كيف أستغل رئيس الموساد الإسرائيلي عصر الجاسوس الطبي PCR..؟!
شبكة الخامسة للأنباء - غزة
الخامسة للأنباء – الأراضي المحتلة – معاريف بقلم- ألون بن ديفيد
اعتبرت تصفية ناشط حماس محمود المبحوح في دبي قبل 12 سنة حدثاً سجل نهاية عصر في عالم التجسس. صحيح أنه لم يتم القبض على أحد من المشاركين في التصفية، لكن السهولة التي حلت فيها شرطة دبي لغز الحدث كانت إشارة إلى أن ما كان لن يكون بعد اليوم. والآن، بعد أكثر من عقد من الزمان، يترجم رئيس الموساد الجديد دادي برنيع هذا الفهم إلى تغيير تنظيمي جسور، ولكنه واجب.
كانت دبي صداماً أول وأليماً بين عالم استخبارات القرن العشرين وتكنولوجيا القرن الواحد والعشرين. خلية اغتيال كبيرة، كلها تصل بتغطية مع وثائق زائفة، ومزودة بزينة وباروكة، وتحيط الهدف إلى أن تضيق عليه وحده فتحقنه بسم في غرفته في الفندق. بعد ساعات من ذلك، يخرج المغتالون من الدولة إلى مقاصد مختلفة في العالم.
لقد ثبت نمط العمل هذا كناجع وناجح في مئات العمليات السابقة التي انتهت بالموت الخفي للهدف وتركت الشرطة المحلية دون طرف خيط.
غير أن دبي منذ ذلك الحين، في 2010، كانت دولة قد اشترت تكنولوجيات حراسة متطورة، وهناك من يقول من الشركات الإسرائيلية. بعد بضعة أيام من التصفية، عرضت الشرطة حلاً شبه كامل للغز: وثائق استخدمها المغتالون، وصورهم في كاميرات المتابعة، وتعقبات الهواتف الخلوية واستعادة الرسائل التي أرسلوها. لم تنجح شرطة دبي في القبض عليهم، ولكنها أظهرت للعالم بأن العالم السري يحتاج لأن يكيف نفسه مع التكنولوجيا الجديدة. منذئذ، تطورت تكنولوجيات المتابعة وقدرات التشخيص البيومتري لدرجة أنه لا يمكن لأي زينة أو باروكة أن تجعلها تخطئ في التشخيص. فاليوم، يمكن الكشف عن هوية الإنسان حتى على أساس صورة جزئية لوجهه، وثمة تكنولوجيات أخرى تعرف كي تشخص حتى شكل سير الإنسان؛ فلكل منا شكل سير خاص به.
إن قدرة إرسال مقاتل سري تحت غطاء شخص آخر أخذت في التقلص، خصوصاً حين يدور الحديث عن دولة عدو، فالمقاتل الذي يلقى عليه القبض لن يعود إلى الديار. وعلى ظهر هذا، جاءت كورونا، وبتنا فجأة مطالبين بفحوصات PCR في الدول التي نهبط فيها، نخلف عنصرنا الجيني على عود الفحص، بحيث إذا ما تناول أحد ما تاركاً عناصره الجينية على عود الفحص، ستكون له من تلك اللحظة قدرة على تشخيصنا بشكل لا لبس فيه.
إشارة التحذير التي ظهرت في دبي قبل 12 سنة أصبحت إشارة ممنوع الدخول صارخة للمقاتلين الإسرائيليين الذي يعملون بهوية مزيفة. وفكرة العمليات الإسرائيلية التي تقضي بأن شبابنا المتميز يتجولون في العالم مزودين بجوازات سفر كندية، وبابتسامات آسرة وبإنجليزية بلكنة الكيبوتس – أخذت في التآكل.
لقد تجذر هذا الفهم في الموساد أيضاً في العقد الذي انقضى ومنشورات في العالم ادعت بأن المزيد من العمليات المنسوبة لإسرائيل نفذها مقاتلون أجانب. فسرقة الأرشيف النووي، وعمليات التصفية في إيران وأماكن أخرى – كل هذه، كما زعم، قام بها مقاتلون ليسوا إسرائيليين.
عندما دخل رئيس الموساد برنيع إلى منصبه السنة الماضية، أتى بفهم استراتيجي مرتب إزاء الشكل الذي يجب فيه على الجهاز أن يظهر ويعمل في العقد الحالي؛ فقرر تأطير هذا الفهم في تغيير تنظيمي عميق. فبالتوازي مع السياقات التي قادها في قسم تسومت لتفعيل العملاء وفي قسم التكنولوجيا، قرر برنيع تغيير وجه اسم قيساريا – القسم العملياتي الذي يستخدم مقاتلين إسرائيليين.
قسم قيساريا هو سفينة العلم داخل الموساد، كما أنه هو الذي خلق فكرته. هذا قسم عرف كيف يزرع جواسيس إسرائيليين في عواصم دول العدو، وكيف ينفذ تصفيات وعمليات جريئة سواء في دول صديقة أم في دول مستهدفة. كان المطلوب شجاعة كبيرة للوقوف أمام هذا الإرث التاريخي والقول إنه لم يعد ممكنًا.
لقد قرر برنيع عمل هذا، ومع تسلمه مهام منصبه، وجه تعليماته لرئيس القسم “ب” للبدء بالعمل مع رجاله على تغيير وجه الوحدة العملياتية. وتبين مع مرور الزمن تبين أن “ب” المقاتل القديم وغني الحقوق لم يقرأ تصميم برنيع. وفي ختام لقاء مشحون بينهما، أشار رئيس الموساد لرئيس قيساريا مكان الباب. في أعقاب ذلك، اعتزل أيضاً نائبه “س” وسلسلة أخرى من مقاتلي الوحدة. وجاء بعده “ب” آخر هو أيضاً مقاتل قديم ليقود الوحدة، وكلف بتحدي اختراع قيساريا من جديد وجعلها ذات صلة في هذا العصر التكنولوجي أيضاً.
يريد برنيع أن يحفظ بعضاً من القدرات الجوهرية في قيساريا: ثمة مهام لا بديل فيها عن المقاتل الإسرائيلي، وهذه ينبغي حفظها وتكييفها مع العالم الجديد. وبالتوازي، فإن قسماً من قدرات الوحدة سيتم استيعابها في أقسام أخرى تعمل وفق مبدأ مختلف. التحدي الذي يواجهه رئيس قيساريا الجديد سيكون أخذ الوحدة التي تميزت دوماً بقدرة ممتازة لخلع وارتداء الهويات وإيجاد هوية جديدة خاصة بها.