مقالات الخامسة

لا حدود مطلقة للقوة الإسرائيلية

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: رجب أبو سرية

منذ أكثر من أسبوع مضى، وبالتحديد منذ أن أعلن الرئيس الأميركي وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، بعد اثني عشر يوما من القصف والقصف المتبادل، والحديث مركز حول مآل حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة والتي هي بالمناسبة تحتوي بين طياتها على حرب لا تقل ضراوة عنها على عموم الأرض الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية، حيث إضافة إلى ما قام الجيش والمستوطنون بقتله من مواطنيها، شهدت بعض مناطقها تهجيرا قسريا بلغ حسب المتابعين 40 ألف مواطن، وذلك بالنظر إلى استنفاد الجيش الإسرائيلي وحكومة الإبادة الجماعية، وبنيامين نتنياهو بدوافعه الخاصة لتلك الحرب، لكل الادعاءات، وبعد أقل من عامين بثلاثة أشهر فقط، بينما صار الحديث الذي كان مجرمو الحرب يتكئون عليه كحجة لمواصلتها، أي القضاء عسكريا وسياسيا على حماس، وتحرير أسراهم بالقوة، هامشيا، بالنظر إلى أن إعلان ترامب وقف الحرب مع إيران، كان بمثابة إعلان عن الانتهاء من آخر فصول الحرب الإقليمية.
وكان منطق بنيامين نتنياهو الذي يتحمل شخصيا وزر تلك الحرب سياسيا وقضائيا وحتى تاريخيا، يقول إنه قد شنها للتخلص من التهديد الإيراني وأذرعه لإسرائيل، وإصرار ترامب على أن قصف الطائرات الأميركية في اليوم الأخير لحرب الإثني عشر يوما، قد دمر المشروع النووي الإيراني بالكامل، ورفضه القاطع لكل تقدير بأن تلك الضربات لم تدمر ذلك المشروع مئة بالمئة، إنما هو تأكيد على أن الحرب قد وصلت آخر محطاتها، وهذا بالضبط ما فتح الباب واسعا للحديث عما تبقى من فصول تلك الحرب، وهو فصلها الأسوأ، والأطول والأكثر فتكا ودمارا، وهو الحرب على غزة، وترامب نفسه، لم يخرج من ذلك السياق، بل قد قال بصريح العبارة، إن الاتفاق مع حماس وشيك، وإن إسرائيل قبلت مقترح ويتكوف مع تعديلاته، والأهم أنه طالب فورا، أي بعد إعلانه وقف إطلاق النار مع إيران، المحكمة الإسرائيلية بإغلاق ملف محاكمة نتنياهو، لإدراكه أن نتنياهو يواصل حرب الإبادة على غزة، حتى يبقي على الائتلاف مع إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ذلك الائتلاف الذي يبقيه رئيسا للوزراء، حيث يمثل له المنصب درعا واقيا إلى حد كبير ضد إدانة القضاء وسجنه أو عزله.
الأمر يعني ببساطة، ورغم كل ما حدث، وحتى مع وجود الفاشيين في الحكم في إسرائيل، ومع أسوأ إدارة أميركية، متمثلة بدونالد ترامب وجوقة الجمهوريين الإنجيليين، أن إسرائيل وأميركا، لم تستطيعا وخلال حرب طاحنة استمرت نحو عامين، تحقيق نصر حاسم وصريح، لا على غزة، ولا على حزب الله، ولا على اليمن، ولا على أنصار إيران في العراق، ولا على إيران نفسها بالطبع، وحتى الإنجاز الحاسم الذي تحقق خلال الحرب، ونقصد سقوط نظام بشار الأسد، فهو لا يسجل في خانة الجانب الإسرائيلي/الأميركي من الحرب، فلم تكن سورية الأسد ضمن أذرع إيران، وفقط كانت تسمح بمرور الإمداد العسكري الإيراني لحزب الله جغرافيا، مقابل انخراط مقاتلي الحزب لجانب جيش الأسد، إضافة لما قدمته إيران من دعم لوجستي عسكري لنظام الأسد طوال أكثر من عشرة أعوام خاضها في حرب مع معارضته العسكرية.
أي أن سورية الشرع ليست أفضل كثيرا بالنسبة لإسرائيل من سورية الأسد، أما حزب الله فقد تضرر ولم يتلاشَ، كذلك كان الحال مع المشروع النووي الإيراني، وحتى حماس في غزة، ما زالت قادرة على أن تقاوم وتفاوض، بل إن إسرائيل وبعد أكثر من عشرين شهرا، ألحقت بقطاع غزة دمارا غير مسبوق، ولم تستطع حتى الآن أن «تحرر» إلا عددا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من المحتجزين الأحياء والأموات، ومن تم تحريرهم فقط تحرروا عبر اتفاقيتي وقف إطلاق النار المؤقتتين السابقتين.
وإذا كان نتنياهو ما زال حتى اللحظة يصر على البحث في اتفاقية جزئية في أحسن الأحوال، ويصر على عدم البحث من حيث المبدأ في بند وقف الحرب، فإن المتابعين بمن فيهم الإسرائيليون من أمثال أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المعارض، يرجحون عودة الحرب بين إسرائيل وإيران، إن لم يكن قريبا، ففي قادم الأيام، وقادم الأيام هذا قد يكون أشهرا أو أعواما، ورغم أن كل هذا التقدير يتناقض أو يتعاكس مع خطة ترامب، الذي اكتفى بالضربة الخاطفة واعتبر أنها حققت الهدف والغرض، وانتهى الأمر، إلا أن دعوة واشنطن لطهران للعودة إلى التفاوض حول البرنامج النووي تدعو للاستغراب، فإذا كانت أميركا وإسرائيل قد دمرتا البرنامج النووي الإيراني، فما هي الحاجة للتفاوض مجددا، بل ما هي الحاجة حتى لذهاب مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية للمحطات النووية الإيرانية ؟!
ولم تكن الحرب خاطفة، إلا في فصلها الأخير، والذي انتهى مع علامات شك كبيرة حول إن كانت الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية على محطات التخصيب الإيرانية قد دمرت تماما تلك المحطات، أو أنها ألحقت دمارا جزئيا وحسب، وهذا دليل على أن القوة الأميركية والإسرائيلية مجتمعتان، لم تعودا قادرتين على فرض إرادتهما حتى لو كانت مشتركة، كما هو الحال فيما يخص البرنامج النووي الإيراني وحلفاء إيران، وبالتحديد حزب الله وحماس، وإلا لانتهت الحرب، بتحقيق أهداف إسرائيل مبكرا، هذا أولا، وثانيا، لما كان على إسرائيل أن تحتاج للمشاركة الأميركية المباشرة، إن كان لتوجيه الضربة القاصمة لحزب الله التي تمثلت بالبيجر واغتيال نصر الله، أو لمواجهة الحوثي في اليمن، ولا إلى ضرب إيران، ولا حتى لكل ذلك التدخل على أكثر من صعيد، من الأمم المتحدة، إلى الإمداد المتواصل بالسلاح والذخائر، كذلك الإسناد الاستخباراتي في كل ساحات القتال.
وإذا كانت غزة تضررت جدا، وكذلك تضررت قوة حزب الله ونفوذه في لبنان، كما تضرر البرنامج النووي الإيراني، خاصة على مستوى البنية التحتية للبرنامج، أي المفاعلات، وليس اليورانيوم المخصب، أو أجهزة التخصيب نفسها، فإن إسرائيل قد تضررت جدا بالمقابل، فقد سقط منها قتلى عسكريون ومدنيون، ولحق بها دمار، وتشرد سكان مدن الشمال وغلاف غزة طول فترة الحرب، كما لحقت بها اختراقات استخباراتية وأمنية، ولأول مرة كانت مدنها، بل كل الجغرافيا الإسرائيلية داخل دائرة الحرب، من إيلات إلى حيفا مرورا بتل أبيب، أما على صعيد المكانة الدولية، فحدّث ولا حرج، فقد أصبحت إسرائيل موسومة في كل العالم، بسمة الدولة مرتكبة حرب الإبادة الجماعية، تماما كما كانت جنوب إفريقيا البيضاء موسومة بأنها دولة نظام الفصل العنصري، وكما كانت ألمانيا النازية موسومة بارتكاب جرائم الحرب.
وتكفي الإشارة هنا، إلى ما صارت إليه مكانة إسرائيل في أوروبا بالتحديد، والتي كانت بمجموع دولها وثقلها الكوني، مع الولايات المتحدة، الدرع الحامي لدولة إسرائيل، وصارت دولها منفردة ومجتمعة تندد ليل نهار بحكومة إسرائيلية كمجرمة حرب، وهذا لم يكن موقفا سياسيا ولا نابعا من مصالح أوروبية لا مع فلسطين، ولا مع الدول العربية، بل كموقف أخلاقي، وفلسطين دولة تستند للقانون الدولي حتى تتحقق، ولدعم الأوربيين حتى تقدم خدماتها لشعبها، أما العرب فهم يتخذون مواقف مناوئة بدرجة أقل بكثير من الأوروبيين، وهذا يؤكد أن موقف الأوروبيين من ثنائية إسرائيل وفلسطين اليوم، ليس مدفوعا بالمصلحة مع العرب.
يبقى السؤال هنا، هو أيا تكن النتيجة التي ستتوقف الحرب على غزة عند حدودها، فإن الترتيبات الإقليمية والدولية هي التي ستحدد ما ستكون عليه إسرائيل وفلسطين وغزة في المستقبل القريب، وهذا يحدث بعد انقضاء الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أي بعد نحو ثلاثة عقود ونصف من انتهاء الحرب الباردة، والتي على اثرها توجت أميركا كزعيم وحيد للنظام العالمي، وكان يمكن حينها أن يعني ذلك «تتويج» إسرائيل، باعتبارها أميركا الشرق الأوسط كزعيم أوحد إقليمي، لكن ذلك لم يحدث، وهذا يرجح بأن الشرق الأوسط الجديد، لن يكون كما يحلم به نتنياهو، أي شرق أوسط إسرائيلياً، لأن النظام العالمي نفسه، لم يعد النظام العالمي الأميركي، وهذا يعني بكل بساطة، أن القطار قد فات ثالوث إسرائيل الكبرى، أي سموتريتش وبن غفير ونتنياهو، وإذا كانت أميركا نفسها، بجبروتها العسكري، لم يكن بإمكانها أن تطلق العنان لقوتها العسكرية لمواصلة الحرب على إيران، فإن إسرائيل لن يكون بمقدورها، لا أن تفرض ترتيبها الخاص بالقوة على الشرق الأوسط، ولا حتى إغلاق أبواب المقاومة على الشعب الفلسطيني، حتى لو أخرجت حماس من المشهد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى