الرئيسيةتقارير

هل تنجح الإجراءات الحكومية بغزة في لجم ظاهرة التكييش في ظل استشراء الفقر والبطالة؟

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

تقرير خاص: محمد الذهبي:

حذرت وزارة الاقتصاد الوطني من التعامل بـ ظاهرة التكييش بغزة، وحظرت ورفضت واستنكرت تلك الظاهرة، بل وتسعى منذ وقتٍ ليس بالقصير إلى منع التعامل بها في الأسواق المحلية..

ما هو التكييش؟ 

أنت مواطنٌ فقير، وبحاجةٍ ماسة إلى المال، إما لإجراء عمليةٍ ما أو لسداد دين متراكم أو لغيره من ضروريات الحياة الملحّة، ولكنك خالي الوفاض ولا مال لديك من أجل سد حاجتك هذه، ما العمل؟ التكييش بين يديك!

يذهب المواطن حاملاً حاجته وعوزه بين كفيه، إلى إحدى متاجر الأدوات الكهربائية أو الأجهزة الخلوية أو حتى السيارات، ثم يعقد اتفاقاً مع صاحب المتجر على أن يقوم بشراء سلعةٍ ما مقابل ثمن مضاعف أو أقل من الضعف بقليل، على أن يتم سداده بنظام القسط مع أخذ كافة السندات القانونية اللازمة والمُلزِمة، ثم يعاود المشتري بيع ذات السلعة التي اشتراها للتو، بقيمتها الحقيقة في السوق أو أقل، وربما لنفس التاجر الذي ابتاعه إياها، محملاً نفسه عبء القيمة الإضافية على السلعة، والتي قد تزجه في السجن في حال عدم الوفاء بسداد أحد الأقساط المستحقة فيما بعد بموجب القانون.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

دور وزارة الإقتصاد؟

وزارة الاقتصاد الوطني أكدت مؤخراً على إصدار أنظمة وقرارات تنظم عمل المؤسسات المالية في قطاع غزة، أهمها حظر العمل بنظام التكييش، في حين أوضح يعقوب الغندور، المستشار القانوني بالوزارة، أن وزارته سعت إلى الترويج لنظام البيع بالتقسيط إعلاميًا من أجل توعية الجمهور، مطالباً بوقف التعامل بنظام التكييش، وبضرورة التواصل مع الوزارة في حال وقع أي من المواطنين في شباكه.

وأصدرت الاقتصاد الوطني قرارين (64) -(73) نهايات 2022، عقب ملاحظتها تفشي ظاهرة التكييش وقضاياها المتراكمة أمام المحاكم، واللذين يحظران عملية التكييش وينظمان عملية البيع بالتقسيط بحيث لا ترتفع نسبة الزيادة في المبلغ المُقسط عن 5% سنويًا.

شكاوى ومخالفات

وقالت وزارة الإقتصاد أنها استقبلت نحو ثلاثين شكوى متعلقة بالمؤسسات المالية ومخالفتها للأنظمة المعمول بها، وأخطرت 70 شركة مالية مُخالفة من أجل تصويب الأوضاع القانونية لديها، وأخذت تعهدات لـ 52 ملفاً مالياً مخالفاً بالتعاون مع الوحدة القانونية لديها، وكذلك حولت 12 مؤسسة مخالفة للنيابة العامة.

واعتبرت الوزارة، عملية التكييش جريمة، وأن هذه الإجراءات تأتي ضمن المسؤوليات التي تقع على عاتقا من أجل حماية المستهلك الفلسطيني ومحاربة الظواهر السلبية الاقتصادية التي تظهر في المجتمع نتيجة الانفتاح الاقتصادي والتكنولوجي والحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من سبعة عشر سنة.

ويلجأ مواطنون وتجار للتعامل بنظام التكييش في ظل ندرة السيولة المالية وتفشي الفقر والبطالة، رغم الخسائر المالية المترتبة على هذه النوعية من المعاملات، وذلك لمآربٍ عدة تبدأ بسد حاجاتهم الاقتصادية من خلال توفير السيولة النقدية اللازمة، وتنتهي بجشع التجار لتكديس المال.

وفيما يتعلق بالشركات التي أضحت تمتن هذه الوسيلة لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح المالي، فأكدت وزارة المالية على أنها تقوم بملاحقة الشركات التي تعمل بهذه الطريقة ضريبياً لردعها.

مواطنون مخدوعون

المواطن ص. ن اضطر أكثر من مرة إلى تحميل نفسه عبء التكييش، فيقول “أخي كان بحاجة إلى إجراء عملية جراحية، نحن نعمل في مجال البناء والحال صعب في غزة، فذهبت إلى أحد المحلات واشتريت جوال بسعر 2000 شيكل، مع العلم أن سعره في السوق 1400 شيكل، ثم قمت ببيعه لمحل آخر بسعر 1200 شيكل فقط”.

وأضاف “لم يكن لدينا خيار آخر، والتزمت بكمبيالات لمدة عشرين شهر من خلالها سددت ثمن الجوال الكبير، المبلغ كان كبير وصعب سداده، لكن في النهاية سلامة عائلتي أهم”.

عديدٌ من الشكاوى تلقتها وزارة الاقتصاد الوطني من المواطنين، الأمر الذي حذا بها لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين وتحويل ملفاتهم للنيابة العامة للاطلاع عليها وتقرير ما يلزم.

البيئة الاقتصادية بغزة خصبة للتكييش

باحثون اقتصاديون ومختصون، يرون أن جميع محاولات وزارة الاقتصاد في قطاع غزة لن تنجح في وقف ظاهرة التكييش بسبب البيئة المالية التي تكونت في القطاع خلال سنوات الحصار، ولاسيما بعد القرارات الحكومية التي تم تنفيذها من قِبَل سلطة رام الله بعد 2017م.

ويقول الباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر “إن ظاهرة التكييش وجدت بيئة خصبة بعد إجراءات السلطة الفلسطينية قبل نحو ست سنوات، والتي تمثلت بقطع الرواتب والتقليصات وإحالة عدد كبير على التقاعد”.

وطالب أبو قمر بالتخلص من جميع الظواهر المسببة، وآليات التحايل على الموظفين في هذا الجانب، والعمل الجاد على مضاعفة المعروض النقدي في الأسواق بعدة طرق، أهمها رفع نسبة رواتب الموظفين.

في يوم الجريح.. آلة القتل الإسرائيلية ما زالت تمعن في سفك دماء الفلسطينيين منذ النكبة

أسامة نوفل، مدير عام السياسات والتخطيط بوزارة الاقتصاد بغزة، أكد على أن ظاهرة التكييش أخذت منحنى سلبي بسبب حاجة المواطنين للسيولة العاجلة، داعياً المستهلكين لعدم التوقيع على أوراق “كمبيالات أو غيرها” عند شراء السلع بالتقسيط، وخصوصاً إذا كان المبلغ الموقّع عليه أعلى من سعر السلعة الحقيقي.

ويفقد المستهلكين وفقاً لتقديرات محلية، بسبب التعامل بظاهرة التكييش، أموالاً من قيمة السلع التي يحولونها إلى سيولة نقدية من خلال إعادة بيعها، بنسبةٍ تصل إلى أكثر من ثلاثين بالمائة في معظم الأحيان.

ويبلغ إجمالي قيمة القضايا المنظورة في المحاكم نتيجة لظاهرة التكييش بغزة، نحو خمس مليارات دولار أميركي بحسب ما ذكره المجلس الأعلى للقضاء، جلها عبارة عن أموال عالقة في مهب الريح نظراً لعدم امتلاك أصحابها مصادر دخل أساسية من أجل سداد ما تراكم عليهم من ديون.

ختاماً تبقى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أبناء شعبنا، في ظل الحصار والبطالة وقلة فرص العمل وشح مصادر الدخل، سيفاً مسلطاً على أعناق المواطنين، الذين صارت هذه الظاهرة أشبه بسنةٍ لدى كثيرٍ منهم من أجل تغطية احتياجاتهم الماسة وتوفير السيولة المالية اللازمة لتدبير شئون حياتهم، فهل تتمكن الحكومة بغزة من ضبط هذه الظاهرة من خلال القوانين التي فرضتها مؤخراً؟ وما هو الملجأ الجديد الذي سيتجه نحوه المواطنون في ظل استمرار تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في غزة إذا تم كبح جماح التكييش وفقاً للضوابط الجديدة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى