حكايا في زمن الحرب.. محمد العمارين: من شوارع إيطاليا إلى غزة، شغف البيتزا وسط الأزمات
من شوارع إيطاليا إلى غزة: شاب فلسطيني يُعيد ابتكار البيتزا ويمنح الأمل في ظل الظروف الصعبة

حكايا في زمن الحرب إعداد: سهر دهليز
عندما تفكر في البيتزا، يتبادر إلى ذهنك على الفور شوارع إيطاليا الجميلة، حيث يُعتبر طبق البيتزا جزءًا أساسيًا من الثقافة الإيطالية، لكن ما لم يكن يعلمه الكثيرون هو أن شابًا فلسطينيًا في غزة قد استلهم فكرة مشروعه من تلك الشوارع الأوروبية، ليعيد تقديمها بشكل مبتكر في مكان بعيد عن طابعها التقليدي.
بدأت القصة عندما سافر الشاب الفلسطيني محمد العمارين والذي يبلغ من العمر34عامًا إلى إيطاليا في مارس 2023م، بهدف دراسة الطهي واكتساب مهارات جديدة من شوارع روما وفلورنسا، حيث يُعد الطعام جزءًا لايتجزأ من حياة الناس، تأثر محمد بطريقة عرض البيتزا وحجم تأثيرها على المجتمع المحلي.
كانت البيتزا تُقدم في كل زاوية، وفي كل مطعم، وكان الزبائن يتجمعون حول الأكشاك والعربات المتنقلة التي توفرها، ويشعرون أن تناولها ليس مجرد طعام، بل تجربة اجتماعية ممتعة.
مصدر أمل من شوارع إيطاليا
يروي العمارين ابن مدينة غزة قصته قائلاً: “لم يخطر في بالي أن يتحول حلمي في العمل بمجال إعداد وطهي الطعام إلى مصدر أمل للكثيرين في ظل الأوضاع الصعبة التي نعيشها في قطاع غزة“، حيث نزح إلى مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة بسبب الحرب المستمرة، وبدأ يفكر في كيفية مساعدة أهله ومد يد العون لهم، حتى استطاع تحقيق ذلك بالشراكة مع المطبخ المركزي العالمي (WCK) من خلال مؤسسة التعاون والتضامن الإيطالية.
وأضاف: “كان بإمكاني مغادرة قطاع غزة لأنني كنت أملك عقد عمل في مدينة سقلية بإيطاليا، ولكنني اخترت البقاء لأن بلدي وأهلها بحاجة لي أكثر من التفكير بالسفر في ظل الحرب التي دمرت أحلامنا، لكنها لم تهزم عزيمتنا، فتمسكت بمواصلة العمل، وكان التحدي الأكبر بالنسبة لي هو أن أحقق النجاح في هذه الفكرة رغم جميع الصعوبات التي واجهتها”.
وتابع العمارين حديثه: “استطعت الحصول على مطبخ مجتمعي بدأت فيه طهي الطعام للنازحين في مدينة رفح، حيث كنت أطهو بشكل يومي 2100 وجبة لــ4200 عائلة من النازحين والمقيمين بالمكان، وفي تلك الفترة، كانت فكرة “الفود تراك” تسيطر على ذهني، فقررت بعدها بدمجها مع عملي اليومي لتقديم البيتزا، وهي المهنة التي أحب و تحظى بقبول واسع بين الناس قبل اندلاع الحرب، حيث كان لدي رغبة شديدة بأن أكون بعربتي (Food Truck) صاحب فكرة مميزة بتقديم وجبة البيتزا كونها مهنتي التي أحب ولديها قبول لدي الكثير”
حكايا في زمن الحرب… تحديات ونقص موارد
رغم التحديات الاقتصادية والظروف السياسية والحرب القائمة، استطاع محمد أن يخطو خطوات جادة نحو تنفيذ حلمه، و بدأ بتجهيز العربة المتنقلة (Food Truck) التي كانت تحمل معدات الطهي الخاصة بالبيتزا، واختار تقديم البيتزا بأسلوب مبتكر يتمثل في العجينة الرقيقة والصلصة الطازجة، وقد حرص على تقديم الأطباق بنكهات تتماشى مع الذوق الفلسطيني، مع لمسة إيطالية أصيلة.
وأشار العمارين إلى ما تحمله من مشقة كبيرة في صنع عربة الطعام وسط الحرب، وأنه كان يجمع الأدوات والقطع اللازمة يومًا بعد يوم، وفي بعض الأوقات لا يجد سوى قطعة واحدة فقط، إلا أنه لم يستسلم، وبفضل الله، تمكن من تجميع العربة رغم كل التحديات التي مر بها.
ولفت العمارين إلى أن أكبر تحدٍ كان يواجهه هو نقص الموارد اللازمة لتلبية احتياجات عدد كافٍ من الأطفال، حيث غالبًا ما يكون عددهم أكبر من كمية البيتزا المتاحة لديه. قائلاً: “هذا أكثر شيء يؤلمني، أن أرى أطفالًا لم يتمكنوا من الحصول على حصتهم بسبب نفاد الكمية، هذه اللحظات تجعلني أفكر دائمًا في كيفية زيادة قدرتنا الإنتاجية، لكي أتمكن من تلبية احتياجات أكبر عدد ممكن من الأطفال”.
حكايا في زمن الحرب… طيور الشمس
وأضاف: “على الرغم من شراكتنا مع فريق “طيور الشمس” الذي كان يدعمني ويوفر لي المواد اللازمة لصناعة البيتزا المجانية، إلا أنني كنت أواجه تحديات كبيرة لهذه المبادرة الشخصية في تلبية احتياجات الجميع بسبب ارتفاع الأسعار ونقص المواد في الأسواق في بعض الأوقات، خاصة في ظل الحرب والحصار المفروض على قطاع غزة”.
ويتنقل العمارين بعربته المتنقلة (Food Truck) بين رفح وخانيونس ومناطق محافظة الوسطى، ليواصل مهمته في إدخال الفرح إلى قلوب الأطفال رغم الظروف الصعبة. قائلاً: “بالرغم من أن رفح كانت منطقة منكوبة ولم يكن أحد قادرًا على دخولها، تمكنت من الوصول إليها، وهذا يمنحني دافعًا للاستمرار، لأنني أرى تأثير ما أفعله في عيون الأطفال وذويهم”.
إن إلهام محمد وشغفه لم يكن مقتصرًا فقط على تعلم صناعة البيتزا في شوارع إيطاليا، بل كان أيضًا تجسيدًا للرغبة في تحدي الظروف الصعبة والابتكار في مواجهة التحديات، لتمثل قصته مثالاً حيًا على كيفية تحويل الأفكار البسيطة إلى مشاريع ناجحة تُنير دروب الأمل في أكثر الأماكن صعوبة.

