قراءة في الجولة الاخيرة من العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
بقلم/ أ.شادي عثمان
شكل العدوان الاخير فصلاً جديداً من تعاطي الكيان مع قطاع غزة، وجاء بصيغة ولون مختلف عن سابقاته،
ليؤسس قواعد جديدة للتعامل مع الفلسطينيين يهدف من خلالها احداث مزيدا من الانقسامات والتصدعات، من خلال اتباعه لتصنيفات تفضلية، تتيح له امكانية التعامل مع الفصائل والقوى الفلسطينية باسلوب بالتجزئة بدلا من التعامل مع هذه القوى بالجملة ككل واحد موحد، قادر على تكثيف المواجهة ومضاعفة الصمود في وجه هجمته العدوانية،
فلسطينياً شكلت البيئة السياسية ارضاً خصبة لنمو بذرة التصنيفات، فقد نجحت اسرائيل بتجزئة القوى الفلسطينية، وفي ادق الاوقات حرجاً، وقت المعركة، واستطاعت الاستفراد بمن تستهدف، وضمان حياد آخرين لم يتم استثنائهم سهواً ، ومكنتها هذه التجزئة من استخدام العصى مع طرف والجزرة مع الاخر، ليشكل كل منهما عبرة لنظيره، وليوضع كل منهما في مواجهة الاخر، من خلال خلق معادلة مفادها: ان خسارة احداهما تشكل مكسبا للاخر. ليصبح من مصلحة الطرف الذي تم تحييده خسارة الطرف المستهدف، والعكس صحيح، في سبيل اثبات سلامة المنطلق الوطني لموقف كل منهما، لان سلامة منطلق احداهما تعني بالضرورة فساد منطلق الاخر.
لقد نجح الاحتلاال في تحييد القوى التي اراد تحييدها في الساحة السياسية الفلسطينية، “تحديدا حركة حماس” تحييدا مطلقا، مستفيدا من وقوعها تحت ضغط تأمين متطلبات السلطة والحكم، وما تفرضه من حسابات، بل وصل الى ابعد من ذلك بأن جعل من القوى المحيدة قوى ضاغطة على الطرف المستهدف “حركة الجهاد” تحت ضغط ودافع المصلحة، التي تتطلب عدم الوقوع تحت طائلة الانكشاف والتعرية الوطنية، ودفع فاتورة من رصيدها من الشرعية الوطنية، التي تشكل شعبياً اهم مبررات وجودها كقوى مناهضة لخصمها السياسي المتمتثل في “حركة فتح”.
هذا اهم ما حققته فعلياً دولة الاحتلال من هذه الجولة، مضافاً اليه ما انجزته من ضرب للكادر العسكري خاصة في المستويات العليا من قيادة الجهاز العسكري للجهاد الاسلامي.
فلسطينياً
ان مواقف ومنطلقات اللاعبين الرئيسين في هذه الجولة والظروف التي ساهمت في تكوينها، تشكل المدخلات التي من شأنها تحديد مخرجات هذه العملية، والنتائج التي افضت اليها، والتي تتطلب رصداً وتحليلاً محايداَ وغير متأثر بالرائج من الإراء والمواقف والتحليلات، التي شكلتها اللحظة الراهنة المحملة بشحنة عاطفية فرضتها واثرت على تكوينها الاحداث الجسيمة، كونها تشكلت تحت وقع القلق والهلع من جهة، ومن الجهة الاخرى تحت وقع الافراط في التوقعات الناجمة عن الشعور بالاثارة والنشوة، التي تبنى عادة بفعل الوقوع تحت تأثير الانباء المكثفة المتلاحقة، التي تنقل على مدار اللحظة والتي تأخذ عادة شكلاً من اشكال الاعلام الحربي التعبوي، الذي لا يخلو من طغيان للاجندة الحزبية على حساب الحقيقة والمصلحة الوطنية الصرفة.
الجهاد الاسلامي
استطاع الجهاد خلال هذه الجولة إختطاف الاضواء بجدارة واستحقاق، وحاز على رصيد من المصداقية والثقة الشعبية خلال الايام القليلة الماضية كما ما لم يتوفر لغيره عبر سنوات.
ظهر هذا جليا من حجم الالتفاف الشعبي اللافت المؤيد لكل بيان للجهاد، ولكل رد ميداني، وفي الاستجابة المرتفعة لنداءاته للمواطنين باطلاق صيحات التكبير في لحظة محددة وافقت التاسعة مساء في معظم الايام التي وجه فيها الجهاد نيران صواريخه الى الكيان المحتل، بحيث اصبحت هذه الساعة حكراً على الجهاد الاسلامي، وسميت بتاسعة البهاء نسبة للشهيد بهاء ابو العطا.
اضافة للتفاعل الايجابي التي شهدتها منصات التواصل الاجتماعي، والتي خلت من النقد والمعارضة وكانت معبئة بالحماس والمؤازرة لما يقوم به الجهاد، يضاف الى ذلك قلة عدد “المدنيين” المستهدفين وتركيز الاحتلال على استهداف القادة العسكريين للجهاد، ما ولد تعاطفا كبيرا من المواطنين، كما ان قصر زمن الجولة والتوصل السريع نسبيا لاتفاق التهدئة، الذي قلل من حجم الخسائر اشعر الشعب بان الجهاد يتعامل بمسؤولية عالية فيما يخص ارواح المواطنين، ويوازن في الوقت نفسه بين ذلك وبين الحفاظ على الكرامة الوطنية بالرد على العدوان بشكل فعلي ومقنع وليس رداً شكلياً لذر الرماد في العيون.
بذلك استطاع الجهاد تثبيت اسمه كلاعب اساسي مهم لانفراده بالمواجهة، ودفعه الثمن من خيرة قادته، وشكل حضوراً طاغيا في المشهد الفلسطيني، وانتزع لقب الحصان الاسود باستحقاق وجدارة.
حماس…
على صعيد اخر فقد منيت حماس بخسارة حاسمة، وكانت الخسارة من نصيبها وحدها، فقد اهتز رصيدها الوطني بشدة، وبات مستوى الانكشاف والتعرية التي منيت به غير مسبوق، بخلاف المرات السابقة التي مارست فيها نفس الدرجة من الخذلان، الا ان ظروف المعركة سالفة الذكر اسفرت عن خسائر اكثر حدة، واصبح بالنسبة للشارع كل ما يساق من مبررات عاجزة عن تبرير ورقع سلوك حماس وطنياً، وبات الشارع على قناعة تامة ان حماس مستعدة للتخلي عن اي قيمة وطنية مقابل استمرار حكمها،
قد تشكل هذه النتائج مصلحة وطنية، لانها تعيد التوازن في الساحة الغزية تحديدا، وتساهم في كسر احتكار حماس لرسم وتحديد سياسات غزة تجاه الاحتلااال. وسيكون لذلك بمرور الوقت اثر على السياسة الداخلية لادارة غزة،
هذا في حال لم تتعرض هذه الحركة لمؤامرة اقليمية “ناجحة” تهدف لانتزاع دورها والحط من مرتبتها،
لكن قد تفشل كل هذه المحاولات ان استطاع الجهاد الحفاظ على ما انجزه من نتائج سياسية في المعادلة الداخلية.
وطنياً
اما على صعيد اخر هذه الجولة على رؤية
الشعب لمسألة المواجهة المسلحة مع الاحتلال،
فبات الجميع يدرك ان فوارق الاثمان بين وضع وآخر، ،تصعيد او هدنة، هامشية وتعادل الصفر، طالما ان الاحتلال باق على الارض.
والجميع ادرك ان ما يحدث هو الطبيعي، وان هذه الجولة كسابقاتها هي مجرد جولة سيتلوها جولات.
والجميع بات يدرك الا حسم لشيء في هذه الجولات، الا انه يعلم الا بديل لدى شعب محتل سوى الاستمرار بمقارعة الاحتلال، والدفاع عن نفسه بما يمتلك من ادوات، لان من شأن ذلك تخفيف الخسائر على المدى البعيد، “شريطة ابتعاد القوى المقاومة عن اي اجندة غير فلسطينية او حزبية”،
وهذا ما لمسه الشعب من سلوك الجهاد في هذه الجولة
فقد ادرك الشعب ان المقاومة تجعل الاحتلال يدرك بأننا لسنا لقمة سائغة، فلفعلنا البسيط اثر كبير في التأثير على ترتيب الاحتلال لاوراقه على كل الاصعدة والمجالات.
واصبح التركيز لدى الشعب منصب فقط على طريقة ادارة الفعل المقاوم، وكيفية دفع اقل الاثمان وتحصيل اعلى عوائد ممكنة، وهذا تحقق نسبيا في هذه الجولة على عكس الجولات السابقة التي كانت تضاعف اعداد الضحايا نتيحة التعنت في توقيع اتفاق التهدئة مبكرا لنعود لنفس البنود بفارق زمني يضاعف الخسائر.
هذه مرحلة مهمة في تطور فهم الشعب وفي ادارة المقاومة من قبل القوى السياسية، وقد كان لهذه الجولة من مواجهة العدوان بإدارة حركة الجهاد المساهمة الكبرى في الوصول الى هذا الفهم وترسيخ هذه القناعة.