضعون مستقبلهم بيد رئيس أميركي، سواء كان ترامب أو أوباما، يبدو ساذجاً. ما لم تُجرد إيران من خيارها النووي بالكامل، فإنها ستبقى لاعباً مهدداً ومهدَّدًا في آنٍ واحد. وحتى هذه اللحظة، لا أحد يعرف كيف ستنتهي هذه الحملة الأميركية القصيرة، ولا ما إذا كان الشرق الأوسط سيتنفس فعلاً بحرية من الصراعات على المنطقة العربية المغيب أهلها، والغطرسة الامريكبة الاسرائيلية وفائض القوة، أم أنه سيشهد انفجاراً نووياً مؤجلاً.