لقاء المشهراوي وقرع جدار الخزان
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

سامي أبو لاشين
في لحظات التاريخ الفارقة، يتمايز الرجال. هناك من يختار الدفء الآمن للصمت، وهناك من يقتحم المشهد، رغم وعورته، بحثًا عن مخرج لشعبٍ يختنق تحت الحصار والقصف. لقاء القاهرة، الذي جمع الأخ سمير المشهراوي بقيادات من حماس والفصائل الفلسطينية، كان فعلًا من أفعال السياسة الشجاعة، لا مجرد تواصل بروتوكولي.
لم يكن هذا الاجتماع استعراضًا إعلاميًا، ولا مناسبة لتبادل المجاملات، بل كان استجابة لنداء غزة وهي تنزف، ومحاولة لكسر حلقة العجز التي تحاصر القرار الفلسطيني. في الوقت الذي يسابق فيه الاحتلال الزمن لتمزيق قطاع غزة وتهجير أهله، كان لا بد من صوتٍ وطني يرفض الاستسلام للقدر المفروض، ويبحث عن نقاط التقاء توقف نزيف الدم وتكسر حالة الجمود.
سمير المشهراوي، الذي خبر مرارة الانقسام ومكائد السياسة، حمل إلى القاهرة رؤيةً تقوم على أن الحوار مع الجميع، مهما تباينت المواقف، هو السبيل الوحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لم يذهب بحثًا عن لقطاتٍ للكاميرا، ولا لتسجيل نقاطٍ حزبية، بل لإعادة السياسة إلى وظيفتها الحقيقية: حماية الناس، قبل حماية المواقع والمناصب.
أما تيار الإصلاح الديمقراطي، الذي يقف وراء هذه الخطوة، فقد أثبت مجددًا أنه تيار الفعل لا الانتظار، والمبادرة لا المراوغة. سنوات من دعم غزة في أصعب لحظاتها، من الإغاثة المباشرة إلى المواقف السياسية الواضحة، جعلت منه طرفًا يتحرك بثبات حين يتردد الآخرون. هذا ليس ادعاء بطولة، بل قراءة في واقعٍ يثبت أن من يملك الإرادة، يجد الطريق دائمًا.
غير أن الحقيقة القاسية التي يجب أن تُقال بصراحة: مهما كانت هذه الجهود صادقة، فإنها ستبقى ناقصة إذا لم تلتقط بقية القوى الفلسطينية اللحظة، وتتجاوز أنانيتها، وتكسر أوهام التفرد. الوحدة ليست شعارًا للاستهلاك، بل قرار شجاع يضع مصلحة الوطن فوق كل حساب ضيق، ويعترف أن فلسطين أكبر من أي حزب أو فصيل.
اليوم، أمامنا نافذة فرصة ضيقة. إما أن نوسع هذا المسار، برعاية مصرية، نحو حوار وطني شامل يعيد ترتيب بيتنا الداخلي، أو نستيقظ على مشهد دمارٍ يجعل غزة فصلًا جديدًا في كتاب النكبات. الخيار بين البقاء في دائرة الدم والدمار، أو شق طريق نحو أفق أكثر أمانًا وكرامة، ما زال بأيدينا — لكنه لن يبقى كذلك طويلًا.