مقالات الخامسة

بين الانتصار المزعوم في إيران والحرب الأبدية في غزة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

سليمان أبو ارشيد

يعزو العديد من الخبراء والمحللين العسكريين “النجاح” في إيران، مقابل “الفشل” في غزة، إلى الفجوة القائمة بين سلاح الجو الإسرائيلي الذي خاض المعركة في إيران وبين سلاح القوات البرية (المشاة والدبابات) العالق في غزة منذ زهاء السنتين دون التمكن من تحقيق أهداف الحرب المعلنة، ولم يحصد سوى القتل والدمار، والذي يُسجَّل هو الآخر لصالح سلاح الجو الإسرائيلي.

في هذا السياق كتب المحلل العسكري أمير أورن أن النجاح الذي تحقق أمام إيران أظهر عمق الهوة الواسعة بين الجيشين اللذين يتألف منهما الجيش الإسرائيلي، جيش “الضربة الخاطفة” وجيش “الاحتكاك الدائم”، مشيرًا إلى أن هذه الفجوة ذاتها (قصور سلاح البرّ)، هي التي شكّلت رادعًا أمام الجيش الإسرائيلي من شن هجوم بري واسع وإعادة السيطرة على غزة حتى السابع من أكتوبر، وأن سلاح الجو، الذي يسميه بـ”جيش الهجوم الإسرائيلي”، قد نجح لأنه جرى إعداده كما يجب، فيما فشل “جيش الدفاع الإسرائيلي” بسبب خلل في الإعداد والاستعداد.

ويحظى سلاح الطيران الإسرائيلي بخيرة الموارد البشرية، إضافة إلى وفرة الموارد المادية، حيث ما زالت مقولة قائد سلاح الجو الأول عيزر فايتسمان “الجيدون إلى الطيران” محفورة في أذهان الشبان الإسرائيليين، يدفعهم إليه الحظوة التي يتمتعون بها على سائر أسلحة الجيش الإسرائيلي والمكانة الاجتماعية التي يكتسبونها، فيما عزّز هذا التفضيل من الفجوات الاجتماعية القائمة في الجيش والمجتمع الإسرائيلي بين “الأشكناز” و”الشرقيين” وغيرهم من الفئات الدنيا الأخرى.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

وكما هو معروف، فقد استثمرت إسرائيل منذ سنواتها الأولى في سلاح الجو وحوّلته إلى ذراع ضارب، نجحت من خلاله في كسب غالبية حروبها ضد العرب والفلسطينيين، فقد حسمت الضربة الجوية الأولى، التي جرى من خلالها تدمير سلاح الجو المصري، حرب 67 التي كسرت ظهر التيار القومي بقيادة جمال عبد الناصر، كما وطالت تلك الذراع المفاعل النووي العراقي وقامت بتدميره عام 1981، وكذلك المفاعل النووي السوري قيد الإنشاء عام 2007، وصولًا إلى الضربات الجوية الأخيرة التي جرت بمساعدة أميركية على منشآت الطاقة النووية الإيرانية، وهي جميعها عمليات أزالت إسرائيل بواسطتها ما تعتبره خطرًا على وجودها.

وتربط الصهيونية بشكل تعسفي بين وجود إسرائيل كدولة وبين وجود “الشعب اليهودي”، وقد سوّغت، كما هو معروف، إقامة دولة إسرائيل بأنها حاجة حياتية لحماية اليهود من الإبادة ووقوع محرقة أخرى ضدهم، ورأت إسرائيل في سلاح الجو رمزًا للقوة القادرة على توفير مثل هذه الحماية، حتى إن توماس فريدمان، في كتابه من بيروت إلى القدس، قد وصف إسرائيل بأنها متحف كارثة (ياد فشيم) لديه سلاح جو.

لكن بالمقابل، فإن اعتماد إسرائيل على سلاح الطيران فقط، كان أحد أسباب فشلها في حرب أكتوبر 1973، التي تمكنت فيها الدول العربية المشاركة من امتلاك دفاعات جوية فعالة، وكذلك في حرب لبنان الثانية تموز 2006، التي فشل خلالها قائد سلاح الجو السابق (دان حلوتس)، الذي شغل منصب قائد أركان الجيش، من حسم المعركة من الجو، وتكبدت قواته خسائر موجعة في المعركة البرية، وهو ما يثبت اليوم في غزة أيضًا، رغم النجاح الباهر الذي يحققه سلاح الجو في إبادة الحجر والبشر، فما زال المقاتلون يخرجون من الركام ويوقعون الخسائر في صفوف جيش الاحتلال.

حين ارتسي سرور كتبت في مقال بعنوان “جيش فوق وجيش تحت” نشرته يديعوت أحرونوت مؤخرًا، أن كلًّا من أسباب الفشل والنجاح في غزة وإيران تتعدى مسألة الإعداد لتصل إلى الصدع الداخلي في الجيش، وإلى الفجوة الاجتماعية التي تضرب المجتمع الإسرائيلي، وهي تشير إلى كتاب للجنرال غاي حزوت بعنوان جيش الهايتك وجيش الفرسان، يوضح فيه إعطاء الأولوية لفكرة الجيش التكنولوجي الفوقي على قوات اليابسة، الذين يُطلب منهم الاحتكاك مع العدو بشكل أقل بريقًا وبثمن دموي كبير.

في الجيش الإسرائيلي نشأ، في العقد الأخير، جيشان على شاكلة المجتمع الإسرائيلي، كما يقول حزوت في كتابه الصادر قبل السابع من أكتوبر؛ الأول يعكس الوجه الإسرائيلي المشرق المتمثل بالتجدد والإبداع وشعب “ستارت أب”، والثاني يعكس بصدق الفوضى الإسرائيلية وثقافة الجوار.

ولا غرابة أن تنتشر بعد العدوان على إيران فيضٌ من الإعلانات التي تشيد ببطولات الطيارين، وتدين التصريحات التي كان قد أطلقها ضدهم وزراء وأعضاء كنيست من ائتلاف حكومة اليمين، إثر توقيعهم على عرائض مناهضة للانقلاب القضائي الذي تقوده هذه الحكومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى