حسين ابراهيم : «إسرائيل الكبرى» قيد التنفيذ: نتنياهو يدفن «سايكس – بيكو»
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، والذي كان في كل الأحوال تركة ثقيلة من تركات الأنظمة القومية المتبقية من زمن العداء الرسمي العربي لإسرائيل، من دون كثير فعالية، فتحت الأخيرة، للمرة الأولى منذ ضم الجولان عام 1981، باب التوسع إلى خارج حدود فلسطين المحتلة. ومنذ نشوء الكيان، ظلت مسألة الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية تنقسم إلى قسمين: واحد يتعلّق بالأراضي الفلسطينية؛ والآخر بتلك التي تخص دول الطوق التي سيطرت عليها إسرائيل في حروبها مع العرب، أو التي قد تسيطر عليها في حروب في المستقبل.
وفي تقرير لها عن هذه المسألة، تحدثت صحيفة «هآرتس» عن «رؤية» رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، المتعلقة بـ«إسرائيل الكبرى»، وهو ما أشار إليه بنفسه لدى حديثه مع القضاة خلال مثوله بتهم فساد أمام المحكمة قبل أيام قليلة، حين قال إن «أمراً تكتونياً حصل هنا. زلزال لم يحصل منذ مئة سنة، منذ معاهدة سايكس – بيكو»، الموقعة بين الانتدابين الفرنسي والبريطاني عام 1916. وقبل ذلك، كان نتنياهو قد أعلن انتهاء اتفاقية فض الاشتباك في الجولان، وتقدمت قواته إلى المناطق السورية المحررة، ما يعني أن إسرائيل لم تعد تلزم نفسها بالخرائط التي نجمت عن الاتفاقية الموقّعة عام 1974، والتي وفرت هدوءاً على تلك الجبهة لعقود طويلة.
قد يكون مفهوماً أن يعلن قائد «هيئة تحرير الشام»، أبو محمد الجولاني، أن سوريا تعبت من الحروب ولا تريد حروباً جديدة، فهذه حال كثير غيره من العرب الذين تخلوا عن فلسطين، لكن ما لا يمكن فهمه هو وصفه الصراع مع إسرائيل بأنه «صراع بين إيران والمنطقة»، في حين أن الحديث يجري عن أرض سورية تُحتل في ظلّ سلطته التي تمارسها حكومة انتقالية تحت إشرافه، باشرت التصدي لشؤون سوريا والسوريين، فهل الأرض ليست شأناً مهماً بالنسبة إلى السوريين؟ وقد يكون مفهوماً أيضاً أن السلطة غير قادرة على التحرّك على الأرض أو حتى ديبلوماسياً، لكن ألا يعني شيئاً غياب أي موقف سياسي يثبّت على الأقل أن القيادة الجديدة تَعتبر الأرض المحتلة في الجولان، وتلك التي احتُلت حديثاً هي أرض سورية، وأن القرى التي تقوم إسرائيل حالياً بتهجير سكانها هي سوريّة، خاصة أن القوات الإسرائيلية تقترب بذلك من مركز الحكم السوري في دمشق؟
لم يدلِ حكام دمشق الجدد بأي موقف من القضم الإسرائيلي للأراضي السورية
لم يكن ممكناً أن تكون نوايا إسرائيل، أكثر وضوحاً. وهي في كل حال لم تعد مجرّد نوايا تنتظر فرصة مناسبة. تصريحات نتنياهو تؤكد أن الفرصة لتوسيع مساحة إسرائيل هي الآن، وأن التنفيذ جارٍ، وغير منفصل عمّا صرح به الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، من أن إسرائيل صغيرة ويتعين توسيع مساحتها؛ ولا ينفصل كذلك عمّا يجري في قطاع غزة، ولا سيما عملية التهجير من شمال القطاع، حيث إذا لم ينجح التهجير، فالقتل يؤدي الغرض نفسه بخفض عدد السكان إلى الدرجة التي تسمح للعدو بالضم؛ ولا ينفصل أيضاً عمّا هو جار تنفيذه من برنامج لضم الضفة الغربية، المرشحة لأن تكون التالية على طاولة ترامب للاعتراف بضمها، لا سيما في ظل تقارير عن اتفاقات جرى التوصل إليها بينه وبين نتنياهو، خلال الحملة الانتخابية الأميركية، مع ما قد يعنيه هذا بالنسبة إلى الأردن.
نحن فعلياً، كما يقول نتنياهو، أمام عملية تغيير للحدود التي رسمتها معاهدة سايكس – بيكو، تحصل برعاية ترامب الذي هدّد بالجحيم في الشرق الأوسط، إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى بحلول موعد تسلمه السلطة، وأعاد تكرار التهديد موفده المعين إلى هذه المنطقة، ومن ذا الذي سيعارض ما سيقوم به الرئيس الأميركي؟
حتى تكون صورة ما يجري كاملة، يكفي مشاهدة دول الغرب تتدافع لإطلاق الوعود برفع اسم «هيئة تحرير الشام» من قوائم الإرهاب الغربية. لكن من غير المُتصوَّر أن يجري ذلك، ولا أن يتم دعم الحكومة الجديدة، من دون أن توضح هذه الأخيرة موقفها من موضوع التطبيع مع إسرائيل، وهو، للأمانة، ما لم تفعله بعد، علناً على الأقل.
تغيير بحجم المساس بحدود سايكس – بيكو، بالنسبة إلى الأميركيين الذين ورثوها ولم يكونوا جزءاً منها، يستحق التغاضي عن تصنيف تنظيم أو أشخاص، خاصة أن ورثة الأفغان العرب، في «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، انتهوا بالصيغة التي تهدّد الأمن القومي الأميركي، ولم يعد ثمة ما يمنع إعادة تأهيل بقاياهم، للقيام بأدوار من نفس نوع تلك التي قاموا بها حين حاربوا السوفيات وأخرجوهم من أفغانستان. وما يؤشر إلى أن تاريخ هذه العلاقة، دار دورة كاملة، هو أن ثوار سوريا يقومون عملياً بطرد الروس، ورثة السوفيات، من سوريا. أما ورثة السلطنة التي مثلت معاهدة «سايكس – بيكو» عملية تقسيم لتركتها، فيحاولون استعادة فتات من هذه التركة، عبر تنصيب حكم موالٍ في دمشق، ولو على حساب فلسطين وسائر الدول العربية الإسلامية.