ثابتطوفان الأقصى

غزة في العيد الرابع تحت القصف: لا خيام.. لا بيوت.. فقط قبور جديدة

 يحلّ العيد على الفلسطينيين في قطاع غزة تحت نار حرب إبادة متواصلة، بدأت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتحوّلت إلى واحدة من أعنف المآسي الإنسانية المعاصرة. فبدلاً من الفرح والزيارات وتبادل التهاني، يستقبل الغزيون العيد بين أنقاض منازلهم، وأشلاء أحبّائهم، وتحت دويّ القصف وصوت الطائرات.

مواسم العيد.. تواريخ للمجازر

على مدار العقود الماضية، باتت المناسبات الدينية، وعلى رأسها عيدا الفطر والأضحى، مواعيد متكررة لتصعيد الاحتلال الإسرائيلي لعدوانه ضد قطاع غزة، في سياسة ممنهجة تنزع عن الفلسطينيين حقهم في الفرح والأمان، وتحوّل أعيادهم إلى محطات للحزن والفقد الجماعي.

2014: عيد الفطر على أنقاض الشجاعية

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

خلال عدوان صيف عام 2014، الذي تزامن مع شهر رمضان وعيد الفطر، واجه القطاع واحدة من أكثر موجات القتل والدمار شراسة. ارتكب جيش الاحتلال مجازر جماعية، أبرزها مجزرة حي الشجاعية في 20 يوليو/تموز، والتي راح ضحيتها مئات المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال.

وفي ثالث أيام العيد، وتحت غطاء هدنة مؤقتة أعلنتها إسرائيل مدتها أربع ساعات، قصفت المدفعية الإسرائيلية سوق حي الشجاعية الشعبي مرتين متتاليتين، مما أدى إلى استشهاد 17 مدنيًا، بينهم صحفي ومسعفان، وإصابة أكثر من 200 آخرين. وكان ذلك مشهدًا فاضحًا لما أُطلق عليه لاحقًا “استخدام القوة الغاشمة”، في استهداف مباشر للمنازل والأسواق والتجمعات المدنية.

خلفت الحرب حينها أكثر من 2,100 شهيد، وأكثر من 11 ألف جريح، وشردت نحو نصف مليون فلسطيني، بفعل دمار طال أكثر من 18 ألف وحدة سكنية ومئات المنشآت الحيوية، في واحدة من أكثر مراحل العدوان دمويةً ودمارًا في تاريخ الصراع.

2021: أبراج تسقط في العيد

وفي مايو/أيار 2021، اندلعت حرب جديدة عقب الاعتداءات الإسرائيلية في القدس والمسجد الأقصى، تزامنًا مع نهاية شهر رمضان وعيد الفطر. وبدأت المعركة بعد تحذير من قائد كتائب القسام، محمد الضيف، وانتهت بعد 11 يومًا بوساطة مصرية.

أسفرت تلك الحرب عن استشهاد 232 فلسطينيًا، بينهم 65 طفلًا و39 سيدة، ونزوح أكثر من 75 ألفًا، لجأ الآلاف منهم إلى مدارس “الأونروا”. استخدم الاحتلال خلالها تكتيك تدمير الأبراج السكنية، وهدم أكثر من 1,400 وحدة سكنية بشكل كامل، وألحق أضرارًا جسيمة بمؤسسات إعلامية وخدماتية، ومقار حكومية وأمنية.

منذ 2023: أربعة أعياد في ظلال المجازر

مع اندلاع العدوان الشامل في أكتوبر/تشرين الأول 2023، دخل الفلسطينيون في غزة حقبة جديدة من الإبادة المستمرة. وعلى مدار أربعة أعياد مرّت منذ ذلك التاريخ، تحوّلت كل مناسبة إلى محطة جديدة من الدم والموت والدمار.

عيد الفطر 2024

في أول أيام عيد الفطر 2024، استهدفت طائرات الاحتلال منزلًا في مخيم النصيرات، ما أدى إلى استشهاد 14 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء، من عائلة واحدة. ووقعت الغارة وسط منطقة مكتظة بالنازحين، في مشهد يعكس تجاهلًا كاملًا لأدنى قواعد القانون الدولي.

عيد الأضحى 2024

وفي العاشر من ذي الحجة، اليوم الأول لعيد الأضحى، تعرضت منازل وسط مخيم البريج لقصف مدفعي وجوي عنيف، أسفر عن استشهاد عشرات المدنيين، بينهم عائلات بأكملها. وفي الوقت ذاته، صعّد الاحتلال من قصفه على رفح وأطرافها، مخلّفًا مزيدًا من الضحايا والدمار.

عيد الفطر 2025

أما عيد الفطر الأخير، الذي وافق يونيو/حزيران 2025، فجاء مع تصعيد مكثّف استهدف مناطق جنوب القطاع، لا سيما خانيونس ورفح. وبرز من بين المجازر استهداف خيام للنازحين في منطقة المواصي، ما أدى إلى استشهاد تسعة مدنيين، بينهم نساء وأطفال. كما قصفت الطائرات منطقة بني سهيلا، مستهدفة منزلًا مدنيًا، وأسفر الهجوم عن استشهاد طفلةٍ وإصابة خمسة آخرين.

وتزامن القصف مع استعداد المدنيين لأداء صلاة العيد، حيث استُهدف بعضهم أثناء ارتدائهم ملابس العيد، بحسب إفادات الطواقم الطبية وطواقم الإسعاف.

عيد بلا طعام ولا مأوى.. وغزة تحت الحصار

يأتي عيد الأضحى لعام 2025 في ظل حصار خانق ومجاعة متصاعدة، بعد أن أغلق الاحتلال جميع المعابر، ومنع دخول المساعدات، بل واستهدف المدنيين أثناء تجمعهم لتسلّم الإغاثة. يعيش أهالي القطاع في ظروف غير إنسانية، بلا ماء نظيف، ولا غذاء، ولا كهرباء، ولا دواء، وسط دمار شبه كامل للبنية التحتية.

فيما يستقبل المسلمون حول العالم عيدهم بالأضاحي والاحتفالات، يستقبله الغزيون بتشييع جثامين أحبائهم، وبدعوات للنجاة، في وقت تواصل فيه آلة القتل الإسرائيلية قصفها المتواصل بلا هوادة.

لم تعد أعياد غزة محطات فرح أو لحظات تجمع عائلي، بل تحولت إلى رموز للصمود في وجه آلة قتل لا تفرّق بين عيد أو غيره، ولا بين طفل أو شيخ. ومع استمرار الحرب، يُحيي الفلسطينيون أعيادهم بالدمع والألم، ويُصرّون في الوقت ذاته على التمسك بالحياة، رغم الخراب والمجازر، وكأنهم يُعلنون في كل عيد أنهم لا يزالون هنا.. أحياء رغم الموت، وثابتون رغم الحصار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى