أقمار الصحافةالرئيسية

بلال جاد الله.. حارس الحقيقة الذي لم تنطفئ شعلته

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

بلال جاد الله حارس الحقيقة.. إعداد: طارق وشاح

لم يكن الصحفي بلال جاد الله مجرّد اسمٍ على شارة صحفية، بل كان مدرسة في الالتزام، وصوتًا حرًا في زمنٍ خُنقت فيه الأصوات. استشهد بلال عن عمر 45 عامًا، إثر قصف مباشر استهدف مركبته أثناء محاولته النزوح جنوبًا من مدينة غزة، لكنه خلّف وراءه إرثًا إعلاميًا وإنسانيًا لا يُنسى.

طفولة مشبعة بالهمّ الوطني

وُلد بلال جاد الله في 1 مايو 1978، وسط مخيمات غزة ومعاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، فكبر على وقع الانتفاضات والرصاص. منذ صغره، كان شغوفًا بالكلمة والصورة، فكرّس حياته لتوثيق معاناة شعبه.

بيت الصحافة“.. الحلم الذي أصبح منارة

أسس بلال مؤسسة بيت الصحافة – فلسطين، التي أصبحت من أبرز المؤسسات الإعلامية غير الحكومية، وقد احتضنت الصحفيين الشباب، وقدّمت لهم التدريب والتمكين المهني، وسعت لحماية حرية التعبير في بيئة محفوفة بالمخاطر.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

خلال الحرب، لم يغلق بيت الصحافة أبوابه، بل فتحها كمأوى ومركز إسناد للصحفيين الميدانيين، وكان بلال في طليعتهم.

الرحيل القاسي

في صباح يوم الأحد، 19 نوفمبر 2023، وبينما كانت غزة تغلي تحت وابل القصف، قرر بلال مغادرة منزله في مدينة غزة للالتحاق بعائلته التي نزحت جنوبًا، لكنه لم يصل حيث أطلقت دبابة إسرائيلية قذيفتها على مركبته، فارتقى شهيدًا… رحل جسدًا، لكن صورته وابتسامته وعدسته ظلّت حاضرة.

أبٌ.. وقلبٌ يتّسع للجميع

خلف بلال زوجةً مكلومة، وأربعة أطفال، أحدهم ما زال صغيرًا لا يعي بعد أن والده لن يعود. كانت أسرته هي ملاذه بعد كل تغطية خطرة، ومع ذلك لم يتردد يومًا في التواجد بالميادين، حاملًا عدسته ليروي للعالم قصة شعبٍ محاصر.

بلال… صوت لم يمت

زملاؤه يصفونه بأنه “ضمير الصحافة في غزة”، و“الملهم الذي سبق بكلماته واستشهاده”.
تقول زوجته: “كان إنسانًا استثنائيًا، لا يعرف التراجع. حلمه كان أن يرى أبناءه في أمان، وأن يرى غزة حرة، لم يتحقق حلمه، لكن صوته لن يُمحى”

بلال جاد الله لم يكن فقط صحفيًا، بل كان شاهدًا على الحقيقة، ورمزًا لإعلام يقاوم القمع بالمهنية، والصمت بالكاميرا.

بلال جاد الله حارس الحقيقة
“بلال… أكثر من مدير، كان شعلةً للنجاح لا تنطفئ”

وفي رثائه الزميل أحمد قنن قائلاً: “لم يكن بلال جاد الله مجرد زميل أو مدير نعمل تحت إشرافه؛ كان أكثر من ذلك بكثير. كان صديقًا، موجّهًا، ومرشدًا لمستقبلٍ كنا نخوضه بخطى متعثرة، فكان دائمًا يمدّنا بالطاقة والدفع”.

كان يؤمن بنا، ويؤمن أننا قادرون على الوصول بعيدًا، أتذكر جيدًا حين قال لي ذات مرة: “أنت إلك مستقبل يا أحمد، اشتغل على حالك منيح واتعب عشان توصل، أنا شايفك كل يوم من تطور لتطور.”

هذه الكلمات لم تكن مجاملة، بل دافعًا مستمرًا. اليوم، وقد غاب جسده، بقيت تلك الجملة تسكنني، وتُشعل داخلي إصرارًا على إكمال ما بدأه.

كان بلال يُقدّر الإنجاز، لكنه كان أيضًا يُدرك أن السلامة أولًا.
كان يردد دائمًا: “سلامتكم أهم، انتبهوا ع حالكم، ما تخاطروا، اشتغلوا بذكاء.”
كنا نظن أحيانًا أنه يضغط علينا لأسباب إدارية، لكن بعد رحيله، فهمنا أن ذلك الضغط كان هو المحرك الحقيقي لطموحنا.

في ساعات العمل، كان مديرًا صارمًا، يضع المعايير ويطالب بالإتقان.
وخارج أوقات العمل، كان صديقًا بسيطًا، يشاركنا الضحكات، ويخفف عنا أثقال الميدان.

بلال جاد الله لم يكن فقط رجل كاميرا أو قلم صحفي، بل كان روحًا تُضيء مساراتنا، وقصة لن تنتهي برحيله.

استشهد بلال، لكن قضيته ما زالت حيّة… تمامًا كصورته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى