الاحتلال الإسرائيلي يُعيد تشكيل غزة إلى ثلاث كنتونات معزولة
"محاور التقسيم الثلاثة"... بداية العودة لاحتلال قطاع غزة من جديد
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
الاحتلال الإسرائيلي يُعيد تشكيل غزة إلى ثلاث كنتونات معزولة تقرير: سهر دهليز
خريطة جديدة تسعى حكومة الاحتلال، فرضها على قطاع غزة، بالقوة العسكرية والتهجير القسري للسكان وتقطيع أوصاله وتقسيمه لكينونات صغيرة تغير معالمه بشكل جذري وتبتلع من خلاله مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين.
بعد أكثر من عام للحرب على قطاع غزة كُشف مؤخرا عن خريطة أعدتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على القطاع، وفرض واقع جغرافي وسياسي جديدين يغير فيه ملامحه بشكل كامل، ديمتري دلياني عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، أكد أن التدمير الشامل الذي يعيشه قطاع غزة يعكس بوضوح سياسة الاحتلال الإسرائيلي المتجذرة في ترسيخ واقع جديد على الأرض الفلسطينية المحتلة، وذلك عبر ارتكاب جرائم إبادة وتطهير عرقي وتدمير شامل تسعى من خلالها إلى تحقيق طموحات استعمارية توسعية قائمة على أيديولوجية إبادية عنصرية تستهدف حياة شعبنا الفلسطيني، موضحاً أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم أسلوباً قاسياً لتحويل غزة إلى كنتونات مجزأة ومعزولة، ضمن سياسة “فرض الأمر الواقع” التي جرى تطبيقها سابقاً في القدس وباقي أنحاء الضفة المحتلة عبر تسارع عمليات الاستيطان الاستعماري، إلا أن قطاع غزة يشهد اليوم ممارسات تتسم بمستويات مروعة من الوحشية، حيث تستخدم دولة الاحتلال أدوات الإبادة الجماعية لبسط سيطرتها الاستيطانية.
مخطط الاحتلال للتقسيم
وأشار دلياني إن هذا المخطط الاحتلالي يتمثل في تقسيم غزة إلى ثلاث كنتونات معزولة، مما يُحول القطاع إلى شبكة من “معسكرات اعتقال كبرى” تمنع شعبنا من التواصل وتفصل العائلات عن بعضها البعض، مُعمقة بذلك معاناة الأهالي ومقيدة سبل الحياة اليومية وهي: الكنتون الشمالي يمتد من جباليا شمالاً ليعزل مدينة غزة عن شمال القطاع، حيث تُنفذ قوات الاحتلال منذ أكثر من أربعين يوماً سياسة تهجير قسري ممنهج عبر ما يُسمى ب”خطة الجنرالات”، بهدف دفع اهلنا هناك إلى ترك أراضيهم وما تبقى من منازلهم وهجرتهم قسرياً.
كنتون “نتساريم” والذي يقع جنوب مدينة غزة ويمتد على مساحة تُقدر بـ 56 كيلومتراً مربعاً، ويُحاصر بإحكام من قبل قوات الاحتلال، في محاولة لعزل اهلنا في تلك المنطقة وتقييد حركتهم ومنعهم من التواصل الحر، إضافة إلى الكنتون الجنوبي (رفح) وهي منطقة مفصولة عن باقي القطاع وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، حيث يعاني سكانها والنازحين قسراً فيها من حصار خانق يحرمهم من الموارد الأساسية.
ولفت دلياني إلى السياسات الاحتلالية التي تقوض الوحدة المجتمعية لسكان القطاع، وتفكك الروابط بينهم، وتطمس الهوية الفلسطينية التي يواصل أهلنا في غزة الحفاظ عليها رغم كل المحاولات الاحتلالية الاجرامية، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته أمام هذه الجرائم الاسرائيلية، وأن الصمت على الإبادة الجماعية التي تُمارس بحق شعبنا الفلسطيني يعتبر تواطؤاً في الجريمة.
محاور عسكرية
وبالحديث عن المحاور التي أنشأها الاحتلال الخبير الأمني والعسكري اللواء يوسف الشرقاوي قال: “قد ينجح الجيش الإسرائيلي في بادئ الأمر بتثبيت محاور عسكرية رئيسية وخاصة في الشمال من خلال منطقة عازلة، وفي الوسط في محور نتساريم، وفي الجنوب في محور فيلادلفيا، لكن إزاء عمليات الاستنزاف النوعية لن يستطيع الاستمرار وستصبح تلك المحاور لترسيخ احتلال القطاع تكلفتها أكثر من فائدتها، وسيجبر على الانسحاب منها لاحقاً لأن تلك المحاور لن تحقق له الأمن والبقاء، وسيكون نموذج جنوب لبنان قبل العام ٢٠٠٠ هو النموذج المثالي لإخراج جيش الاحتلال من غزة”.
وأضاف: أن الثلاث محاور وتقسيم القطاع لمربعات، وتغيير جغرافية وديمغرافية المكان هي إعادة إنتاج لخطة شارون السابقة في بدء سبعينيات القرن الماضي، بطريقة أعمق وأقوى حسب تصور خطة الجنرالات في الشمال وفي عموم القطاع ستكون في غاية الصعوبة بدون عمليات تهجير وترانسفير لعدد كبير من سكان القطاع بالتعاون مع مصر، وخلق إدارة عربية/فلسطينية تخضع للاحتلال، ولكن لن تنجح على المدى البعيد تلك الخطة وسيغرق الجيش في رمال غزة، رغم تأسيسه قواعد ارتكاز قوية في الشمال والوسط والجنوب”.
وأكد الشرقاوي أن الاحتلال لا يسعى لبقاء الجيش في قطاع غزة طويلا، وأنه سيريح نفسه من خلال “عربنة” و”فلسطنة” الصراع هناك أسوة بالفتمنة، واللبننة، والعرقنة، والأفغنة، وهذا النموذج سيسعى لتحقيقه ولن يكتب له النجاح أيضا رغم كل مساعيه.
حرب ميدانية
وقال الكتاب والمحلل السياسي فراس ياغي: “إن ما يجري داخل قطاع غزة هو إدارة حرب ميدانية، وذلك لأن إسرائيل داخل الميدان تقوم بوضع الخطط بشكل ميداني حيث بدأ الاحتلال المناورة البرية في شمال القطاع وامتدت حتى وصلت إلى جنوب القطاع، وذلك لأنه الخطة السياسية هي تهجير الفلسطيني عبر الحدود إلى سيناء ولكن هذه الخطة باءت بالفشل للموقف المصري ورفض المواطن الفلسطيني الهجرة، الأمر الذي دفع اسرائيل بالتفكير في كيفية مواجهة المقاومة في قطاع غزة وتخلت عن مفهوم الهجرة القسرية وأصبحت تعمل على مفهومين الأول وهو الانزياح الديمغرافي وحصر الفلسطيني في مواقع محددة داخل القطاع والمفهوم الثاني وهو قضم الجغرافية عبر مفاهيم المحاور والمنطقة العازلة وعبر ما يحدث الان من تطهير عرقي في قطاع غزة”.
وأضاف: “أن مفهوم المحور مختلف عما يحدث على أرض الواقع وأن نتساريم ليست محور وإنما هي قاعدة عسكرية 7كيلومتر عرض وطوله 8 كيلومتر، ومحور صلاح الدين “فيلادلفي” الذي تم تزفيته وتعبيده وتدمير هائل لكل ما يحيطه من البنيان الموجودة على مسافة عدة كليوهات في منطقة رفح، اضافة لمحور جديد سماه الاحتلال “فلاسيفيم” وهذا المحور حتى الآن لم يقرر وذلك يرتكز في محاولات الاحتلال فصل مدينة غزة عن شمالها وذلك لعمل منطقة عازلة بين المحور والسكان وتقسيم القطاع الى مربعات تمكنهم من السيطرة على المقاومة بسهولة في قطاع غزة”، مؤكداً أن الأمور ستبقى في قطاع غزة تراوح مكانها حتى يستلم الرئيس الأمريكي ترامب منصبه الجديد وتتضح معالم إذا ما كانت هناك صفقات ما بين نتنياهو وترامب بمقايضة غزة بالضفة أو مقايضة غزة بالتطبيع.
وأشار إلى أن ترامب حقيقةً لا يريد حروب وأنه ضد الانخراط فيها، لكن فيما يتعلق بإسرائيل المسألة مختلفة كلياً لترامب لأن إسرائيل هي استثناء كمال قال نائب ترامب في الحملة الانتخابية عندما سُئل عن المساعدات التي تقدم لأوكرانيا لماذا أيضا لا تطالب بقطعها عن إسرائيل فقال “إسرائيل استثناء وسيدعمها في كل ما تريده وسيطلق يد إسرائيل في الضفة وقطاع غزة”، ونسمع الآن كيف أن بتسلئيل سموترتش يحضر لإعلان ترتيبات اعلان السيادة على الضفة وأن يرين ليفين وزير العدل الاسرائيلي منذ عام 2020 وضع القوانين، والأمور الإدارية والعسكرية والتشريعات الخاصة بضم الضفة بما يعني أنهم مستعدين ومجهزين أنفسهم مسبقا وكانوا ينتظروا الفرصة المناسبة.
وأكد ياغي أن مسألة ضم الضفة الغربية لنتنياهو أصبحت على الواجهة بعد فوز ترامب، وهذا يشير أن لقاء ترامب بنتنياهو عندما كان في واشنطن وألقي خطابه أمام الكونغرس ومجلس الشيوخ للاتفاق مع ترامب على بعض الأمور، وان وترامب مستعجل على وقف اطلاق النار في لبنان وليس في غزة والضفة، وأن الولايات المتحدة تنظر للضفة وقطاع غزة على أنها سياسة داخلية إسرائيلية يحق لإسرائيل ان تفعل ما تريد فيها.
ولفت إلى أن نتنياهو عيونه الأساسية على الضفة أكثر من القطاع إلا إذا ظهرت بعض المشاريع كما تحدث صهر كوشنير سابقاً عن تحويل قطاع غزة إلى منطقة شاليهات وترفيه للعالم الرأسمالي (مشاريع البزنس الكبرى في منطقة البحر الأبيض المتوسط) كمشاريع الغاز، وبالتالي بحاجة إلى منطقة للترفيه وأنهم يفكرون في كيفية التخلص من الغالبية العظمي من سكان قطاع غزة عبر إما التطهير أو التهجير الطوعي أو القسري لاحقاً من ثم تحويل قطاع غزة لما يتحدث عنه كوشنير، وأن تحقيق خططهم مرتبط بطبيعة الصراع وطبيعة الميدان وما سينتج عنه لكن بالحد الأدنى نتنياهو ذاهب اتجاه صفقات تؤهله أن يمررها داخل ائتلافه الحاكم، وهذا لا يحدث إلا بضم الضفة أو ضم الحد الأدنى من الأغوار ومنطقة غوش عتصيون ومعاليه ادوميم إلى إسرائيل أو فرض السيادة الإسرائيلية على كافة المستوطنات في الضفة.
هذه المخططات الاحتلالية تمثل تهديداً حقيقياً لقطاع غزة، حيث يسعى الاحتلال إلى تقويض الهوية الفلسطينية عبر تحويل القطاع إلى كنتونات معزولة ومناطق خاضعة لسيطرة عسكرية محكمة.
وبينما تتزايد معاناة المواطنيين الغزيين ، تبقى الدعوات إلى المجتمع الدولي حاضرة لتحمل مسؤولياته تجاه وقف هذه السياسات الاستعمارية التي تسعى لتغيير واقع غزة بشكل جذري وتدمير كل مقومات الحياة فيها.