الزراعة في الخيام إعداد: عبير لبد
في الساحة الأمامية لخيمة من القماش في مواصي مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، يقف يحيى سرور ذو الثلاثة عشر عاماً، يراقب شتلاته، والسعادة تملأ قلبه بمشاهدتها، وقد كبُرت ونمَت أمام ناظريه.
زراعة الأمل بين أنقاض النزوح
سرور الذي لا يمتلك أي أدنى خبرة أو تجربة سابقة في الزراعة، استيقظ في الصباح التالي ليوم نزوحه مع عائلته من مدينة رفح في أقصى الجنوب في شهر مايو/أيار الماضي في خيمة بالكاد تتسع لأفراد عائلته ومستلزماتهم؛ ليجد بقايا لنبتة بطاطا حلوة على حافة الخيمة؛ لتبعث فيه روح الأمل والحياة.
يقول سرور “استلهمت فكرة الزراعة في محيط الخيمة من بقايا نبتة البطاطا الحلوة، عدا حاجتنا لرؤية المناظر الخضراء من حولنا؛ لما له من تأثير على نفوسنا من راحة واطمئنان، في ظل حالة الحرب والنزوح”، سرور النازح من مدينة غزة، مرَ برحلة طويلة من النزوح المتكرر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، ليستقر به الحال في الخيام كغيره من آلاف النازحين،
تشهد منطقة مواصي خانيونس كثافة سكانية غير مسبوقة، خاصة بعد النزوح الكبير من مدينة رفح مع بدء الاحتلال الاسرائيلي العملية العسكرية البرّية في السادس من مايو/أيار الماضي.
الزراعة كوسيلة للهروب من واقع النزوح
بدأ سرور رحلته في الزراعة بالنباتات البسيطة، مثل: الشبت (الجرادة الخضراء) والجرجير، والريحانة، والبقدونس، وبمساعدة الانترنت وبعض الإرشادات والتوجيهات من والده تجرأ أكثر في الزراعة، والإقبال على زراعة الخضروات، والنباتات التي بحاجة لمزيد من الرعاية والاهتمام.
يحاول سرور تنظيم وتنسيق شتلاته عبر استخدام المعلبات الفارغة، وصناعة حدود ومجري لبقايا المياه المستخدمة في الأعمال المنزلية، من أجل توفير مصدر ثابت للمياه للنباتات في حال نقص المياه في المخيم، والمساهمة أيضا في سقايتها ومساعدتها على النمو في الظروف المناخية الحارة.
التحديات أمام الزراعة في الخيام
في محاولة من سرور لمواجهة صعوبات إيجاد البذور والشتلات الزراعية، يقوم يحيى باستخلاص البذور من الخضروات ذاتها، ويوضح “رافقت والدي إلى السوق لشراء احتياجاتنا من خضرة وفواكه، وكذلك للبحث عن بذور لبعض الخضروات، ولكن تفاجأت بانعدامها من الأسواق، وغلاء فاحش لأسعار الخضروات الضرورية في طعامنا اليومي”.
ونظراً لقلة الخضروات وندرة الفاكهة في الغذاء اليومي لسكان قطاع غزة، كانت فكرة الزراعة في الخيام أفضل الخيارات المتاحة في مواجهة الفقر والعجز عن شراء الخضار والفاكهة في ظل الغلاء الفاحش بالأسعار في الأسواق المحلية.
يجلس سرور بالساعات في سبيل استخلاص البذور من بعض حبات البندورة، والفلفل، والباذنجان بعد عجزه عن إيجاد بذورها، في سبيل زراعتها لاحتياجاتها اليومي في طعامهم.
تجارب مشابهة: سليم عياد والزراعة كإرث عائلي
في حين كان سليم عياد (12 عاماً) أكثر حظًا في إيجاد البذور وشتل النباتات التي يقوم بزراعة في المساحة الأمامية للخيمة، ساهمت مساعدته لوالده في عملية الزراعة في الأراضي الزراعية في منطقة العطار بمواصى خان يونس، لتوفير البذور والشتلات التي يريدها بسهولة.
عياد الذي نما وترعرع في كنف عائلة محبة للزراعة، وتمتهن الزراعة كمهنة لكسب الزرق، يقول عياد “منذ صغري وأنا أري أبي وجدي يزرعون في الأرض في بيتنا في الشجاعية، ومع مرور السنوات أصبحت أقف بدلاً من جدي مع أبي في الزراعة في البيت، وبقي أبي يزرع في الأراضي الحدودية”.
لماذا يغامر أبي بحياته ويقوم بزراعة الأراضي الحدودية؟ سؤالٌ لطالما حيرة عياد في طفولته، ليكتشف إجابته بعدما أزهرت أولى شتلاته، قائلاً بابتسامة “نحن نزرع من أجل الحياة، وتشبثنا بالأرض والزراعة، هو بالواقع تشبثنا بالحياة”.
وبعد السابع من أكتوبر العام الماضي انقلبت حياة عياد رأسًا على عقب، تركت العائلة خلال رحلة نزوحها أشجار الزيتون وحدها تواجه الاحتلال الاسرائيلي بالشجاعية شرقي مدينة غزة، إلى أن أُجبرت العائلة التوجه إلى جنوب قطاع غزة بقوة من جنود الاحتلال الإسرائيلي أثناء الهجوم الأخير على مستشفى الشفاء الطبي في شهر آذار/مارس الماضي.
اعتاد عياد على رؤية النباتات بألوانها وأشكالها تنمو وتكبر من حوله، ولكن الحرب غيرت كل شي من حوله، بعد وصوله لمنطقة مواصي خان يونس، وجدَ نفسه في خيمة وأمامها مساحة عارية من الخُضرةَ التي تَعودَ عليها، كان يهرب من ذلك المشهد بالتوجه مع والده إلى الأراضي الزراعية المجاورة من المخيم، ويقضي وقته في مساعدة والده في الزراعة، إلى أن أشعر بضرورة نقل المشهد الزراعي إلى محيطه في المخيم؛ مما لما من تأثير على الحالة النفسية، في ظل المعاناة الشديدة التي يعيشها في الخيام.
ساعدت عياد التجربة في الزراعة، وإرشادات وتوجيهات جده في نجاح زراعته، ونمو شتلاته الزراعية، ويبين عياد والحماس يملأ عينيه “بدأت بالبقدونس، وجرجير، ثم البصل، والفجل، والسلق، والريحان والنعنع الذي كان يتطلب اهتمام ورعاية أكثر من غيره، وبعد ذلك أصبحت أطلب بذور الخضار مثل البندورة، والباذنجان من المزارع المسؤول في الأرض التي يعمل بها أبي”.
الزراعة: مقاومة بالحياة
يتابع عياد بسعادة ” أصبحت المزروعات محط انتباه واهتمام لكثير من النازحين في المخيم، والكثير منهم طلب مساعدتي في زراعة بعض الشتلات بالقرب خيمته”، ويضيف ” في الحرب شكلت المعلبات، والبقوليات جُلَ طعامنا، الذي افتقر إلى الخضروات؛ مما سبب سوء تغذية للكثير منها، من خلال زراعة بعض الخضار يمكن تعويض القليل”.
وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو”، فإن الاحتلال الإسرائيلي مَارسَ تدميراً مُمَنهجاً وواسعاً للأراضي الزراعية في غزة، إذ قضى على ثلثي المساحة، أي أكثر من 77 في المئة، كما تسبب القصف والهجمات الإسرائيلية الجوية، وعمليات التوغل البري للآليات العسكرية الإسرائيلية الثقيلة في تدمير وتجريف الأراضي الزراعية، مما حرم سكان غزة من أكبر مصدر للغذاء، إذ كان المواطنون يعتمدون في القطاع على المزروعات المحلية في طعامهم، وكان لديهم اكتفاء ذاتي، لكن بسبب الحرب تغيرت المعادلة.