هل ينقذ ترامب إسرائيل من نفسها؟
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

بقلم هاني المصري
الأنباء المتداولة عن أفكار طرحها ترامب على زعماء عرب ومسلمين على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة — إذا ما تأكدت وأُعلنت كخطة تنفيذية، ولم ينجح نتنياهو في لقائه مع ترامب يوم الاثنين القادم في سحبها أو تصفية مضمونها — تشير إلى تراجع أمريكي عن الموقف السابق.
وتُقرأ هذه الأفكار كمحاولة أمريكية لإنقاذ إسرائيل من نفسها، ولو على حساب الأهداف الإسرائيلية من حرب الإبادة والضم والتهجير في غزة، ومن الاستيطان المتزايد والضم الزاحف في الضفة الغربية. علمًا أن رون درمر ناقش هذه الأفكار قبل عرضها على القادة العرب والمسلمين، مع جاريد كوشنر وطوني بلير، الذي تردَّد اسمه كحاكم فعلي لقطاع غزة في فترة انتقالية.
ورغم أن بنود الخطة الـ21 لم تُنشر كاملة بعد، فإن ما تم نشره يتعارض مع مواقف واشنطن وتل أبيب ويقترب من الصيغة العربية التي اعتمدت في قمة القاهرة في آذار الماضي. من البنود المنشورة: إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بعد عشرين يومًا على. وقف اطلاق النار، ونزع سلاح حماس وإخراجها من الحكم، وتشكيل إدارة ذاتية لقطاع غزة بإشراف عربي ودولي وقيادة أمريكية مع دور محدود للسلطة الفلسطينية، وتمويل عربي ودولي لإعادة الإعمار عبر هيئة دولية ومؤسسات رقابية، وتمكين دخول المساعدات الإنسانية عبر المؤسسات الدولية، وتشكيل قوة عربية–أممية لضمان الأمن، إلى جانب وقف الحرب وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية.
عبرة من التاريخ إذا عدنا إلى عام 2003، حين طُرحت «خارطة الطريق» التي تحدثت لأول مرة عن قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة وعن وقف الخطوات الأحادية، فقد كان رد أريئيل شارون عليها «نعم، لكن…» مع 14 تحفظًا عطّلت جوهر الخطة. رغم أن هدف «خارطة الطريق» الظاهر المستتر كان تحقيق ما جاء في خطاب الرئيس الامريكي جورج بوش الإبن في حزيران 2002 حول تغيير قيادة منظمة التحرير وإيجاد قيادة جديدة تتعاون في الحرب على الإرهاب، فإنها لم تُنفَّذ حتى بعد تغيّر القيادة الفلسطينية، والخشية اذا لم يتوفر الحذر اللازم ان تنتهي هذه الخطة بايجاد سلطة او سلطات فلسطينية على مقاس الشروط والأهداف الأمريكية والإسرائيلية.
لذلك، الحذر واجب حتى لا تكون خطة ترامب خطوة إلى الوراء من أجل التقدم خطوات إلى الأمام، لكي تهدِم الزخم العالمي الذي أدخل إسرائيل في عزلة مدانة على خلفية حرب الإبادة والتجويع والتهجير والضم؛ عزلة دفعت نحو اعتراف حوالي 160 دولة بالدولة الفلسطينية واتجاه متزايد لدول عربية و غربية وأوروبية ودولية لفرض عقوبات على إسرائيل. مخاطر تراجع تكتيكي أمريكي–إسرائيلي الخطر الثاني هو هجوم معاكس يُعبَّر عنه بمساومة بين الخطة العربية والـ«إسرائيلية»، حيث قد يقدم نتنياهو ملاحظات تُجسِّد احتفاظ إسرائيل بمنظومة «مناطق أمنية عازلة» في غزة وحق التدخل في أي بقعة عند الشعور بالتهديد، والمشاركة في هيئة إعادة الإعمار والإشراف على الإدارة الذاتية، وفرض رؤية تقوّض عودة السلطة أو تجعل دورها شكليًا، بل والسعي لتغيير السلطة لتكون مطابقة للشروط الإسرائيلية بالكامل. الضفة في عين العاصفة من المتوقع أن تطالب إسرائيل في مقابل وقف حربها والتخلي عن اهدافها في القطاع بحرية حركة واسعة في الضفة الغربية، ومع أن الضغوط العربية والأوروبية قد تمنع ضمًا قانونيًا رسميًا واسعًا في الضفة، فإن الضم الجزئي للمناطق القريبة من القدس وفرض السيادة على المستوطنات قد يحدث. وقد تصل الممارسات إلى تحويل مناطق ب التي تُشرف عليها السلطة مدنيا إلى مناطق ج التي تخضع للسلطة الإسرائيلية مدنيًا وأمنيًا، ما يعني عمليًا تصفية سلطة في مساحات أكبر من الضفة، وتحويل نحو 82% من مساحة الضفة إلى سيطرة إسرائيلية أمنية ومدنية. ضمانات الاستمرار: الحراك العالمي والعقوبات المقايضة التي قد تدفع الإدارة الأمريكية لاعتماد الخطة بدون تعديل هي عدم تراجع الحراك الدولي الداعم للفلسطينيين.
لذلك، لكي تكون الخطة وسيلة للوقف الحقيقي وليس تغطية مؤقتة، يجب أن تستمر قوى الضغط العالمية — بما في ذلك المقاطعة والعقوبات والمساءلة القانونية — والعمل الشعبي والدبلوماسي الذي فرض عزلة على إسرائيل وواشنطن سياسيًا وديبلوماسيا. الخطر الأكبر في الأفكار المطروحة هو وضع شروط على الضحية: سحب السلاح من الفلسطينيين وإقصاء حماس عن الساحة من دون وضع أية شروط على الجلاد. ووضع الفلسطينيين تحت وصاية عربية وأممية ( عمليا بقيادة أمريكية) ما يبقي خطر التهجير قائمًا خلف ستار «الانتقال». وإذا كان طوني بلير — مع شركائه مثل كوشنر — من يقود هذا المشهد، فسيبقى احتمال التهجير قائمًا، خصوصًا إذا تراجع الزخم العالمي أو ظهر انقسام في صفوفه جراء الخلاف على التعاطي مع الأفكار الامريكية داخل التحالف الدولي الداعم لفلسطين.
فرصة لوقف الإبادة — لا تضيعوها نعم، هناك فرصة لوقف الإبادة وإحباط مخططات التهجير والضم وتصفية القضية الفلسطينية نابعة من المأزق المرشح للتفاقم الذي تواجهه الولايات المتحدة واسرائيل، وبالتالي من حرص أمريكي لإنقاذ إسرائيل من نفسها، ولو على حساب حكومتها الحالية التي تمادت في التطرف والغطرسة والوحشية وتصورت ان لا حدود للقوة ولما يمكن ان تفعله فوقعت بأزمة متفاقمة؛ وقف يتطلب استمرار صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته وتمسكه بحقوقه، وليس التعامل مع الشروط الظالمة والمجحفة وكأنها مطالب فلسطينية، وإبقاء الحراك العالمي الضاغط على إسرائيل مستمرًا عبر المقاطعة والعقوبات والمساءلة والملاحقة القانونية وإذراك ان الحل لا يكمن فقط بتغيير حكومة نتنياهو بل بسقوط المشروع التوسعي المبني على الاحتلال والاستيطان والذي يسعى للضم والتهجير وتصفية القضية الفلسطينية من مختلف مكوناتها. فقط استمرار الصمود والدفاع عن الحقوق ووحدانية التمثيل الفلسطيني بعيدا عن الوصاية والانابة والاحتواء وتمكين الشعب الفلسطيني بتقرير مصيرة واختيار من يمثله بانتخابات حرة، والضغط الدولي والشعبي هو الضمان لنجاح أي خطة تُقدَّم وتحوّلها من تراجع تكتيكي إلى تغيير فعلي ودائم يحفظ الحقوق ويم