مقالات الخامسة

كانوا ثلاث رجال يتسابقوا عالموت..
تعرّف على شهداء الثلاثة الحمراء

الخامسة للأنباء -تقريرخاص-إيمان نشبت:

خلدت قصيدة إبراهيم طوقان “الثلاثاء الحمراء” قصتهم، إلى جانب مرثية نوح إبراهيم الشهيرة “من سجن عكا طلعت جنازة”، وكلتاهما غنّتهما فرقة العاشقين المحلية ولا يزال الفلسطينيون يرددونهما إلى الآن.

وفي مثل هذا اليوم من عام 1930، تم إعدام المناضلين الثلاثة “محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير” في سجن القلعة بمدينة عكا رغم الاستنكارات والاحتجاجات العربية.

كان المناضل الفلسطيني محمد جمجوم يزاحم رفيقه فؤاد حجازي ليكون أول من يتم تنفيذ حكم الإعدام فيه غير آبه بالموت فكان له ما أراد، أما عطا الزير وهو الثالث فطلب أن ينفذ حكم الإعدام فيه دون قيود إلا أن طلبه رُفض فحطم قيده وتقدم نحو حبل المشنقة رافعًا رأسه.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

هذه إحدى اللفتات البطولية لشهداء “ثورة البراق” الثلاثة الذين يوافق اليوم السبت السابع عشر من يونيو/حزيران، الذكرى الـ93 لإعدامهم من قِبل سلطات الانتداب البريطاني.

بداية الحكاية

بدأت حكاية المناضلين الثلاثة بعدما اعتقلت الشرطة البريطانية مجموعة من الشبان الفلسطينيين إثر اندلاع ثورة البراق، التي بدأت عندما نظم يهود مظاهرة حاشدة في 14 أغسطس/آب من عام 1929 بمناسبة ما يسمى “ذكرى تدمير هيكل سليمان”.

وأتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس، حتى وصلوا إلى حائط البراق وهناك أخذوا يرددون “النشيد القومي الصهيوني” ويشتمون المسلمين.

وفي اليوم التالي، الجمعة 16 أغسطس/ آب الذي وافق ذكرى المولد النبوي الشريف توافد المسلمون ومن ضمنهم الشهداء الثلاثة للدفاع عن حائط البراق الذي بيّت اليهود نيتهم للاستيلاء عليه فوقعت صدامات عمت معظم فلسطين.

واعتقلت شرطة الانتداب 26 فلسطينيا ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق، وحكمت عليهم جميعا بالإعدام في البداية، ثم خففت العقوبة عن 23 منهم إلى السجن المؤبد، وأبقت الحكم بإعدام على الشهداء الثلاثة محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير.

وحددت سلطات الانتداب البريطاني يوم 17 يونيو/حزيران من عام 1930، موعدا لتنفيذ حكم الإعدام في هؤلاء الأبطال، في وقت تحدى فيه هؤلاء الشهداء الخوف من الموت.

الشهيد فؤاد حسن حجازي

ولد فؤاد حسن حجازي في مدينة صفد في الشمال الفلسطيني عام 1904، وهو أحد مناضلي ثورة البراق، درس الابتدائية في مدينة صفد ثم الثانوية في الكلية الاسكتلندية، واتم دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت.

وكان لفؤاد حجازي مشاركة فعالة في مدينته في ثورة البراق، فاعتقلته سلطات الاحتلال البريطانية وحكمت عليه بالإعدام، مع رفيقيه عطا الزير ومحمد جمجوم، ونفذ فيهم الحكم يوم 17 حزيران 1930، وكان فؤاد حجازي أولهم، وأصغرهم سناً، ونفذت عملية الإعدام في سجن القلعة بمدينة عكا.

كما سمحت سلطات الانتداب لحجازي أن يكتب رسالة لأهله قبل إعدامه بيوم، فأرسل وصيته لصحيفة “اليرموك” التي نشرتها في 18 حزيران 1930، بخط يده وتوقيعه، وجاء في خاتمة الرسالة: “إن يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج، وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17 حزيران من كل سنة، هذا اليوم يجب أن يكون يوما تاريخيا تلقى فيه الخطب وتنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية”.

وخط فؤاد حجازي وصيته قبل يوم من إعدامه وقال: “إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئاً من كابوس الانجليز على الأمة العربية الكريمة فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا لكي يزول هذا الكابوس عنا تماماً”.

الشهيد محمد خليل جمجوم

محمد خليل جمجوم (ولد بمدينة الخليل عام 1902 م- وأعدم في 17 يونيو 1930) مناضل فلسطيني من ثوار ثورة البراق. تلقى دراسته الابتدائية في الخليل. أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأمريكية في بيروت وشارك في الأحداث الدامية التي تلت ثورة البراق ضد يهود في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين.
كما عرف محمد خليل جمجوم بمعارضته للصهيونية وللانتداب البريطاني. جعلت مشاركته في المقاومة ضد الصهيونية أن تقدم القوات البريطانية على اعتقاله في 1929 م

وقد سمح لرفيقيه بكتابة رسالة، فقد كتب جمجوم رسالة وجهها إلى الزعيم سليم عبد الرحمن، قبل يوم واحد من إعدامه، جاء فيها: “الآن ونحن على أبواب الأبدية، مقدمين أرواحنا فداء للوطن المقدس، لفلسطين العزيزة، نتوجه بالرجاء إلى جميع الفلسطينيين، ألا تُنسى دماؤنا المهراقة وأرواحنا التي سترفرف في سماء هذه البلاد المحبوبة وأن نتذكر أننا قدمنا عن طيبة خاطر، أنفسنا وجماجمنا لتكون أساسا لبناء استقلال أمتنا وحريتها وأن تبقى الأمة مثابرة على اتحادها وجهادها في سبيل خلاص فلسطين من الأعداء. وان تحتفظ بأراضيها فلا تبيع للأعداء منها شبرا واحدا، وألا تهون عزيمتها وان لا يضعفها التهديد والوعيد، وأن تكافح حتى تنال الظفر. ولنا في آخر حياتنا رجاء إلى ملوك وامراء العرب والمسلمين في أنحاء المعمورة، الا يثقوا بالأجانب وسياستهم وليعلموا ما قال الشاعر بهذا المعنى: “ويروغ منك كما يروغ الثعلب”. وعلى العرب في كل البلدان العربية والمسلمين ان ينقذوا فلسطين مما هي فيه الآن من الآلام وأن يساعدوها بكل قواهم. وأما رجالنا فلهم منا الامتنان العظيم على ما قاموا به نحونا ونحو أمتنا وبلادهم فنرجوهم الثبات والمتابعة حتى تنال غايتنا الوطنية الكبرى. واما عائلاتنا فقد اودعناها إلى الله والأمة التي نعتقد انها لن تنساها. والآن بعد أن رأينا من أمتنا وبلادنا وبني قومنا هذه الروح الوطنية وهذا الحماس القومي، فإننا نستقبل الموت بالسرور والفرح الكاملين ونضع حبلة الأرجوحة، مرجوحة الأبطال بأعناقنا عن طيب خاطر فداء لك يا فلسطين، وختاما نرجو أن تكتبوا على قبورنا: “إلى الأمة العربية الاستقلال التام أو الموت الزؤام وباسم العرب نحيا وباسم العرب نموت”.

الشهيد عطا أحمد الزير

ولد عطا أحمد الزير في مدينة الخليل بفلسطين عام 1895. عمل في عدة مهن يدوية واشتغل في الزراعة وعرف عنه منذ الصغر جرأته وقوته الجسدية. كانت له مشاركة فعالة في مدينته بالمقاومة وخاصة في ثورة البراق سنة 1929 وكان فاعلا في مقاومة سلطات الانتداب البريطاني ، فأقرت حكومة الانتداب حكم الإعدام عليه مع كل من: فؤاد حسن حجازي ومحمد خليل جمجوم. أعدمته سلطات الانتداب البريطاني على فلسطين في يوم 17 يونيو 1930 في سجن القلعة بمدينة عكا على الرغم من الاستنكارات والاحتجاجات العربية، وكان عطا الزير أكبر المحكومين الثلاثة سنا.

كما سمح له أن يكتب لأهله رسالة في اليوم السابق لموعد الأعدام وقد جاء في رسالته التي كتبها لوالدته باللهجة الفلاحية: ارقصي يمّا لو خبر موتي أجاك ارقصي لا تحزني يوم انشنق شو ما العدو يعمل روحي أنا يما عن هالوطن ما بتفترق، بكره بعود البطل ويضل في حداكِ حامل معو روحه ليقاتل عداكِ، لا تزعلي لو تندهي وينو عطا، كل الشباب تردْ فتيان مثل الورد كلهم حماس وجدْ، لما بنادي الوطن بيجو ومالهم عدْ، وفري دموع الحزن يما لا تلبسي الأسود، يوم العدا بأرض الوطن يوم أسود، هدي شباب الوطن بتثور كلهم عطا كلهم فؤاد ومحمد، والشمس لما تهل لازم يزول الليل يا معود، فوق القبر يما ازرعي الزيتون حتى العنب يما والتين والليمون طعمي شباب الحي لا تحرمي الجوعان، هدي وصية شاب جرب الحرمان، اسمي عطا وأهل العطا كثار، والجود لأرض الوطن واجب على الثوار، جبال الوطن بتئن ولرجالها بتحن حتى كروم العنب مشتاقة للثوار، سلمي على الجيران سلمي على الحارةْ، حمدان وعبد الحي وبنت العبد سارةْ، راجع أنا يما وحامل بشارَةْ، عمر الوطن يما ما بينسى ثوارَهْ، لما بطول الليل وبتزيد أسرارُه، وجرح الوطن بمتد وبتفيض أنهارُه، راجع بطلة فجر حامل معي انوارُه، حتى نضوي الوطن ويعودوا أحرارُه.

مساهمة شعراء فلسطين في تخليد ذكراهم

خلد الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في قصيدته “الثلاثاء الحمراء” الشهداء الثلاثة، الذين تناقلت الأجيال حكاية مواجهتهم حبل المشنقة وكانوا يتنافسون في من يتقدم رفاقه لنيل شرف الشهادة قبله، ويقول مطلعها “كانوا ثلاثة رجال يتسابقوا عالموت، أقدامهم عليت فوق رقبة الجلاد، وصاروا مثل يا خال، طول وعرض البلاد”.

أما مرثية نوح إبراهيم فجاء مطلعها “من سجن عكا طلعت جنازة.. محمد جمجوم وفؤاد حجازي.. وجازي عليهم يا شعبي جازي.. المندوب السامي وربعه عمومه”.

لتبقى ذكرى هؤلاء الأبطال خالدة جيلاً بعد جيل وأصبحوا رمزاً لشجاعة الرجل الفلسطيني الشامخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى