أقمار الصحافةالرئيسية

أكرم الشافعي.. الصحفي الذي قاوم بالكلمة، واستُشهد بصمت تحت الحصار

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أكرم الشافعي.. أقمار الصحافة إعداد: سهر دهليز

في قطاع غزة، حيث أصبح الوداع جزءًا من الحياة اليومية، رحل الصحفي أكرم الشافعي بصمتٍ ثقيل، لا يشبه صخب الكاميرا التي رافقته لسنوات، ولا صدى صوته الذي اعتاد أن ينقل الحقيقة من قلب الحصار والدمار. لم يُستشهد في لحظة انفجار كما كثيرين، بل استنزفته الإصابة وأثقلته المعاناة، وظل أسير الألم حتى غيّبه الموت في 5 يناير 2024، بعد أكثر من شهرين من الصراع مع جراح خطيرة تلقاها أثناء تغطيته أحداث مستشفى الشفاء.

وُلد أكرم في مدينة غزة، وتخرّج حاملًا شغفه بالكلمة والصورة معًا. بدأ مسيرته المهنية مصوّرًا صحفيًا في قناة الأقصى، ثم انتقل للعمل محررًا في وكالة صفا الإخبارية. كما تولى مهامًا في العلاقات العامة بوزارة الشباب والرياضة، وكتب مقالات وتحقيقات في صحيفة “فلسطين”.

على مدار أكثر من 25 عامًا، تنقّل أكرم بين مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، الورقية منها والإلكترونية، جامعًا بين العمل الميداني والتحرير الصحفي، وبين عدسة الكاميرا وحرّية التعبير، فكان صوتًا صادقًا ينقل الحقيقة من قلب الميدان.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

كان أكرم أبًا لستة أبناء (3 أولاد و3 بنات)، ربّاهم على حب الوطن والقرآن، وعُرف بين زملائه بإخلاصه ودماثة خلقه. عاش بسيطًا، لكنه ظل كبيرًا في حضوره وتأثيره.

رحلة الألم والحصار حتى الشهادة

وحول رحلة الإصابة والعلاج ابنة الشهيد أكرم الشافعي قالت: “استُشهد والدي، أكرم الشافعي، بعد معاناة طويلة بدأت بإصابته البالغة بتاريخ 30 أكتوبر 2023، أثناء تغطيته للأحداث قرب مستشفى الشفاء. تلقّى إصابة خطيرة في منطقة الصدر والبطن، نُقل على إثرها إلى المستشفى، لكن بسبب الظروف الكارثية، ظل أربعة أيام دون أي تدخل جراحي، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية بشكل خطير”.

وأضافت: “في لحظة يأس، نُقل إلى قسم الولادة، لعدم توفر أي مكان آخر، رغم أن القسم لم يكن مجهزًا طبيًا، لا بأجهزة، ولا إضاءة، ولا حتى بكوادر متخصصة. في تلك الظروف، بدأ والدي يفقد وعيه تدريجيًا نتيجة نقص الأكسجين، وبقينا نبحث يومًا كاملًا عن طبيب قادر على التعامل مع حالته”.

وتابعت الشافعي حديثها بكل حزن وألم: “بعد عشرة أيام من الألم والمعاناة، خضع لعملية طارئة لإنقاذ حياته على ضوء الهاتف المحمول، وبدون أي نوع من التخدير أو التجهيز الطبي. صرخ من شدة الألم، لكنها كانت لحظة مصيرية أنقذته مؤقتًا من الموت”.

وأشارت إلى أنه تم محاصرتهم داخل مستشفى الشفاء، وبقيت هي وأخيها بجانب والدها رغم اقتحام الجيش الإسرائيلي للمكان. مضيفة: “قضينا ثلاث أسابيع وسط نقصٍ تام في الأطباء، وانعدامٍ كامل للنظافة، نحاول فقط الحفاظ على حياته، وعند دخول قوات الاحتلال للمشفى، لم يعترف والدي بأنه صحفي، بل ادّعى أنه سائق، خوفًا من أن يتم اختطافه، حيث حاول الجنود أخذه، لكن حالته الصحية الخطيرة حالت دون ذلك”.

وأوضحت أنه تعرض مستشفى الشفاء للقصف بقنابل الفوسفور، وإطلاق الرصاص باتجاه الغرفة التي كانوا فيها. وفي صباح اليوم التالي، استُهدف قسم الولادة بشكل مباشر. هرب الجميع، من مرضى وأطباء، وبقيت هي بجانبه، غير قادرة على تحريكه بسبب إصابته المفتوحة من البطن حتى الصدر.

و تحاملت ابنته على نفسها، وجمعت الأنابيب الخارجة من جسده، وسحبته بسرير العناية المركزة من الطابق الثالث، عبر الردم والنيران. استسلم الجميع لفكرة أن الموت بات وشيكًا، لكنهم نجوا، بفضل العناية الإلهية، وتمكنوا من الوصول به إلى قسم الطوارئ. أُدخل مكان شهيد، وكأن الحياة منحته فرصة أخيرة في مشهد يُشبه المعجزة.

وأكدت الشافعي على اطلاق العديد من المناشدات، ومحاولات متكررة لإصدار تحويلات علاجية عاجلة إلى الخارج، لكنها كانت تُرفض باستمرار لأسباب “أمنية” تتعلق باسمه ومهنته كصحفي. ومع كل تدهور في حالته، كانت تناشد العالم لإنقاذه، لكن دون استجابة. مشيرًة إلى أن والدها أجرى عدة عمليات جراحية معقدة، كل واحدة منها كانت أخطر من التي قبلها.

الوداع الأخير

و روت الشافعي معاناة اللحظات الأخيرة مع والدها قائلة: “عشنا معه داخل غرفة صغيرة، نحن ستة أفراد، تلبية لرغبته أن نظل إلى جواره، حتى أصغر إخوتي كان هناك. وفي أيامه الأخيرة، انخفض الأكسجين فجأة، وتم إدخاله إلى العناية المركزة، حيث فقد وعيه وظل هناك أسبوعًا حتى استُشهد”.

واضافت: “صدر اسمه في تحويلة علاجية يوم السبت، لكنه استُشهد قبلها بيوم، يوم الجمعة عند الساعة الرابعة عصرًا. كانت ظروف استشهاده مأساوية بكل معنى الكلمة”.

لم يكن أكرم مجرّد صحفي، بل شاهدًا على الوجع الفلسطيني المزمن. رحل صامتًا كما عاش، لكن صوته سيبقى محفورًا في ذاكرة زملائه، وأثره باقٍ في كل من عرفه أو قرأ له أو رافقه في الميدان، وسيبقى عنوانًا لمعاناة آلاف الجرحى الذين يُتركون لمصيرهم وسط النار، والحصار، والصمت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى