بالفيديو: تفاصيل جديدة.. تحديد موقع قبور جماعية في الطنطورة
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
الخامسة للأنباء – الأراضي المحتلة
يكشف تحقيق معمق جديد عن وجود أربعة قبور جماعية في قرية الطنطورة الفلسطينية المدمرة، التي تعرضت لمذبحة إسرائيلية خلال احتلالها في مايو/ أيار 1948، حيث تمّ تحديد بدقة عالية مواقع ومساحة هذه القبور الجماعية، فيما يطالب أهالي الطنطورة المتبقّون في الوطن بالكّف عن تدنيسها.
والتقرير جديد، صادر عن معهد “فروزنيك اركيتكشر” في لندن (أنشأه المهندس المعماري البريطاني- الإسرائيلي أيال وايزمان)، وهو يحدد موقع القبور الجماعية لشهداء مجزرة الطنطورة، ما يتيح المجال أمام المطالبة بتعليم موقع القبور، تسييجها ووقف المس بحرمتها، والسماح للأهل بزيارة الشهداء بما يتوافق مع شعائرهم الدينية.
وكان مركز “عدالة” داخل أراضي 48 قد توجّهَ برسالة باسم لجنة مهجري الطنطورة، 11 من أبناء القرية ومؤسسة “فروزنيك اركيتكشر” الدولية، إلى المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، وإلى ما يعرف بـ “دائرة أراضي إسرائيل”، وزارة الداخلية، “المجلس الإقليمي شاطئ الكرمل” واللجان المحلية لمستوطنتي دور ونحشوليم القائمتين على أراضي الطنطورة، مطالبًا فيها باحترام حرمة القبور. كما طالب “عدالة”، في مذكرته، بالسماح لمهجري قرية الطنطورة- جنوب حيفا بزيارة ضحايا المجزرة وإقامة الشعائر الدينية هناك، وكذلك طالبت بتحديد أماكن القبور الجماعية، وعدم تدنيسها، أو إقامة أي مشروع عليها. وقد جاء هذا التوجّه في الذكرى الخامسة والسبعين لمجزرة الطنطورة. حيث قامت القوات الصهيونية، بالأخص لواء إسكندروني من الهاغاناة، باحتلال القرية (ليلة 22.5.1948) وتطهيرها عرقيًا وتهجير أهلها إلى قرية الفريديس المجاورة، ومنها إلى مخيمات اللجوء، بعدما اعتقلت من تبقى من الرجال. مع احتلال القرية، قامت القوات الصهيونية بمجزرة مروعة بحق سكان القرية سقط ضحيتها، وفق التقديرات، ما يقارب 280 شهيداً وشهيدة من أهلها العزل وتم دفنهم، وفقًا لشهادات الناجين من المجزرة، في قبور جماعية بعدة مواقع في القرية.
تقنيات حديثة
يستند هذا التوجه إلى تحقيق أعدّه، خلال السنة الأخيرة، معهد “فروزنيك اركيتكشر” في لندن، وفيه تم استعمال تقنيات حديثة لمعاينة مواد أرشيفية، صور، صور جوية، وخرائط للقرية، وفحص تقاطعها مع الصور والشهادات الشفوية لناجين من مجزرة الطنطورة، بهدف تحديد مواقع القبور الجماعية. استناداً إلى هذه المعلومات قام المركز البريطاني ببناء نموذج ثلاثي الأبعاد للقرية، وبواسطته تمَّ، لأول مرة، تحديد دقيق لمواقع تحتوي، باحتمالية عالية جدًا، على قبور جماعية (موقع قرب المقبرة الإسلامية، هو اليوم في موقف السيارات للشاطىء، موقع في بستان الدسوقي (داخل القرية السياحية القائمة على أنقاض القرية الفلسطينية) وموقعان إضافيان بهما احتمال جدي لوجود قبور جماعية تتناسب والشهادات الشفوية (موقع على الشاطىء قرب بيت آل يحيى، وموقع إضافي داخل المقبرة الإسلامية التاريخية للبلد).
بناء على نتائج التقرير، نظمّت لجنة أهالي الطنطورة، بالتعاون مع مركز “عدالة” ومؤسسة “فروزنيك اركيتكشر” الدولية، جولة في قرية الطنطورة المهّجرة للنشطاء والصحافيين، لتحديد مواقع القبور الجماعية ورسم حدودها.
وبالتزامن مع إصدار الرسالة، أقيمت أمسية في مسرح “خشبة” في حيفا، وافتتحها منسق لجنة أهالي الطنطورة الناشط الأهلي سامي العلي، الذي استعرض عمل لجنة أهالي الطنطورة الحثيث على ترسيخ تاريخ القرية والمجازر والشهادات الشفوية والمكتوبة في الذاكرة الجماعية ونقلها من جيل إلى جيل. بعدها، قدمت شريدة مولافي، من معهد “فروزنيك أركيتكشر”، مداخلة استعرضت فيها، عبر تطبيق “زووم”، سيرورة العمل على التحقيق طوال عام ونصف، وتم عرض فيلم يشمل شهادات مهجري الطنطورة، وأهم نتائج التحقيق.
شهادة نازفة من ألمانيا
بعد ذلك روى الناجي من المجزرة في الطنطورة، الطبيب الدكتور عدنان يحيى (92 عاماً)، اللاجئ في ألمانيا، عبر “زووم”، كيف قتلت العصابات الصهيونية الشهداء خلال المجزرة،
وكيف أجبره أفراد هذه العصابات، مع عدد من أبناء القرية الذين بقوا على قيد الحياة، بتجميع جثث الضحايا ودفنها في قبر جماعي. الطبيب الفلسطيني، الذي بدا ذهنه صافياً يتمتع بذاكرة من حديد، استعاد ملامح الحياة الغنية الهانئة في الطنطورة قبل احتلالها، وتوقفَ عند ما شاهده من إعدامات ميدانية. ومما قاله:
«كنت في السابعة عشرة، وقد أمرني الجنود، مع صديقي عبد الله، بلمّ الجثث تحت تهديد السلاح، فصرنا نحمل الجثامين، وننقلها لقبر كبير داخل مقبرة البلدة. وفي إحدى المرات أمسكتُ بشخص غطّتْه دماؤه، بدا ميتاً، من يديه، فيما أمسك عبد الله قدميه، وفيما نحن سائرون تنبّهَ عبد الله وصاح: “هذا أبي”، وهو ما زال ينبض، لكنني نهرته ليصمت كي لا يقتلوننا وألقينا بوالده في القبر الجماعي وهو حالة النزع الأخير».
وبعد ذلك اعتقل عدنان يحيى داخل سجن في بلدة أم خالد، قبل أن ينقل لسجن إجليل، وبعد ستة شهور طُرد وآخرون من شباب الطنطورة الناجين من المذبحة إلى القدس. وعن ذلك قال:
«ألقوا بنا على قارعة الطريق، قريباً من الشطر الشرقي غير المحتل للقدس عام 1948، ولم نملك أي شيء، فبحثتُ عن قريب لي أوصلني إلى عمي في نابلس، حيث أقمتُ قليلاً هناك، قبل أن أنتقل لسوريا. هناك استكملتُ دراستي الثانوية التي بدأتُها في حيفا قبل النكبة، وبدأتُ بالعمل معلماً في إحدى القرى السورية، وما لبثتُ أن انتقلت للكويت، فهناك راتب المعلم ستة أضعاف راتبه في سوريا. وخلال ذلك تسجلتُ لدراسة الطب في جامعة أمريكية قبلتني لكنني آثرت الالتحاق بنهاية الأمر بجامعة ألمانية، وما زلت هنا في ألمانيا التي تحترمني كمواطن فلسطيني حاز على جنسيتها، وعملتُ في الطب طيلة عقود، وعندي ولدان أحدهما طبيب معروف».
وختم الطبيب الفلسطيني ابن الطنطورة المهجّر: «رغم أنني في الثانية والتسعين من عمري، وربما بسبب ذلك تزورني الطنطورة، وتستحوذ على خيالي كلّما أخلد للنوم في فراشي كل ليلة، فقد أخرجوني منها، لكنها تسكن في وجداني».
رواية أمي
بالإضافة إلى ذلك، تحدثت المربية جيهان سرحان، بنت عائلة مهجّرة من الطنطورة مقيمة في قرية الفريديس المجاورة، عن الشهادات المروعة التي سمعتْها من أمها وخالها الناجين من المجزرة.
في مداخلتها، تطرقت المحامية سهاد بشارة، مديرة الوحدة القانونية في مركز “عدالة”، إلى التوجه للسلطات الإسرائيلية بشأن صيانة القبور الجماعية، وشاركت الجمهور النقاش حول آفاق العمل القانوني، والمطالبة في المحاسبة من المنظومة الإسرائيلية في ظل النظام الاستعماري.
واختتم الأمسية المؤرخ جوني منصور، الذي تطرّقَ إلى مجزرة الطنطورة كنموذج للمجازر التي قامت بها القوات الصهيونية ضمن الخطة “داليت” (دال بالعربية)، والتي كانت «تحمل هدفًا واضحًا وهو الإبادة الجماعية من أجل إتاحة التطهير العرقي»، وقال إن «إسرائيل متهمة بارتكاب مذابح في الطنطورة وتنبغي محاسبتها بكل الأحوال».
https://www.youtube.com/watch?v=linQEY4t3NM