أكرم عطا الله: معادلة كل السيوف..!!!
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
بعد مرور خمسة أيام على مسيرة الأعلام في القدس لا يزال مؤيدو حركة حماس مشغولين بتبرير عقلانيتها بعدم الاندفاع لحرب مدمرة، فقد تصرفت الحركة وفقاً لموازين القوى وحسبة السياسة العقلانية عندما لم تكرر خطأ العام الماضي حين ذهبت لمواجهة لم تتمكن من تحقيق أي معادلات كالتي اعتاد مناصرو الحركة استخدامها مثل مصطلح «معادلة ما بعد سيف القدس» بقدر ما أن الأمر كان واحدة من مغامرات صراع الإرادة المتكرر والدائم.
ينطلق التبرير من عاملين، الأول هو أن عناصر ونشطاء الحركة لم يعتادوا على حكمة السياسة وحساباتها، وهم ليسوا من أبناء المدرسة الواقعية في السياسة بل أبناء المدرسة الأيديولوجية، وأحياناً ما تأخذ الأيديولوجيا مؤيديها نحو مساحات تبتعد عن الواقع، والثاني هو سؤال المقارنة الذي سينفتح مع الشارع عن أسباب حرب مدمرة بدأتها «حماس» ويتكرر سببها بمسيرة أكثر وقاحة دون أن تمارس الحركة الفعل نفسه، وفي السياسة يسقط الأفراد والجماعات عندما يكون لهم موقفان مختلفان في قضية واحدة.
تصرفت «حماس» بعقلانية شديدة عندما كان الشارع يتساءل بقلق شديد في غزة وبتلهف أشد في باقي أماكن تواجده، تصرفت بواقعية بعيدة عن طفولية السياسة التي رسمها مؤتمرو وعد الآخرة وفهلوة بسام جرار الذي صب جام غضبه على الحركة التي فوتت تحقيق نبوءته كما يعتقد، فالمعادلة يصنعها شعبٌ على أرضه وليس فقط حركة سياسية يكتب لها الحفاظ على حالة الاشتباك وابقاء القضية الفلسطينية حية الى جانب باقي مكونات الشعب.
السؤال الآن ليس لماذا لم تعلن حماس الحرب؟ فهذا سؤال خارج المنطق، فموازين القوى العسكرية ليس في صالح الفلسطينيين جميعاً، وليسوا قادرين على مواجهة حرب كلاسيكية مع اسرائيل المدججة والمعفاة من أي محاسبة دولية عندما تقوم بهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وتلك لم يفعلها أي شعب تحت الاحتلال كانت الوسيلة حرب العصابات وليس المواجهة الكلاسيكية، بل إن السؤال حول حرب العام الماضي التي بادرت لها وسط نداءات كل الحريصين وكل الأصدقاء وكل المثقفين بألا تبادر «حماس» الى حرب، ومع ذلك أدارت ظهرها لكل هذا وحددت ساعة صفر وأطلقت الصواريخ وانتهى الأمر بالدمار الذي تناشد غزة إعادة إعماره.
المختلف هو المناخات، وهذا أخطر ما يمكن أن يقال، واذا كانت غزة قد شهدت أربع حروب فلا يمكن لوم «حماس» عليها، لأن الثلاث الأولى كانت بمبادرة اسرائيلية، لكن الرابعة هي الوحيدة التي بادرتها الحركة، مسيرة الاعلام تجري منذ عام 1968 بعد استكمال احتلال القدس بعام، فما الذي تغير العام الماضي حتى تعلن الحرب؟ وخاصة أننا أمام قوة لا تؤمن بالتسوية وتعتبر أن المسيرة في القدس تساوي المسيرة في تل أبيب وأن كل فلسطين محتلة.
نداءات العام الماضي بعدم الذهاب للحرب كانت تنطلق من حسابات سياسية دقيقة، فقد كان العام الماضي مفعماً بحيوية وطنية نادرة، اقتربت اسرائيل من الخطوط الحمراء بالمساس بأقدس الأماكن، مع قرارات ترحيل عائلات من حي الشيخ جراح، أخذت صداها في الإعلام وأنتجت ما يشبه الانتفاضة، ولأول مرة تنضم مدن الداخل لها، وتلك كانت سابقة مع تظاهرات متعاطفة على مستوى العالم في كبرى العواصم تفضح إسرائيل وتضعها في مواجهة مع العدالة الدولية. كان يجب على «حماس» أن تترك الأمر يتدحرج لكنها قطعت الطريق على كل هذا.
الجزء الأكبر أو السبب الأبرز أن المناخات لم تكن تتعلق بالقدس وحدها بقدر ما كان الأمر يرتبط بشيء آخر وهو قرار الرئيس الفلسطيني آنذاك إلغاء الانتخابات، وهو القرار الذي أحدث ما يشبه الصاعقة لدى الفصائل وخصوصاً «حماس» التي كانت تعطيها الاستطلاعات تفوقاً واضحاً، وتلك كانت فرصتها الوحيدة للخروج من مأزق غزة، لذا انطلقت الصواريخ نحو القدس لكن عينها كانت على رام الله لاستدعاء شرعية تمثيل بوسائل أخرى بعد أن أغلق الصندوق في وجهها، وهنا كان مكمَن الخطر باستدعاء حرب في إطار نزاعات اللاتوافق الوطني وغياب المؤسسة الواحدة.
ستستمر دعوات اقتحام القدس والاستعراض والاحتفالات؟ هل رأيتم دولة تحتفل بيوم قيامها بالاحتلال؟ تلك سابقة مأساوية على الصعيد الإنساني وتعكس خللاً قيمياً يتم برعاية العالم الحر وبغض النظر عن دولة تجند كل هذا الجيش النظامي وتلك الكتائب المقاتلة لتأمين احتفالات في ما تقول إنه عاصمتها، فالحدث وحده يفضح تلك النوايا، ولنتخيل أن الجيش الفرنسي وبما يملك من أقوى الكتائب العسكرية قتالاً ينتشر في باريس لضمان أن تحتفل فرنسا، تلك ستكون محط سخرية أمام العالم. المعادلة الأهم في أوج الصراع المفتوح أن كل الآلة العسكرية التي استخدمت ضد شعب منذ أكثر من سبعة عقود، وكل هذا الإفقار المبرمج، وكل هذا التطبيع والتسليم بقوة إسرائيل التي أحرزت كل هذه الانتصارات على المحيط، لا يزال الشعب الفلسطيني رغم كل هذا لم ينكسر، يقف على قدميه بكل هذا الإصرار ألا ينهزم رغم كل مناخات الهزيمة الكفيلة بكسر الفولاذ. يا الله كم هو جبار هذا الشعب لو تأملنا السياق التاريخي لثلاثة أرباع القرن!
انها معادلة كل السيوف التي لن تعود لغمدها إلا بعد أن ترفع مشاعل الحرية وهي تسير بهدوء وبثقة نحو هدفها، لم تُصب باليأس من كل ما يجري في الإقليم، وهي معادلة كتبها الدكتور فضل عاشور قائلاً «منذ أواسط السبعينات وموازين القوة الإقليمية تختل تصاعدياً لصالح إسرائيل لتصل الى ما وصلت إليه من مشهد عربي مأساوي، لكن رغم الهبوط العربي بقيت الحكاية الفلسطينية في حالة صعود ولم تتأثر بموازين القوى الاقليمية» أليس تلك مدعاة لأمل يشي بمستقبل الرواية الفلسطينية والتي جسدت مسيرة الإعلام ما تملكه من حضور مدهش ظل هاجساً في تل أبيب ويظل بكل هذا التحدي والتكافؤ؟، تلك هي المعادلة شرط قليلٍ من شعارات الوهم ومزيد من حقائق الواقع ومسار التاريخ وتفاؤل إرادة المستقبل..!!!!