مصطفى اللداوي: رعدُ يُخْلِي شوارعَ تل أبيبَ ويصلي الفجرَ في يافا
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
سيطول وقوف الإسرائيليين أمام هذه العملية النوعية الفذة، التي نفذها بطل فلسطين وابن جنين القسام الشهيد رعد فتحي حازم، وسيجدون أنفسهم مضطرين لدراستها بعمق، ومعرفة الكثير من تفاصيلها، والطريقة التي تمت بها، والأسلوب الذي اتبعه منفذها، والوسيلة التي استخدمها في اختراق الاجراءات الأمنية والوصول إلى قلب مدينة تل أبيب، وشارعها الأشهر والأكثر حركة، والحالة النفسية المطمئنة التي تحلى بها، وثقته ورباطة جأشه وهو يؤدي صلاة الفجر في مسجدٍ لا يبعد عن مسرح العملية أكثر من خمسة كيلو مترات، وغير ذلك من التفاصيل الدقيقة التي ستخرج الإسرائيلي عن طوره، وستشيب شعر رأسه.
فقد أوجعتهم هذه العملية وآلمتهم أكثر من غيرها، وأذلتهم وأخزتهم، وعرتهم وفضحتهم، وكشفت عجز أمنهم وهشاشة إجراءاتهم، وخلفت على المستوطنين آثاراً نفسيةً قاسيةً يصعب تجاوزها، وأظهرتهم جميعاً في حالةٍ من الخوف والذعر، لا يستطيعون مواجهة الطوارئ والتعامل مع الأخطار المفاجئة، وكشفت عن عوارٍ كبير سيصيب أمنهم وسيهدد جبهتهم الداخلية في حال تكررت مثل هذه العمليات وتعددت، وسيكونون في حالٍ أسوأ لو تمكن المنفذون من احتجاز بعض الرهائن والتمترس بهم، حينها سَتُشلُ قدرات جيشهم، وسَتُحيدُ قوتهم، وسيجدون أنفسهم مضطرين لتقديم تنازلاتٍ مؤلمة أو تضحياتٍ قياسيةٍ.
كثيرةٌ هي الجوانب الوضاءة في العملية التي نفذها رعد حازم، فهو ابن مدينة ومخيم جنين، التي يستهدفها العدو الإسرائيلي كل يومٍ بإجراءاته القاسية وعملياته الدموية الموجعة، كان آخرها اغتيال وتصفية ثلاثة من أبنائها، ورغم أنه كان يعرف أن خاتمته الشهادة، وأنه قد يقتل أثناء تنفيذ عمليته، إلا أنه انبرى لها واثقاً ومضى إليها مطمئناً، ونفذها جريئاً غير خائفٍ ولا وجلٍ، وأحسن استخدام مسدسه الصغير، بطلقاته الاثني عشر، التي أصابت تسعٌ منها أهدافها، فقتلت وأصابت، وألحقت ذعراً وهلعاً يفوق القتل ويدوم أكثر من الإصابة، ويترك ندوباً أكثر وأبلغ من الجرح.
وهو ابن حركة “فتح” وذراعها العسكري “كتائب شهداء الأقصى”، الكتائب النائمة التي لو نهضت فإنها ستغير المعادلة، وستقلب ظهر المجن للعدو الصهيوني، الذي وطَّنَ نفسه على أنها مسالمة، وأنها ألقت السلاح ولن تقاتل، ولن تعود إلى صفوف المقاومة التي كانت فيها يوماً قائدة، ولشعلتها رائدة، ولقواتها عاصفة، إلا أنه اليوم تنهض نصرةً لأهلها، وغضبةً لشعبها، وانتقاماً من عدوها، وتنتفض بقوةٍ وتقاوم بعزمٍ، فأبناؤها في السجون والمعتقلات، يقضون الأحكام الطويلة والمؤبدات العديدة، وآخرون يقتلهم العدو غيلةً ويُغتالهم غدراً، ولا يفرق بينهم وبين أي فلسطينيٍ آخر.
ووالده ضابطٌ برتبة عقيدٍ في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وقد كشفت شهادة ابنه عن عمق انتمائه، وصدق ولائه، وصفاء عقيدته، ووضوح هدفه، وسلامة منطقه، فما تردد لسانه، ولا ارتجف قلبه، ولا تعثرت كلماته، ولا ضلت أهدافه، وما كبلته القيود ولا قيدته الاتفاقيات، بل أطلق للسانه العنان ليعبر أصدق تعبيرٍ عن حقيقة الفلسطيني، ابن الأرض وصاحب القضية، الواثق بالنصر والمطمئن إلى الوعد، الراضي بالقدر والسعيد بالشهادة، فبشر نفسه وشعبه، أنهم جيل النصر وجند التحرير، وأنهم جميعاً سينعمون بالعودة إلى أرضهم، والصلاة بعزةٍ وكرامةٍ في مسجدهم الأقصى المبارك.
أظهر الشهيد رعد أنه يجيد استخدام السلاح الناري، ويحسن التهديف والإصابة، ولا يرتبك عند المفاجأة، ولا يضطرب أثناء المواجهة، ولا تضل رصاصاته الهدف، ولا تخطيء طلقاته العدو، وقد عرف كيف يصل إلى المكان الذي حدده بسهولةٍ، ويجتاز العقبات الأمنية بدرايةٍ، وكأنه يقيم في المنطقة ويعرف دروبها ومسالكها، رغم أن ملامحه عربية، وسحنته فلسطينية، ولسانه يكشفه، إلا أنه كان واثق الخطوة رابط الجأش قوي الجنان، يتطلع نحو الشهادة ولا يخشى الموت أو يهاب العدو.
كما كان وحده لا يرافقه أحد، ولا يساعده مقاومٌ، فلا خيوط تربطه، ولا ما يدل عليه، أو يضعف حركته ويقيد خطواته، بل كان خفيفاً سريعاً رشيقاً يتنقل بسهولةٍ ويسرٍ، وقد كان يطمح إلى أن يغنم من عدوه سلاحاً، ويختطف من مستوطنٍ بندقيةً، يواصل بها عمليته، ويثخن بها في صفوف العدو أكثر، رغم أنه قد شفى غليله منهم، وقتل اثنين وأصاب بجراحٍ بالغةٍ آخرين، إلا أنه كان يتمنى المزيد ويحرص على الأكثر.
أما نجاحه في الإفلات ولو إلى ساعاتٍ معدودةٍ من أرض المعركة، وتمكنه من المسير مسافةً تزيد عن خمسة كيلو مترات، ووصوله إلى قلب مدينة يافا، وصلاته الفجر في مسجدها، وكأنه كان ينوي بعد الصلاة الاستئناف والمتابعة، ومواصلة الجهاد والمقاومة، وكأنه شعر أن الشهادة قد فاتته فأراد أن يدركها، ولا يغيب عنها ولا يحرم منها، وقد شهد العدو أنه قبل استشهاده قد نازلهم، بل أنه بادرهم إلى إطلاق النار وفاجأهم، وثبت في مكانه مقاتلاً، ولم يحاول الفرار منهم أو التراجع بعيداً عنهم.
سيصدم العدو وهو يعيد قراءة تفاصيل العملية، ولكنه سيصدم أكثر عندما يدرك يقيناً أن المقاومة قد أصبحت لدى الشعب الفلسطيني كله، ثقافةً وسلوكاً، وعياً وعملاً، وفطرةً وعلماً، ومتابعةً ومواصلةً، وأن القادم سيكون أقوى وأشد وعليهم أصعب وأسوأ، فها هم المقاومون يتتابعون، وعملياتهم تتواصل، ودروسهم منها لا تتوقف، وعدوهم من ويلاتها لا ينجو ولا يتعلم.