أميركا لا تزال دولة إمبريالية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

رجب أبو سرية
انتقاد النائب الجمهوري توماس ماسي لإقدام رئيسه دونالد ترامب بالاعتداء على سيادة الدولة الإيرانية، بقصف منشآتها النووية بطائراته الحربية، كذلك اعتبار النائب الشجاع بيرني ساندرز ما فعله ترامب غير دستوري، إضافة لتقدير كبير الديمقراطيين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ جاك ريد بأن ما قام به ترامب يعتبر «مقامرة ترامبية»، والأهم من كل هؤلاء مطالبة زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر الرئيس ترامب بتقديم إجابات واضحة حول تأثير ما أقدم عليه على سلامة الأميركيين، كل هذا يعتبر كلاماً في الهواء، او بلا أي قيمة، فالاعتداء قد تم وانتهى الأمر، بل وترامب الذي بدا في لحظة إطلاقه طائراته الشبح نحو إيران، كما لو كان رجلاً آلياً تحكم بقياده بنيامين نتنياهو، وجد من يشد على يده، ممن هم أعلى شأناً وأكبر تأثيراً من كل من انتقده، سواء من حزبه الجمهوري أو الحزب الديمقراطي المنافس، فقد اعتبر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثون بأن العمل العسكري ضد ايران كان مبرراً، كما اعتبر رئيس مجلس النواب مايك جونسون الضربات الأميركية تنفيذاً لشعار «أميركا أولاً» من خلال القوة.
وبالعودة الى العهد الديمقراطي السابق، خلال الأربع سنوات التي مضت، صحيح تماماً، بأن جو بايدن، بقي طوال اكثر من عام يحاول تحت شعار عدم توسيع نطاق الحرب على غزة لتشمل الشرق الأوسط، بجر أميركا لخوض الحرب المباشرة مع إيران، ونجح في عدم الانزلاق فيما يسعى اليه نتنياهو، لكنه بالمقابل فشل منذ بداية عهده في العودة لاتفاق 2015 مع إيران، لكنه عبر عن النزوع الأميركي لاستخدام القوة، وإطلاق الحروب، وإن كان بالوكالة، حين دفع أوكرانيا للتحرش بروسيا، ما تسبب في اندلاع الحرب بينهما التي ما زالت دائرة حتى الآن، وألقى بايدن في أتونها كثيراً من الوقود، إن كان عبر المساعدات العسكرية المتنوعة، أو من خلال ضخ الأموال، وكذلك من خلال الإسناد السياسي، بل وتحشيد اوروبا وإعادة ضخ الدماء في «الناتو» مجدداً، بما أعاد الى الأذهان أيام الحرب الباردة، وترامب حاول أيضاً أن يفرض وقف الحرب على نتنياهو، حيث كان واضحاً بأن استمرار الحرب في غزة، يبقي على نار الشرق الأوسط مشتعلة، ويبقي نتنياهو محتفظاً بحلمه في جر أميركا لضرب ايران، وهذا ما نجح فيه أخيراً.
وقد حاول ترامب على الأقل علناً، بغض النظر عن كونه صادق النية ام لا، وبغض النظر عما هو مؤكد من ان إدارته منقسمة بين صقور وحمائم فيما يخص هذه المسألة، لكن الإجماع الأميركي هو على تحقيق الهيمنة والسيطرة في كل مكان من العالم، وتحطيم كل مراكز القوة العسكرية والاقتصادية المنافسة، فإن تحقق الهدف بالسياسة وعبر التلويح بالقوة، فذلك جيد، وإلا فباستخدام القوة العسكرية، وأميركا بجمهورييها وديمقراطييها، ما زالت ترى في نفسها دولة إمبريالية، أي دولة مهيمنة على العالم. وقد ظهر مصطلح الإمبريالية، حين بدأت البرجوازية الصناعية في التوسع خارج حدودها القومية، للسيطرة على الدول والشعوب الأخرى، فرافقت الامبريالية المملكة المتحدة، باعتبارها تحتل مستعمرات لا حصر لها، كذلك الدولة الفرنسية وهي تحتل دولاً وشعوباً إفريقية عديدة، ثم ظهرت أميركا كدولة إمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي خلال الحرب الباردة، إن لم تكن الدولة الوحيدة، لكنها كانت الدولة التي خاضت اكثر من غيرها حروباً ضد الدول والشعوب الأخرى خارج حدودها، بل على بُعد آلاف الأميال عن حدودها بهدف السيطرة والهيمنة على الآخرين، وهي ما زالت اكثر دولة لها قواعد بحرية وبرية في معظم أرجاء العالم، وفي الفضاء للإبقاء على سيطرتها وهيمنتها على العالم.
ما بدا أنه أمر مستغرب هو أن «الجمهوريين» بزعيمهم او مرشحهم الرئاسي ترامب ظلوا يعارضون سياسة اللجوء للقوة العسكرية وتشجيع الحروب، باعتبار ان بايدن يستند الى شركات التصنيع العسكري في الانتخابات، وأنه لم يستطع الإفلات من قبضة نتنياهو طوال أكثر من عام، جره خلالها لمشاركته حرب الإبادة الجماعية، وانهم اي الجمهوريين يعتمدون سياسة الصفقات التجارية، لذك فإنهم سيقومون بوضع حد لحربَي روسيا/اوكرانيا والشرق الأوسط، لكن ذلك لم يكن اكثر من خديعة انطلت أولاً على إيران على ما يبدو قبل اسبوعين، حين أعلنت واشنطن عن إجراء ترامب مكالمة مع نتنياهو لمدة 45 دقيقة متوترة، رافضاً قيامه بالعدوان على المفاعلات النووية الإيرانية، وكثيراً ما سرّبوا مثل هذا الكلام، وكان ذلك عشية انقضاء 60 يوماً المهلة التي حددها ترامب لإيران للتوصل لاتفاق، يبدو أن نتنياهو تمسك بانقضائها، ثم وجدا الحل بإطلاق إسرائيل عدوانها منفردة، لكن ترحيب ترامب بعد العدوان الإسرائيلي في 13/6 مباشرة فضح التورط الأميركي.
وبالطبع فإن التورط الأميركي لا يكتفي بمجرد منح الضوء الأخضر الذي يعني التغطية السياسية، بل تواصل بمد اسرائيل بالعتاد والصواريخ، ويبدو ان الجانبين كانا يظنان بأن ايران ستنهار بعد الضربة المركبة المباغتة، والتي اعتمدت بعد تحضير 8 شهور على ثلاثة خطوط للتنفيذ، إطلاق مائتي طائرة على المواقع النووية، مع استهداف القيادات العسكرية وقيادات الحرس الثورة، وكانت القائمة تشمل نحو 400 قيادي، في نفس الوقت إطلاق العملاء مع أعضاء مجاهدي خلق وبقايا النظام الشاهنشاهي، وقد اطلق نتنياهو أصلاً على العملية العدوانية اسم «الأسد العائد» وكان الأسد هو شعار الشاه محمد رضا بهلوي، أي أن الهدف كان ضرب المنشآت النووية وتدمير الصواريخ البالستية وإسقاط النظام.
تماماً كما سبق لإسرائيل ان اعتمدت فائض القوة العسكرية والاستخباراتية في الضربة الأولى، لتحقيق النصر الخاطف، كما فعلت مع مصر 67، ومع حزب الله العام الماضي، وفعلاً بدا أن النظام الإيراني قد بوغت أولاً بتوقيت الضربة بعد خديعة ترامب، أولاً وثانياً بحجم الضربة وجرأتها لأنها موجهة تماما للمنشآت النووية، تلك التي ظل بايدن يبدي معارضته لضربها طوال عام 2024، لكن إيران لم ترفع الراية، بل أمطرت إسرائيل بثمانية عشر رشقة صاروخية خلال أسبوع، بينما ظهرت إسرائيل ليس فقط في حالة لم تمر بها من قبل من حيث دخول كل مساحتها دائرة الحرب، بل ظهرت بأنها على وشك نفاد العتاد، خاصة الصواريخ الاعتراضية للصواريخ البالستية الإيرانية المغيرة.
أي ان ايران وبعد مرور اسبوع، تبين بان حجم الضرر الذي تعرضت له مفاعلاتها النووية لم يكن حاسماً او مدمراً لمشروعها من جهة، كذلك ظهر بأن قوتها الصاروخية لم تفقد جُل ما لديها، بل وبات مرجحاً بأنها خدعت اسرائيل من خلال نصب منصات وهمية، هي التي تعرضت للقصف الإسرائيلي، وحتى هيمنة الطيران الإسرائيلي على الأجواء الإيرانية التي تباهى بها نتنياهو، سرعان ما تبين بأنها ليست تامة، بدليل عودة المضادات الإيرانية للتصدي لها، ومن ثم إسقاط بعض الطائرات واسر طياريها.
هكذا تبين بأن اسرائيل بدأت حرباً مع ايران، لكنها لن تكون عاجزة عن انهائها وحسب، بل، باتت قاب قوسين او أدنى من الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد، ما دامت لم تدمر المفاعلات النووية، مقابل ما يقع على ارضها من دمار وشلل، ومن ثم من هروب ونزوح لخارج البلاد، بما يعني بأن الأمر حتى لو ظل هكذا أسابيع كما قال الاسرائيليون، فإن الأمر لن يتغير، بل كلما طال الوقت سيصبح لصالح إيران، وبات «وقف الحرب» او تحويلها لحرب خاطفة، يتوقف فقط على المشاركة الأميركية، ويتأكد ذلك من العجز الإسرائيلي في كل الأحوال عن اختراق مفاعل «فوردو» بالذات نظراً لطبيعته التي لا يمكن لغير أميركا ان تدمره.
هنا حاول ترامب تكرار الخديعة بالقول، بأنه سيفكر لمدة اسبوعين ليتخذ قراره إن كان سيوجه الضربة الأميركية للمفاعلات النووية الإيرانية، وهو كان قدم بيده اليمنى ورقة الاستسلام، وفي يده اليسرى قبض على ريموت كونترول حاملات الطائرات، التي تحمل بدورها القنابل ذوات الأطنان من المتفجرات، لكن يستحيل عليه ان يكون فكر بأنه يمكن خداع إيران مرتين في ظرف اسبوعين، لذلك على الأغلب كانت خديعة الأسبوعين موجهة هذه المرة للكونغرس، حيث ينص الدستور الأميركي بشكل صريح على ان على القائد العام للقوات المسلحة، أي الرئيس أن يلجأ للكونغرس للحصول على التفويض اللازم بشن الحرب على أية دولة أخرى، إلا في حالة الدفاع عن النفس، او رد الاعتداء، وهذا ما فعله الرؤساء الأميركيون السابقون من ليندون جونسون، حين زج بقواته العسكرية لخوض الحرب في فيتنام، الى جورج بوش الابن، حتى وهو يرد على اعتداء القاعدة على برجَي التوأم بإنزال قواته لتحارب القاعدة وطالبان على أرض أفغانستان، لكن ترامب شن حرباً على إيران، دون علم الكونغرس، ومن أجل نتنياهو فقط.