انطلاقة الثورة: إستراتيجيات غير نمطية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
كتب: تحسين يقين:
كيف؟
هو المعنى للثورة أصلاً، فلم تعد إدارة الحال، لا هنا في فلسطين، ولا في الكثير من بلادنا العربية، وهي/هو تطور المجتمع بصرف النظر عن الموالاة والمعارضة، فثمة جيل جديد عريض المرحلة العمرية، فالأمور تتعلق بمصادر التكوين: التنشئة والتعليم، والتربية السياسية، والتي تندرج تحتها ومعاً التربية الثقافية والإعلامية في سياق اقتصادي نيو ليبرالي معولم، لسنا فيه لا من الأيادي الطوال، ولا من اللاعبين الفعليين.
وهنا، لأن النظام السياسي من المفروض أن يكون واعياً على ديناميات المجتمع، ولأن حركة فتح كفصيل سياسي ووطني، وحزب كبير له وزن كبير في النظام السياسي – الحكم، فأظن أن هناك سنوات مفصلية (1982، 1988، 1991، 1993، 2000) ونقاش معمق عالمياً وعربياً وفلسطينياً، وأميركياً وإسرائيلياً (صهيونياً)، يقتضي التفكير باتجاه الجذور، فإن كان من الصعب مثلاً العيش مع “فتح”، فإن العيش دونها سيكون صعباً لكل الجهات التي ذكرت، ولكل مبرراتها وحاجاتها لـ”فتح”، ولكن على مقاس مصالحها السياسية بالطبع.
ولا يتعلق الأمر بأفراد، بقدر ما له علاقة بنهج يراد له أن يكون غير ما نريد له، لذلك ولأن حركة فتح ما زالت تجمع الفتحاويين والفتحاويات أولاً، وفئات وتنظيمات فلسطينية وطنية، فإن وعي القيادة السياسية، قائدة نظامنا الفلسطيني، يقود إلى الاستجابة لما يتكون من أفكار وقوى، تنطلق من العباءة الوطنية، الفتحاوية المنشأ، وقد لمسنا ذلك من خلال التباينات التي حدثت في الانتخابات الثانية للمجلس التشريعي، كذلك في التحضير للانتخابات الثالثة التي لم تتم.
طيّب؟
ليس اكتشافاً، بل هو ظاهر، ونعيشه، وليس فقط نتوقعه.
إنهم يعيشون بيننا، ونحن الخمسينيين معهم، ونرى ونشعر ونفكر، ونلمس مبادرات أقرب إلى الفوضى، أو تفريغ الطاقات الانفعالية، أو الاحتجاجية على وضع وظيفي تشغيلي، واقتصادي (وهذا ينبغي بحثه جيداً)، بمعنى أنه بصرف النظر عن تقييم تلك المبادرات، إلا أن ثمة شيئاً يحدث خارج السياق التقليدي السائد، وهنا من المهم ملاحظة أنه رغم عدم وجود ناظم قويّ سياسياً وعسكرياً (عمليات مسلحة) وثقافياً وتربوياً واقتصادياً وإعلامياً، إلا أننا نكاد نتحسس وجود ما يربط تلك القوى الشابة، من مطلقة رصاص أو مطلقة كتابات فيسبوكية وسوشيال ميديا بشكل عام، وفي مجالس الشباب.
وعلى المدى القريب والمتوسط، فلا نتوقع زيادة التنظيم بين القوى الصاعدة على امتداد جغرافيا الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل خاص، وفلسطين التاريخية والشتات الفلسطيني بشكل عام.
أما إذا موضعنا حال القوى الشابة قائدة التغيير، والمجتمع من كل الأعمار بشكل عام، من منظور مقارنة في تاريخنا السياسي الوطني، فإنه، واستناداً لما ربطه مفكرون، فإن الحال يشبه عقد ما بعد عام 1948، لربما امتد إلى منتصف بل آخر الستينيات، حيث إن من يتأمل القوى والأحزاب الفلسطينية، والعربية القومية بتجلياتها الفلسطينية، يرى كيف خف تأثيرها، وخف توسعها كما خفّ استقطابها للجيل الجديد الشاب في ذلك الوقت. ولم يقف هذا الجزر على المستوى السياسي، بل امتد للثقافة والاقتصاد، ودليل ذلك، أنه ما أن حدثت هزيمة العام 1967، حتى سقط الكثير من البنى التقليدية، وصولاً إلى الشكل الأدبي بل والمسرحي، حيث عرف الفلسطينيون المسرح التجريبي كنقيض لمسرح العلبة التقليدي، أو كبديل، قبل الكثير من الدول، وما ذلك إلا نتيجة الخلخلة.
في ذلك الوقت منذ تشكيل خلايا “فتح” الأولى أواخر الخمسينيات، حتى الانطلاقة العام 1967، وما أعقب ذلك من أحداث فدائية منحت الثورة انطلاقة أخرى أكثر حضوراً، ملأ الشباب مكان ذلك الفراغ الذي بدأ يتشكل كما قلنا مع نكبة العام 1948، وهكذا فقد تبلور نهج جديد، ركّز معظم جهوده على العمل الثوري – المادي، حيث ظلت الامتدادات الثقافية محدودة، حتى عقد الثورة في لبنان، من أول السبعينيات حتى أوائل الثمانينيات، حيث عاد بعدها إلى جزر جديد، بسبب تشتت منظومة منظمة التحرير جغرافياً، وفي الوقت الذي حاولت السلطة الوطنية استعادة الامتدادات الثقافية ما بعد أوسلو، وبشكل خاص ما بين 1994 – 2000 بالاعتماد على نتاجات التنوير العربي، التي أجهضتها النظم ما بعد الاستقلال، والتي كانت في جوهرها تقليدية، رغم الغطاء الثوري الذي شرعنت وصولها للسلطة من خلاله. طيب والآن؟
كل زمن وله خصوصياته، فلا يكفي وجود شبه بين فلسطينيي الآن، وفلسطينيي ما بعد النكبة، فعلى الرغم من أهمية ذلك، فإن واقع حال الاحتلال، في ظل سياق التحالفات والتحولات العربية، يدعونا مرة أخرى إلى ضرورة الربط ما بين العمل السياسي الوطني، والتنشئة الفكرية والتربوية، كون عملية الصراع عملية طويلة زمنياً.
ما نحتاجه جميعاً هو تقوية وجودنا المادي والمعنوي، الرومانسي والعملي على الأرض في فلسطين العام 1967 وفلسطين العام 1948 وفي الشتات.
وعندما نقول الأرض، فهذا يعني الشعب، الناس، فكل ما يحدث معهم ومنهم وعليهم، يزيد في التعجيل بولادة التنظيم، أو إعادة التنظيم من جديد، حيث سيصعب إسداء النصح وإلقاء الأوامر، بمعنى أنه ستصير لهم وجهة نظر، ويصيرون أدوات تحقيق الأهداف.
أمرّ وأسمع وأتأمل ما يقوم به الشباب، وأصغي لهم، ولما يفكرون به وما يهتمون به، ولهمومهم في العمل والتعليم المدرسي والجامعي، وما يرافق ذلك من مناهج وأساليب تعليم، وأساليب تقويم، فأجد أنهم يجاملوننا في التعليم والعمل والفكر السياسي، بل وفي التوجه الديني لكنّ لهم طريقاً موازياً يمنحونه قلوبهم وعقولهم، فصرنا في واد وهم في واد، حيث كل يوم سيقترب أكثر تمردهم على ما هو سائد، ولما كنت تحت الاحتلال، فثمة خشية من فوضى يمكن أن تشتتنا، لذلك فإن النظام السياسي الملتزم هو ما يستشعر ذلك، وينسجم معه، بل ويهيئه لتسلم الراية.
لا تنقطع الأمور السياسية الوطنية عن سياق حياة الجيل الجديد العريض، والذي يتكون الآن من التعليم الأساسي، في المدرسة، وصولاً إلى مشارف الأربعين أو أكثر، ولعله أكبر فئة في التاريخ العالمي أيضاً تمتد على 30 عاماً، أي هم الأغلبية العددية فعلاً، وليس الفاعلة فقط.
ثمة ما هو جديد، مختلف عن الانتفاضات السابقة، فكما أن الجيل مثلاً له خط تعلمي خاص به، فإن له خطاً سياسياً خاصاً بهم أيضاً، يتجاوز عمرياً سنوات التعليم الجامعي وصولاً إلى الأربعينيات وما بعدها.
للمفكر التربوي هنا أن يستجيب عبر علمنة التعليم، (ليس المقصود المعنى الشائع للمصطلح)، في ظل استجابة قادة النظام السياسي، وبالضرورة استجابة النظام الاقتصادي، لمصلحته أولاً في حماية نفسه، وثانياً للانسجام مع الهدف الوطني كأولوية عليا، لشرعنة الربح.
فهل من سياسات في التربية السياسية عبر تفاعل النظام السياسي مع تنظيم فتح؟ وهل من رأي للنظام السياسي في السياسات التربوية والثقافية؟
ومن كان فتى أو شاباً عام 2000، أي الانتفاضة الثانية، يتذكر كيف أجهضت إسرائيل النمو الثقافي، فهي ترفض بشدة أي ازدهار ثقافي، لذلك تشجع أي قوة تقليدية. لكن التنوير استمر بشكل فردي هنا وهناك، وهو قابل للنمو إن أراد النظام السياسي ذلك، وعليه فإن دور “فتح الثورة” يبدأ أيضاً من هنا.
تلك في نظري مهمة حركة فتح في طريقها نحو الحرية والاستقلال.
وهذا يعني زيادة وتيرة التفكير النقدي داخل أطر الشبيبة الطلابية، والمواقع التنظيمية، وصولاً إلى الأقاليم، فالمجلس الثوري، فاللجنة المركزية.
هناك دوماً في قيادة حركة فتح مفكرون ومفكرات، في الماضي والحاضر، في الحركة وفي شعبنا، وإننا نعرفهم ونجلهم، فلا بد فعلاً للقيادة والتنظيم احترامهم والاستماع لهم.
كذلك، من المهم والإستراتيجي إيصال القادة والأفراد نتاجات أهم المراكز الفكرية والإستراتيجية، مثل المركز العربي، ومراكز الدراسات الإستراتيجية في العالم العربي، ومن فلسطين مركز مدار للدراسات الإسرائيلية في فلسطين، ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، وغيرها. كذلك من خلال الخبراء يمكن الحصول على نتاجات إستراتيجية باللغات الأخرى.
إن فعلت “فتح” ذلك، تخلق الأريحية والتصالح والتعاون بين مختلف الأعمار، فلا ينبغي بأي حال من الأحوال جعل الأمور مقتصرة على صراع أجيال، وعليه فللشباب دور والكبار دور، ولأن الهدف وطني واحد، فإننا نتعاون. والمهم جسر الفجوات وخلق القدوة، وأظن أننا ندرك فعلاً ما المطلوب، خصوصاً ترشيح الحركة لقادة العمل في الوزارات والمؤسسات والنقابات والعمل الأهلي، قادة وصناع قرار يتحلون بجدية العمل باتجاه الخلاص الوطني، لأن وجود “فتح” في إدارة البلد وحكمها بشكل مُرضٍ يعني تقوية أبناء شعبنا وبناته على البقاء والصمود الواعي.