مقالات الخامسة

تزايد الأمراض المزمنة.. والحاجة إلى سياسات صحية متكاملة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:

في تصريح لوزيرة الصحة الفلسطينية قبل عدة أسابيع، أن الوفيات من مرض السكري هي المسبب الرابع للوفاة في بلادنا في العام 2021، وهي في ازدياد متواصل حيث بلغت حوالى 10.6% من إجمالي الوفيات، وحسب تقرير وزارة الصحة لنفس العام، فنسبة الأفراد المصابين بالسكري في الفئة العمرية من 40-70 بلغت حوالى 20.8% من مجمل الأفراد في هذه الفئة، وهذه مؤشرات خطيرة مقلقة ولها تداعيات على الأصعدة الصحية والاقتصادية والاجتماعية في بلادنا.
وتتصاعد وبشكل مطّرد نسبة الوفيات من الأمراض غير السارية أو من الأمراض غير المعدية المزمنة في بلادنا وفي المنطقة العربية، وحتى على مستوى العالم، وفي هذا الصدد تتجلى أهمية السياسات الوقائية في الحد من أمراض عضالة أو مزمنة تتصاعد في مجتمعنا الفلسطيني، ومن الأمثلة عليها، بالإضافة إلى السكري، أمراض القلب، وما ينتج عن البدانة أو الوزن الزائد.
وبالطبع أمراض السرطان المتنوعة، والتي أصبحت خلال السنوات القليلة الماضية، المسبب الثاني للوفاة في بلادنا، أي بنسبة حوالى 15% من عدد الوفيات السنوية، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية أو في قطاع غزة، حيث إنه، بالإضافة إلى العوامل الجينية أو الوراثية التي يمكن أن تساعد أو تحفز النمو غير الطبيعي للخلايا السرطانية، وبالتالي بداية تشكل الورم السرطاني، فإنه على ما يبدو أن هناك ممارسات حياتية غير صحية وظروف بيئية وأنظمة غذائية غير طبيعية، يمكننا التحكم بها أو منعها أو الحد منها، وبالتالي الحد من الإصابة بالأمراض غير السارية، وفي النتيجة الحد من نسبة الوفيات منها.
حيث تزداد نسبة الإصابة بمرض السرطان سنوياً، وتلتهم تكاليف التحويلات وثمن أدوية مرضى السرطان جزءاً كبيراً من ميزانية وزارة الصحة الفلسطينية، ورغم ضرورة ذلك، إلا أن الأهم أن يكون البحث عن الأسباب الحقيقية لانتشار مرض السرطان عندنا جزءاً أساسياً من خطة وعمل الوزارة، أي إجراء الأبحاث التي تحدد الأسباب، وبالتالي توفير الإجراءات للحد منها، أي التركيز على مبدأ الوقاية من المرض، وليس فقط علاجه والتعامل مع آثاره.
وحسب أحد التقارير، يتم اكتشاف حوالى 75 حالة سرطان في قطاع غزة فقط شهرياً، أي بمعدل 2.5 حالة يومياً، وهذه أرقام تثير القلق والإرباك، حسب المعايير الصحية والاقتصادية والاجتماعية، والوضع في الضفة الغربية لا يختلف كثيراً عن الوضع في قطاع غزة، حيث أصبحت أمراض السرطان المختلفة المسبب الثاني للوفاة خلال السنوات القليلة الماضية، وهذه النسبة تتصاعد كل عام، حيث ارتفعت بحوالى 40% بين عامَي 2010 و2014، وهذا يشمل كل المحافظات الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب، حسب تقارير وزارة الصحة الفلسطينية، التي يتم نشرها سنوياً.
ومن الواضح أن هناك عوامل بيئية خارجية تؤثر أو تتداخل في النظام البيئي الفلسطيني، يمكن أنها ساهمت وتساهم في هذا الازدياد، سواء أكانت هذه العوامل ملوثات كيميائية أو بيولوجيه أو غيرها، وسواء جاءت نتيجة الاستخدام الزراعي والصحي لمبيدات وأسمدة ومواد بلاستيكية وهرمونية وغيرهما، أو نتيجة الاستخدام الصناعي المتزايد لمواد كيميائية مختلفة، أو ربما بفعل عوامل أخرى، منها الحروب الثلاث الأخيرة على قطاع غزة، وما نتج عنها من استخدام آلاف من أطنان المواد الكيميائية بأنواعها المختلفة، والتي جزء منها ما زال ينتقل في النظام البيئي وبالتالي يؤثر في البيئة الفلسطينية.
وبالإضافة إلى الأحداث أو العوامل الخارجية، والتي ربما ساهمت في انتشار أمراض مزمنة ومنها أمراض السرطان في بلادنا، فهناك ممارسات حياتية تتمثل في اتباع أنماط غذائية غير صحية، من حيث استهلاك المواد المصنعة أو المجمدة وما تحويه من مضافات كيميائية متعددة، أو الأطعمة السريعة، وما يمكن أن تحوي من مواد تحفز بشكل أو بآخر الأورام السرطانية.
ومن الأسباب الأخرى ربما ازدياد التدخين، حيث أن التدخين نمط غير صحي من أنماط الحياة، له علاقة مباشرة بالأمراض غير السارية، خاصة أمراض القلب والسرطان وأمراض الجهاز التنفسي، وفي بلادنا وحسب أرقام أوردها جهاز الإحصاء الفلسطيني قبل فترة، فإن أعداد المدخنين الفلسطينيين، على سبيل المثال، كانت حوالى 30% من تعداد السكان ممّن هم في سن 18 سنة وما فوق، وتشير بعض الأنباء إلى أن إنفاق الشعب الفلسطيني على التدخين يصل إلى حوالى 200 مليون دولار سنوياً، هذا بالإضافة إلى أكثر من 100 مليون دولار أخرى، هي حجم التكاليف التي تدفع جراء معالجة الأمراض المرتبطة بالتدخين، وهناك دراسات عديدة في العالم ربطت بشكل مباشر بين التدخين والإصابة بسرطان الرئة.
ومعروف أن البيئة المحيطة بنا، من هواء ومياه وأغذية، أو أرض وحيز قد تتلوث، حيث يمكن أن يتعرض الإنسان أو المزارع الفلسطيني لكميات قليلة من المبيدات الكيميائية مثلاً خلال الرش، أو في منتجات غذائية أو في المياه، أو التعرّض لكميات قليلة من الرصاص في الهواء مثلاً، أو تعرّض العمال إلى عناصر الزئبق أو الكادميوم خلال العمل في المصانع، أو تعرض عمال البتروكيماويات إلى البنزين الذي يعتبر مادة مسرطنة، ودون آثار لحظية ملموسة، ولكن وبعد فترة زمنية طويلة تظهر الآثار على شكل أمراض مثل السرطان وما إلى ذلك، وهناك دراسات عديدة تمّت في بلدان مختلفة في العالم ربطت بين التلوث الكيميائي في منطقة ما، وبين ازدياد نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة.
وفي خضم هذه الدوامة المقلقة، فإننا بحاجة إلى اتباع سياسات صحية متكاملة، ومنها البحث عن الأسباب الحقيقية لانتشار هذه الأمراض، وبالتحديد معرفة الظروف أو الممارسات في المناطق التي يتم فيها تسجيل نسب مرتفعة من السكري أو السرطان وأمراض أخرى مزمنة، سواء أكانت ممارسات غذائية غير صحية أو ممارسات زراعية أو استخدام مكثف للمبيدات، أو انتشار النشاط الصناعي والكسارات والمحاجر في بعض المناطق، أو ممارسات حرق مئات الأطنان من النفايات الإلكترونية والبطاريات التي يتم إحضارها من الجانب الإسرائيلي، وبالتالي استخلاص متبقياتها من أسلاك نحاسية وغيرها، كما يتم في بعض قرى محافظة الخليل، أو التعامل مع متبقيات الحروب على غزة، حيث أن البحث عن الأسباب الحقيقية هو الأساس للبدء ببرنامج وطني، وبالتالي الحد من آفة باتت تزداد وبشكل كبير في بلادنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى