شبكة الخامسة للأنباء - غزة
الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:
التداول الرقمي.. لعل هذا المصطلح طرق أذهان كثيرين في الفترة الماضية، لاسيما في ظل انتشاره واضمحلال فرص العمل الحقيقية في قطاع غزة، فما هو؟ وما آليته؟ وهل هو فرصة حقيقية لكسب المال الحلال والخروج إلى الحرية المالية؟ وما مدى تأثيره على الاقتصاد ورأي أصحاب القرار والحكومات فيه، محليا وعالمياً؟
ماهية التداول الرقمي..
يُعرّف المختصون عملية التداول الرقمي على أنها بيع وشراء العملات الرقمية، وهي عبارة عن عملات افتراضية غير ملموسة لا مركزية يمكن تداولها، أي بيعها وشراؤها واستبدالها عبر الإنترنت فقط، وليس على أرض الواقع.
وتتكون من رموز مشفرة مميزة موجودة على شبكة افتراضية آمنة جدًا وهي شبكة بلوكتشين الافتراضية التي أحدثت ثورة تقنية تخطت الحدود والسياسات المحلية والإقليمية والدولية.
طريقة التداول..
يتم تداول العملات الرقمية المشفرة عبر منصات التداول المختلفة، التي تفرض معظمها عمولات على المستخدمين الذين يتداولون من خلالها، إلا أن تلك العمولات تكون منخفضة نسبيًا، بالتالي فإن البورصات تؤمن بيئة مناسبة افتراضية تجمع المستخدمين في مكان واحد ليتمكنوا من ممارسة عملية التداول بسهولة ويسر.
كما يستفيد المستخدم من تداوله العملات الرقمية المشفرة في تحقيق أرباح، ويتوقف حجم الربح على عدة عوامل أهمها، الاستراتيجيات الاستثمارية التي يتبعها وحجم سوق العملة الرقمية وتقلّب سعرها من حين لآخر.
استثمار غير آمن..
ويُعتبر التداول في العملات الرقمية استثمار محفوف بالمخاطر كونه لا يوفّر لك ضمانات معينة في حال خسرت أصولك الرقمية، بل يجب أن تعتمد على نفسك وتتعلّم استراتيجيات الاستثمار في هذا المجال قبيل الخوض به.
ومن أبرز مخاطر التداول الرقمي، تقلبات أسعار العملات الرقمية، والتي تكون في كثيرٍ من الأحيان ملحوظة سواءً بالهبوط أو الصعود، وهنا يتوقف سعر العملة الرقمية المراد شراؤها أو بيعها، على حركة السوق الرقمي من حيث كميات العرض والطلب على هذه العملات، فعندما يتجه الناس إلى شراء عملة رقمية معينة بكثرة فإن الطلب يصبح أكبر من العرض وبالتالي سعر العملة يرتفع، وعند بيع الناس عملة رقمية ما بكثرة فإن العرض يصبح أكبر من الطلب وبالتالي ينخفض سعر العملة.
النصب والاحتيال..
وتحتل عمليات الاحتيال والسرقة، المركز الثاني من حيث الخطورة ضمن لائحة مهددات التداول الرقمي، حيث أن تقنيات العمل التكنولوجية لا تخلو من التعرض لعمليات النصب والاحتيال التي قد تكون بسبب الخطأ البشري وقلة الخبرة أو عمليات القرصنة المقصودة.
أما المكيدة الثالثة التي يقع بها المتداولون، فهي عدم التأكد من القصة المخفية وراء ظهور عملة معينة بشكل مفاجئ، وغالبًا يكون سعرها رخيص جدًا وبالتالي تكون جذابة لكثير من المستخدمين الذين قد لا يدركون مخاطر شرائهم لتلك العملة، والتي في الغالب تكون مزيفة وغير حقيقية فما أن يتم شراءها من قبل المستخدمين، حتى تختفي تماماً من السوق الذي لا حسيب أو رقيب فيه.
تضارب في الفتوى الشرعية..
لقد انضم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الأيام الأخيرة، إلى عدد من المرجعيات الفقهية التي تفتي بعدم جواز التداول بعملة البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية.
وكانت أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية قد أصدرت فتوى شرعية بحرمة وعدم جواز التداول الرقمي عام 2017م، سواء بالبيع أو الشراء أو الإجارة، ثم عارضتها الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف في الإمارات العربية المتحدة بإيجاز المتاجرة بالعملات الرقمية الافتراضية عام 2021م.
أما الشيخ عبد المنيع وهو أحد أعضاء هيئة كبار علماء المسلمين السعودية، فقد شدد على تحريم وعدم مشروعية الاتجار بالعملات الرقمية وتداولها، متجاوزاً ذلك بوصفها بعملية المقامرة.
الطمع بالكسب دون تعب..
بلا شك، يبقى الطمع وتلألؤ الأرقام المترفة للدولارات أمام أعين المتابع لشاشات عمليات التداول الرقمي وأسعار العملات الرقمية، سيد الموقف هنا، حيث يتخيل الكثير من الأشخاص العاديين أن بمقدورهم وبسهولة، أن يقومون بعملية بيع وشراء وتداول العملات الرقمية بتلك البساطة التي سوف تسقطهم من السماء على قمة سلم الثراء بغمضة عين.
ولكن لا يعرف أولئك الحالمون للأسف، أن عدداً كبيراً من الحيل والتقنيات التي يجب عليهم معرفتها بل ودرستها وتجربتها واختبارها عملياً برأس مال بسيط قبل أن يبدؤوا عمليات التداول الرسمية التي قد تحملهم إلى الربح.. أو الخسارة أيضاً.
وفي تتبع ظاهرة التداول الرقمي، وجدنا أن حدثاً رئيسياً كبيراً يضمن تبادل الأفكار والآراء حول الاقتصاد الرقمي العالمي، يجتمع فيه مجموعة من رواد الأعمال ضمن معرض إكسبو دبي، المستثمرين وهواة التداول بالعملات الرقمية من جميع أنحاء العالم، ولمدة يومين لإضافة قيمة جديدة إلى مساحة العملات الرقمية إقليمياً وعالمياً، ورسم خط جديد لمستقبل باهر في النظام البيئي العالمي للعملات الرقمية.
ويعتبر المعرض أحد الأحداث الرئيسية في العالم للمستثمرين وقادة الاستثمار الرقمي، من أجل التواصل واستكشاف المزيد من فرص الأعمال.
وتتم فيه المناقشات المبتكرة للاتجاهات الحالية وتسليط الضوء على مشهد العملات الرقمية وعلى المنصات والتطبيقات والمجالات الرقمية المتعددة التي مكنّت رائدي ورائدات الأعمال من الاستثمار، وأعطتهم ثقة التوجّه الفوري نحو التجارة الإلكترونية، التي تنمو بشكل كبير في الآونة الأخيرة محققةً التأثير الأكثر أهمية على النظام البيئي المالي العالمي.
منع التداول في غزة..
أما في غزة، فقد أصدرت وزارة الاقتصاد الوطني مؤخراً، قرار يمنع أي شركة أو جهة من التعامل في مجال التداول والعملات الرقمية من خلال تشغيل أموال المواطنين، ويأتي هذا القرار مكملاً لسلسة من القرارات التي تجرم العمل في مجال الفوركس في قطاع غزة، كما جاء القرار الأخير في أعقاب تداول وسائل الإعلام أخباراً تتعلق باختفاء منصة هوغ بول للاستثمار والأرباح في جمهورية مصر العربية، بعد أن جمعت أموالاً من الأشقاء المصريين قدرت بنحو 195 مليون دولار أمريكي.
وكانت سلطة النقد الفلسطينية قد حذرت وحظرت على البنوك الفلسطينية منذ عام 2017م، تسهيل التداول بالعملات الرقمية حفاظاً على مدخرات المواطنين، حيث ورد في بيان صحفي صدر حينها أنه بهدف الحفاظ على نظام مالي مستقر ومتين وحرصاً من سلطة النقد على أموال المواطنين، فإنها تحذّر المواطنين من التعامل بالعملات الافتراضية بكافة أشكالها ومسمياتها.
هاجر أزواجهن.. فأصبحن بين كابوس انتظار المجهول وهاجس الفقر والانفصال
وأوضحتى أن ذلك لما تحمله من مخاطر مرتفعة جداً كونها غير مضمونة من قبل أية جهة رسمية، إلى جانب أنها عالية التذبذب مما قد يلحق خسائر مالية فادحة بالمتعاملين بها، إضافة الى أن كافة الجهات والأطراف التي تقدّم وتتعامل بهذه العملات غير خاضعة أو مرخصة من قبل أي جهة رقابية معتمدة محلياً أو دولياً.
وأوضحت وزارة الاقتصاد الوطني أنها تحارب كافة الظواهر السلبية المرتبطة بالقطاع المالي، مثل التداول بالفوركس، والتسويق الهرمي والشبكي، وكذلك التدريب غير المنضبط على تداول العملات الرقمية.
ردود فعل متباينة..
أثارت وزارة الاقتصاد حالة من الجدل في أوساط المواطنين المستثمرين في مجال التداول والعملات الرقمية بقرار حجبه، حيث أيده البعض، ورفضه البعض الآخر.
ويرى يوسف. ح، أن عملية التداول الرقمي تجارة ذات مخاطر عالية، وأن أرباحها أيضاً قد تكون مرتفعة، مشيراً إلى أن هذا يعتمد على الخبرة الخاصة بالمتداول، والتي يتم اكتسابها بعد تجربة ودراسة ومتابعة ومعاناة وخسارة، وأن المحدد الثاني هو مصداقية منصة التداول.
وأوضح لـ الخامسة للأنباء، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، منع المواطنين من العمل في التداول الرقمي أو ضبطه أو مراقبته، مشيراً إلى أن أي مواطن بمقدوره أن يقوم بالتداول الرقمي عبر الفيزا أو غيرها من الطرق نظراً لأن السوق مفتوح والعمل افتراضي، وكذلك لأن العميل قد يتلقى أمواله من خلال بنوك افتراضية كـ الباي بال مما يجعل انكشاف أمره مستحيلاً.
مساعي دولية لضبط التداول الرقمي..
أصبحت العملات الرقمية محلّ خلاف جذري بين مجموعة دول العشرين الاقتصادية، لاسيَّما في قمتها الأخيرة التي ترأستها الهند، والتي طالبت خلالها بالسماح لها بالموافقة على استخدام العملات الرقمية ضمن نظامها المالي، بينما أبدت دولاً أخرى اعتراضها على هذه الخطوة؛ باعتبارها تهديداً للاقتصاد العالمي.
وفي فبراير 2022؛ أعلنت الهند عزمها إطلاق عملة رقمية مرتبطة بعملتها الرسمية، وفي وقت سابق حدَّدت وزارة المالية الهندية، خططاً لفرض ضريبة بنسبة 30% على الدخل من الأصول المشفرة والتداول الرقمي، في حين أبدت دولاً أخرى رفضها القاطع لذلك، بل وأيدت حظر تلك العملات نهائياً.
وطالبت دولاً أخرى بالضغط من أجل تنظيم سوق التداول خوفاً من أن يتسبب حظره بأخطار على الاستقرار المالي العالمي.
وفي الثالث والعشرين من فبراير الماضي، أصدر صندوق النقد الدولي ورقة عمل بشأن الأصول المشفرة، وحثَّ البلدان على إلغاء حالة المناقصة القانونية للعملات المشفرة، كما حددت الورقة، التي تحمل عنوان “عناصر السياسات الفعالة للأصول المشفرة”، إطاراً من تسعة مبادئ تتناول قضايا التنسيق المالية والقانونية والتنظيمية والدولية لتلك العملات وعمليات التداول فيها.
وقال صندوق النقد الدولي “لا تشكل الأصول المُشَفَّرة، بما فيها العملات الرقمية المستقرة، أي مخاطر على النظام المالي العالمي بعد، ولكن هناك بعض اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية التي تواجه آثاراً ملموسة بالفعل بسببها”.
ويبقى سوق العملات والتداول الرقمي بعد أكثر من عشر سنوات على انتشاره دولياً، غير واضح التفاصيل إلا لمن خاض غماره ولمس ربحه وخسارته.
بينما تتضارب الآراء بين الخبراء الدوليين الذين يجمعون على أنه إذا كانت لديك الدراية والتدريب الكافي والمهارات الأساسية للتداول، فقد تستطيع جني المال من خلال هذه التجارة الرائجة، وبين رجالات الدين الذين أجزموا بحرمتها القطعية باعتبارها عمليات مبهمة غير واضحة التفاصيل.