من هـنا وهـناك: كل وخلاصه
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
الكاتب: تحسين يقين
الأدب وما يتصل به من أدبيات اجتماعية وسياسية، إنما هو نبات الحياة، والحياة كما هي فيها ما فيها، من هو وهي، وهم، وفيها هؤلاء وأولئك، وفيها من هم هناك، فيها ربما القليل من التشابه والكثير من الاختلاف.. وفيها الخلافات والنزاعات، وهذا طبيعي، وهذا ما دفع الأجداد والجدات للقول: «مصارين الجسم ببتعارك»، من قبيل تفهم لكل ما كان ويكون!
– ………………؟
– طبعاً كان يمكن أن يكون في جامعة النجاح أكثر كثير مما كان.
لم يعد المجتمع الفلسطيني بحاجة إلى أي فعل يعمق الجراح أبداً، فتحن بحاجة للتوافق، أي لعقد يجمعنا في اختلافنا الطبيعي، فما بالك بهذا التنازع صعب الوصف.
فهل نحن الآن نشهد في نظمنا عدم تحمّل المختلف؟
التحدي: هل يمكن ضمان عدم حدوث ذلك مجدداً؟ وهل سنشهد تطييباً للخواطر كأسرة جامعة نحبها؟
الفعل: قيام كل إنسان وكل جماعة بما يرقى للمسؤولية، وليس ذلك بالأمر الصعب ولا المستحيل.
فأي هدف لكل فريق يبغي نفي الآخر، لا يعني إلا إلغاء لجمعنا؛ فالخلاص الفردي الفئوي لن يؤدي إلى الخلاص الوطني النبيل.
نترك جامعة النجاح تطبب القلوب، ثم نذهب إلى العيسوية.
ما الذي جرى في العيسوية – القدس؟
«أفراد الشرطة الإسرائيلية كانوا سُكارى، دخلوا العيسوية دون سبب ودون أمر، ولأسباب غير معروفة ودون أي مهمة رسمية، وقاموا بإطلاق 17 رصاصة باتجاه المنازل وبشكل عشوائي».
هذا ما كشفه محامي مركز معلومات وادي حلوة – القدس محمد محمود، عن تفاصيل ما جرى هناك، فهل هناك ما يمكن أن نصفه ونضيفه؟
– نعم يمكن!
– وهو؟
– تصريح نائب الوزير، قال نائب وزير الأديان في الحكومة الإسرائيلية، متان كهانا، الثلاثاء الماضي: «إنني لو أملك زراً يمكن الضغط عليه لإخفاء العرب كلهم من هنا وإرسالهم بقطار سريع إلى سويسرا، كنت سأضغط عليه. لكن لا يوجد زر كهذا، وربما كان من المفترض أن نتواجد هنا لوحدنا على هذه الأرض بشكل ما.
– لكنه اعتذر!
– وما يفيد الاعتذار وهو قد تحدث للجيل الجديد من المستوطنين في إسرائيل، خلال محاضرة له ألقاها أمام طلبة في ثانوية «ديرخ أفوت» بمستوطنة «إفرات» المقامة على أراض بملكية خاصة للفلسطينيين بين القدس وبيت لحم.
«كلمة الحق طلعت أو سبقت»، وهو يشبه مثلاً فلسطينياً، فثمة ما يقال ربما من غير قصد، يكون مسكوناً بجوهره في الوعي واللاوعي.
وما بين «سكر» أفراد ما تسمى شرطة الاحتلال، و»الخطأ غير المقصود»، يكمن الكثير مما هو حقيقي في نفي شعبنا وتعذيبه حتى يهاجر.
لعبة الشرطة الاحتلالية، تمرير للوقت، قضاء وقت ممتع في السخرية من البشر وتخويفهم، كل ذلك هو نتاج هذه العقلية، التي يبدو أنها غير قادرة على التغيير الحقيقي.
لعبة نائب الوزير كهانا اللغوية، هي بحث إسرائيل عن الخلاص، الذي من منظورهم الصهيوني لن يتحقق إلا بنفي الآخرين.
ومن هنا إلى واشنطن العاصمة، هكذا تأخذنا وسائل الإعلام.
طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل الامتناع عن التصعيد واتخاذ خطوات في الضفة الغربية والقدس المحتلتين من شأنها أن تزيد من حدة التوتر مع الفلسطينيين، إلى ما بعد زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المقررة في 13 تموز المقبل».
فهل يمكن مثلاً أي بعد ذلك، لإسرائيل استئناف التصعيد؟
وهل جوهر نجاح زيارة بايدن هو مؤقت لحظياً!
فهل الدولة العظمى تبحث هي أيضاً عن خلاصها؟ لكن إن كان ذلك، فلم تبحث عن خلاص مؤقت، ولم لا يكون موقفها من التصعيد دائماً؟
إخواننا العرب، هل يبحثون عن خلاص أيضاً؟
والسؤال، بما أنهم عاشوا مع إيران قديماً وحديثاً، أليس هناك مجال فعلاً للعودة إلى أصول العيش وفق عقد يجنب الصدامات، ويبعدنا جميعاً عن الاصطفافات والتحالفات الدولية؟
وأهل الحكم هنا وفي غير مكان، فما دام الأمر متعلقاً بالخلاص الوطني، فلم هذه التجاذبات والتوترات؟ لقد تعبنا من الخلفاء وأتعبونا قديماً وحديثاً. وعليه، فإن الخلاص العام أكثر أهمية منا جميعاً.
الأدب والفن والمسرح من الحياة، وقد عبر الكتاب من قبل عما نعيشه هنا، فلسنا أول من عاش هذه المشاعر والأحداث، ولسنا استثناء، والعبرة مما نعيش، ومما نقرأ السلوك العقلاني الحضاري المتسم بالحكمة.
فإلى أي مدى نتسم بذلك؟
ما نحتاجه من اللاعبين السياسيين في جميع مستويات العيش هنا، وفي العالم هو أن يتم خلق لغة خلاص جمعي، تكون قدوة، إلى أن يتم ذلك، فسيستمر التدافع والتناحر والاحتكاك؛ ففي عالم لا نرى فيه إلا خطواتنا فقطعاً سنتعثر لا بخطوات الآخرين فقط بل بخطواتنا نحن أيضاً.
ما نقطفه الآن هو حصاد أمس، وما سنقطفه غداً هو غرس اليوم، فهل سنشهد غرساً طيباً؟ إن ذلك يعني الفعل فعلاً.
فلسطينياً، نحن بحاجة لننشغل بأعمالنا، ولا ينبغي أن ننسى ما علينا من واجبات، نرتقي لأدائها حتى لا يجد أحد يود التدخل نفسه وصياً علينا، ليقرر نيابة عنا.
خلاصنا اليومي مرتبط بما هو استراتيجي، فأي جهد نوعي ندخله ستكون مخرجاته تقريبنا نحو خلاصنا العام؛ فالاهتمام بالتفاصيل الصغيرة وخطة عملنا الكبيرة، ستكون رافعة من روافع البقاء.
ولا ينبغي للفلسطيني حين يخطط وينفذ أن يبتعد عن سياق حياة مجتمعنا، الذي ما زال تحت الاحتلال، وهو مجتمع له حكومة خاصة، بمعنى أن الوضع عادي وغير عادي معاً.
بإمكان النظام السياسي الفلسطيني التعددي فعلاً أن يستعيد عافيته، تلك رافعة يمكن أن تحصننا، لتكسر من يريد هندسة أمورنا السياسية.
السلوك الديمقراطي داخل أسوار الجامعة وخارجها هو سلوك دال علينا، وهذا يعني التفكير بأدواتنا، في ظل البعد عن كل ما هو مطلق.
للآخرين طرقهم، ولهم تقرير ما يرون، ونحن أيضاً، نقرر مصيرنا بأيدينا وذكائنا.
سيعتذر آخرون عما بدر منهم، وسيركب آخرون رؤوسهم، ولكن في ظل الخلاص الجمعي، كلنا مسؤولون.
فهل سنشهد تعديلاً جوهرياً لنظامنا السياسي بحيث لا يستثني أحداً؟ إن نفي الآخر من المجتمع الواحد سيكون مبرراً لنفينا من قبل الاحتلال.
العقلانية ما نحتاجه والعالم أيضاً، حتى نجد أنفسنا في نزق الانفعال بردود فعل تقودنا إلى المزيد من الانشطار.
والعقلانية والحكمة تقتضيان التفكير الناقد في أنفسنا ولأنفسنا؛ ففي الوقت الذي ننتقد الآخرين على اختلافهم، من الصدق أن نتأمل حالنا، لنتجنب كل ما يؤثر سلباً على نظامنا الاجتماعي والأخلاقي والوطني. إن وجود مجتمع معافى هو من أهم شروط البقاء المقاوم للمجتمعات التي تتعرض للاحتلال والغزو.
من هنا وهناك، هو عيش البشر وممارسات السلوك من البيت حتى العلاقات الدولية، ولنا كفلسطينيين دوماً، أن نموضع حالنا هنا، باتجاه التصالح السياسي والاجتماعي، كذلك، فنحن في وضع مشتبك مع الاحتلال وحلفائه، ويحسن بنا دوماً أن نحسن خطابنا، لأنه يدل علينا.
فلسطين.. إنه سحر الكلمة والوطن، وطننا الجميل يستحق منا أن نعرف دوماً اتجاه البوصلة.