تمارا برو: هل تتخلى الرياض عن “هواوي” لأجل واشنطن؟
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
حظيت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية بصخب إعلامي كبير، بدأ منذ أن أعلن البيت الأبيض نية الرئيس بايدن زيارة الشرق الأوسط، فبدأت التحليلات حول أسباب الزيارة والنتائج المتوقعة منها، ومع اختتامها ازدادت تقييمات الزيارة دون الوقوف على حقيقة نجاحها أو فشلها، وإن كان اللافت هو تراجع هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على دول المنطقة، وتجلى ذلك بداية باستقبال مسؤولين سعوديين في المطار للرئيس بايدن بدلاً من ولي العهد محمد بن سلمان الذي على عكس ذلك استقبل زعماء الدول العربية المشاركين في قمة جدة.
لا يمكن القول أن هذه الزيارة فشلت كلياً في تحقيق أهدافها، ولعلّ أهم هدف حققته هو تخفيف حدة التوتر في العلاقات بين الرياض وواشنطن، كما جرى توقيع 18 اتفاقية بين الجانبين في عدة مجالات، وعاد التعاون العسكري بينهما، وهذا ما كنا قد توقعناه في مقالنا بعنوان” علاقة الصين بزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية”، حيث أعلنت واشنطن عن عودة التعاون العسكري والمبيعات العسكرية التي تشمل أنظمة دفاعية وتقنية عسكرية متقدمة، كما أعلنت عن التزامها التعاون لبناء منظومة لمواجهة” الدرونز” والصواريخ الباليستية التي تهدد السلام في المنطقة.
أحد أسباب زيارة الرئيس بايدن إلى السعودية، كما أعلن هو صراحة في المقال الذي نشره في صحيفة الواشنطن بوست “للوقوف بوجه روسيا والصين”، وعاد الرئيس بايدن وكرر في أثناء تواجده في السعودية أن أميركا لن تترك فراغاً في الشرق الأوسط تملؤه الصين أو روسيا أو إيران، فجاء الرد الصيني على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وين بين أن “شعوب الشرق الأوسط هم سادة المنطقة، والشرق الأوسط ليس فناء خلفياً لشخص ما، ناهيك عن “الفراغ المزعوم”.
حاول الرئيس بايدن قطع الطريق أمام الصين من تعزيز علاقاتها مع السعودية، وكان من المتوقع، ولأجل إغراء الرياض، أن تعيد واشنطن علاقاتها العسكرية والأمنية معها كي تبعد أي تقارب عسكري أمني بين الرياض وبكين خاصة أنه حصلت تطورات في علاقاتهما العسكرية خلال الفترة الأخيرة حيث ساعدت الصين السعودية على تطوير صواريخها الباليستية، والمباحثات التي تمت بين الطرفين لتطوير علاقاتهما الدفاعية والعسكرية، وتوقيع اتفاقية بين الجانبين لمساعدة السعودية في صنع الطائرات بدون طيار. ومن جهة أخرى ستدعم الرياض مبادرة الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي التي أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن وقادة مجموعة السبع خلال قمة المجموعة في 26 حزيران / يونيو 2022، وتهدف المبادرة إلى تطوير البنية التحتية في البلدان النامية، ويعتبر مشروع منافس لمبادرة الحزام والطريق التي أعلنت عنها الصين. وهكذا تكون الرياض قد انضمت إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية وإلى المشروع الأميركي مع مجموعة السبع للبنى التحتية .
وفي إطار آخر وقعت السعودية والولايات المتحدة الأميركية مذكرة تعاون في مجالات تقنيات الجيل الخامس والجيل السادس ، وبموجب المذكرة سيتعاون الجانبان على تعزيز وتشجيع التعاون في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات والاقتصاد الرقمي من خلال دعم تقنيات الجيل الخامس وحلول التوسع التجاري، والتعاون في البحث والتطوير في تقنيات الجيل السادس. وحمل بايدن معه تقنية جديدة تسمى” أوبن ران” Open- RAN شبكات الوصول اللاسلكي المفتوحة .
وتهدف أميركا من خلال هذه التقنية الجديدة إلى أن يكون لها موطأ قدم في التقدم الحاصل على صعيد نشر شبكات الجيل الخامس حول العالم، وثانياً إلى منافسة شركة هواوي الصينية التي رسخت وجودها في الشرق الأوسط، ووقعت عدة اتفاقيات مع السعودية ودول المنطقة حتى أنها أفتتحت أكبر متجر لها خارج الصين في الرياض. ويقود عملاق التكنولوجيا الصيني اليوم قطاع الاتصالات عالمياً فبحسب استطلاع لشركة أبحاث أميركية تحتل شركة هواوي المرتبة الأولى في مجال امتلاك براءات اختراع شبكات الجيل الخامس، كما احتلت الشركة المركز الخامس في عدد براءات الاختراع المسجلة في الولايات المتحدة لعام 2021 بعد أن كانت في المركز التاسع عام 2020، وذلك رغم العقوبات المفروضة عليها ومنعها من العمل في الولايات المتحدة الأميركية.
لقد حاولت الولايات المتحدة الأميركية أن تمنع عدة دول من التعاون مع شركة هواوي من إنشاء شبكات الجيل الخامس على أراضيها، ونجحت في ذلك مع أستراليا وبريطانيا والسويد ومع فرنسا إلى حد ما وكندا التي أعلنت أنها ستحظر مشاركة هواوي في إنشاء شبكة اتصالات الجيل الخامس، وحاولت مؤخراً أن تضغط على الإمارات العربية المتحدة للتخلي في شبكات الاتصالات الخاصة بها عن استخدام منتجات هواوي وإزالتها في غضون 4 سنوات تحت طائلة إلغاء صفقة بيع طائرات F-35 ، غير أن أبو ظبي قامت لاحقاً بتعليق الصفقة وعاودت تعاونها مع شركة هواوي. ومؤخراً طلبت أميركا من السعودية التخلي عن شبكات الجيل الخامس والتقنيات الصينية فحاولت السعودية التملص من الطلب الأميركي بأن عرضت جملة من المواثيق الدولية التي تمنعها كدولة من التدخل في القطاع الخاص وتكرس حرية التجارة الخاصة وتتحدّث عن التزامات بالمليارات مع شركات تقنية صينية ضمن مبادئ قانونية في الأسواق الدولية وهي مبالغ لا تستطيع تحملها الخزينة السعودية وبالتالي القوانين الأمريكية لا تمنع الأمريكيين من التجارة مع الصينيين.
الملاحظ أن الولايات المتحدة الأميركية لم يعد لها القوة نفسها للضغط على دول الخليج كما كانت في السابق، فإذا حاولت واشنطن أن تضغط على الرياض للتخلي عن هواوي وإزالة شبكات الجيل الخامس من على أراضيها تحت طائلة إلغاء صفقات عسكرية، فإن أمام الرياض خيار اللجوء إلى روسيا أو الصين لشراء الأسلحة أو فرنسا كما فعلت الإمارات التي أبرمت مع فرنسا صفقة شراء أسلحة بقيمة 19 مليار دولار وذلك في أثناء زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى الإمارات أواخر العام 2021 وعلقت مباحثات صفقة الأسلحة F-35 بسبب الضغوطات الأميركية عليها. ومن ناحية أخرى فإن السعودية تسعى إلى بناء طائرات بدون طيار ولأجل ذلك قامت بتوقيع اتفاقية مع الصين التي ستساعدها على إنشاء مركز للبحث والتطوير وفريق تصنيع لأنواع مختلفة من أنظمة حمولة الطائرات بدون طيار، وبالتالي التخلي نسبياً عن الأسلحة الأميركية في هذا المجال. ومن جهة ثانية يمكن أن تستجيب الرياض للضغوطات الأميركية وتتعاون مع الشركات الأميركية في مد شبكات الجيل الخامس استناداً للتقنية الجديدة التي تم توقيع الاتفاقية مع الرياض بشأنها، ولكن بالمقابل لا تقطع تعاونها النهائي مع هواوي الذي يبقى يقتصر على الأمور التي لا تثير كثيراً غضب الإدارة الأميركية.
مما لا شك فيه أن خروج شركة هواوي من الشرق الأوسط أصبح صعباً للغاية خاصة أن الشركة عملت خلال السنوات الأخيرة على ترسيخ وجودها في المنطقة، لاسيما في دول الخليج، التي تتوفر فيها الأموال المادية والموارد الطبيعية، وعلى ما يبدو فإن الشرق الأوسط سيكون كبش محرقة في الصراع الصيني الأميركي، وستبقى دوله، لاسيما السعودية والإمارات العربية، عالقة بين واشنطن وبكين.
باحثة في الشأن الصيني