أنس الشريف .. لم يختر الحرب لكنه اختار أن يرويها
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

أنس الشريف.. أقمار الصحافة إعداد: طارق وشاح
في مخيم جباليا شمال قطاع غزة حيث تقاس الأعمار بعدد الشهداء لا بعدد السنوات ولد أنس جمال الشريف في 3 ديسمبر عام 1996 ليكتب سيرته الخاصة بين دفتي الوطن المحاصر، ذلك الفتى الذي حمل هم غزة قبل أن يحمل حقيبته المدرسية.
تلقى تعليمه في مدارس الأونروا ، ثم التحق بجامعة الأقصى عام 2014 ودرس تخصص الإذاعة والتلفزيون وحصل على شهادة البكالوريوس عام 2018 ومعه شهادة أخرى من الحياة : كيف تروي القصة وأنت جزء منها.
تزوج أنس وأنجب ” شام وصلاح “ ابنه صلاح .. ولد تحت القصف ليحمل اسم صديقه الشهيد صلاح لبد، وكأن القدر يقول له ها أنت ترث القضية قبل ان ترث الأرض.
المسيرة المهنية : من التطوع إلى مراسل الجزيرة
بدأ أنس مشواره متطوعاً في شبكة الشمال الإعلامية عام 2018 ، وفي نفس العام تعرض لإصابة بشظية أثناء تغطيته مسيرة شرق جباليا، كانت هذه أولى محطات مواجهته مع الموت، لكنها لم تثنه عن مواصلة الطريق .
عمل مراسلًا لقناة الجزيرة في بداية حرب الإبادة 2023 ، ليصبح عين غزة النابضة: فكان يقول “نحن لسنا مراسلين، نحن شهود على إثبات على جريمة العصر“.
تميز أنس بقدرته على نقل الأحداث بالصوت والصورة من قلب الميدان، وهو ما جعله واحدًا من أبرز وجوه قناة الجزيرة في تغطية الحرب على غزة .
محطات الألم
في 11 ديسمبر 2023 ، فقد أنس والده تحت أنقاض منزل العائلة بعد قصفه من طائرات الاحتلال في مخيم جباليا، لكنه واصل عمله، مؤمناً بأن الكاميرا سلاحه الأقوى.
تعرض أنس للتهديد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بسبب تغطيته لحرب الإبادة ضد قطاع غزة، وحرض الاحتلال عليه بكل أذرعه ومؤسساته الأمنية، في مسعى منه لاستمرار سياسة إخفاء عدوانه المستمر على غزة، بالتزامن مع حالة التجويع التي ينتهجها بحق سكان القطاع.
الاستشهاد: الموعد الذي كتبه القدر
في اليوم 675 من حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، استشهد 6 صحفيين في مدينة غزة وهم : أنس الشريف ومحمد قريقع و محمد نوفل و مؤمن عليوة و محمد الخالدي و إبراهيم ضاهر، مساء الأحد بقصف إسرائيلي استهدف خيمة للصحفيين بمحيط مستشفى الشفاء بالمدينة شمالي القطاع.
وفي بيان لجيش الاحتلال الإسرائيلي، أقر الجيش باستهداف الصحفي أنس الشريف في قطاع غزة.
وصية أنس الشريف التي تم نشرها على حسابه بعد استشهاده:
كما كان دائما يترك أثرا مميزا أينما حلّ خلال 22 شهرا من تغطيته حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لم يترك الصحفي أنس الشريف مراسل قناة الجزيرة، اغتياله يمرّ بلا وصية مؤلمة، تحمل وجع شعبه، وتحمل رسالة واضحة لمن سكتوا عن دماء الأبرياء ومن رضوا بالظلم والقهر.
وعقب اغتيال الشريف بصاروخ إسرائيلي استهدفه و5 من زملائه بطاقم الجزيرة في مدينة غزة، نشرت إدارة حسابه بموقع “إكس” وصيته التي كتبها في أبريل/نيسان الماضي، وأوصى فيها الشريف بعدم نسيان غزة وتحرير فلسطين وعدم الاستسلام للاحتلال.
وفيما يلي نص الوصية:
“هذه وصيّتي، ورسالتي الأخيرة. إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي. بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سندا وصوتا لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة “المجدل” لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ. عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مرارًا، ورغم ذلك لم أتوانَ يومًا عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهدًا على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكنًا ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف. أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم. أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران. أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسورًا نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة. أُوصيكم بأهلي خيرًا، أوصيكم بقُرّة عيني، ابنتي الحبيبة شام، التي لم تسعفني الأيّام لأراها تكبر كما كنتُ أحلم. وأوصيكم بابني الغالي صلاح، الذي تمنيت أن أكون له عونًا ورفيق دربٍ حتى يشتدّ عوده، فيحمل عني الهمّ، ويُكمل الرسالة. أوصيكم بوالدتي الحبيبة، التي ببركة دعائها وصلتُ لما وصلت إليه، وكانت دعواتها حصني، ونورها طريقي. أدعو الله أن يُربط على قلبها، ويجزيها عنّي خير الجزاء. وأوصيكم كذلك برفيقة العمر، زوجتي الحبيبة أم صلاح بيان، التي فرّقتنا الحرب لأيامٍ وشهورٍ طويلة، لكنها بقيت على العهد، ثابتة كجذع زيتونة لا ينحني، صابرة محتسبة، حملت الأمانة في غيابي بكلّ قوّة وإيمان. أوصيكم أن تلتفوا حولهم، وأن تكونوا لهم سندًا بعد الله عز وجل. إن متُّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ، وأُشهد الله أني راضٍ بقضائه، مؤمنٌ بلقائه، ومتيقّن أن ما عند الله خيرٌ وأبقى. اللهم تقبّلني في الشهداء، واغفر لي ما تقدّم من ذنبي وما تأخّر، واجعل دمي نورًا يُضيء درب الحرية لشعبي وأهلي. سامحوني إن قصّرت، وادعوا لي بالرحمة، فإني مضيتُ على العهد، ولم أُغيّر ولم أُبدّل. لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم بالمغفرة والقبول.
أنس جمال الشريف
06.04.2025