لماذا يستعجل ترامب وقف الحرب؟
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

الكاتب: طلال عوكل
خلافاً لمرّات كثيرة سابقة، خلّفت خيبات أمل متكرّرة بشأن تصريحات متفائلة حول قرب التوصّل إلى اتفاق بشأن الحرب الإبادية على غزّة، يبدو أن دونالد ترامب جاد في هذه المرّة بممارسة ضغط فعّال على الحكومة الإسرائيلية للقبول بصفقة.
يبني ترامب تحرّكه السياسي نحو وقف الحرب بطريقة أو بأخرى على أنه نجح في تحييد إيران وبرنامجها النووي، بعد أن نجحت الولايات المتحدة الأميركية في الفصل بين محاور المقاومة في المنطقة، بما يمكنه من الحصول على صفقة مع المقاومة الفلسطينية تتسم في جوهرها، بشكل أو بآخر من أشكال الاستسلام.
داعية السلام، والمهووس بالصفقات، يعتقد أن تحقيق السلام الذي ينتظره، يقوم على مبدأ وأساس استخدام القوة لإرغام أي طرف عدا دولة الاحتلال على الاستسلام والقبول بالاشتراطات الأميركية والإسرائيلية.
لم يحصل ترامب على الإذعان من قبل إيران كما كان يدعو، ولذلك فإنه يواصل تهديداته بالعودة إلى القتال للإجهاز على النظام الإيراني، وكل ما يملك من إمكانيات قتالية، وبقايا المشروع النووي.
إذا كانت أميركا، هي من أدار الحروب في المنطقة وموّلها بكل أنواع وأشكال الدعم، فإنه لن يترك لنتنياهو المجال، لكي يقرر مصير المنطقة.
ترامب فقد الثقة على ما يبدو بقدرة دولة الاحتلال على خدمة الأهداف والمصالح الأميركية وحتى الإسرائيلية، بينما هو يستعجل الحصاد نحو إعادة ترتيب المنطقة وفق ما تقتضيه المصالح الأميركية، وضمان أمن الدولة العبرية. تجربة الحروب الإجرامية الجارية منذ «طوفان الأقصى»، أكدت بما لا يدع للاجتهاد أن دولة الاحتلال ما كانت لتصمد كل هذا الوقت من دون الدعم الأميركي الذي لم يتوقّف.
حرب الـ 12 يوماً مع إيران أكدت لدى الإدارة الأميركية وغيرها، أن الردع الإسرائيلي بكل ما يملك لم ينجح في تجنب وصول الصواريخ الإيرانية، رغم مشاركة أميركا، ودول أخرى مارست دوراً عملياً كبيراً في اعتراض الصواريخ الإيرانية.
وربما بات ترامب يدرك، منذ وقت ليس قصيراً، أن نتنياهو يخوض حروباً عدوانية، بدوافع شخصية وسياسية تستنزف الجيش والاقتصاد الإسرائيلي من دون أهداف واضحة، سوى القتل الجماعي والتدمير، الذي يقوّض مكانة دولة الاحتلال ومن يقف إلى جانبها، ويهدم كل منظوماتها الأخلاقية.
ترامب يسعى لإيجاد مخارج لإنزال نتنياهو عن الشجرة عَبر تضخيم دوره كبطل تاريخي، وإقناعه بوهم انتصار لم يتحقق، ومكافأته بإزالة التهديد القضائي عنه.
يقترح ترامب مخرجاً لنتنياهو، عَبر تسوية تضمن إنهاء ملفّاته القضائية، فضلاً عن وعود مبهمة، قد تستهدف إعادته للحياة السياسية مع بدائل لحلفائه الحاليين في الحكومة.
الفكرة ليست جديدة، فقد كان الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ قد أشار لها في تصريح قبل عدة أشهر، ما يعني أنه جاهز للتعاطي مع هذه التسوية، وإصدار عفوٍ عن نتنياهو.
التدخّل الأميركي السافر في المنظومة الداخلية للقضاء الإسرائيلي لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام على الأطراف السياسية الفاعلة في دولة الاحتلال، باعتبار أن ذلك يقوّض المنظومة القضائية ويمسّ على نحوٍ صارخ بالاستقلالية النسبية للدولة، ويشكّل سابقة لتسليم قرارها بيد أميركا.
تتلاقى وتتزامن تصريحات ترامب بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة تبادل، مع تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير الذي يقول: إنّ الصفقة إنْ تمّت فإنها تأتي في توقيت مناسب وإن جيشه بات قريباً من إنجاز مهمّته، وإنه لا يسعى لخوض حرب أبدية، فضلاً عن تصريحات لعديد من وزراء «الليكود».
نتنياهو قلق ومرتبك، ومشغول في كيفية التعامل مع حلفائه، وهو يحاول تأجيل زيارته حيث تم استدعاؤه إلى واشنطن لكي يتزامن وجوده مع الإفراج عن الرهائن كما قال ترامب.
سيحاول نتنياهو الحصول على وعود أميركية تتجاوز البعد الشخصي الخاص بملفاته القضائية، خصوصاً فيما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة، في الاتجاه الذي يخدم السياسة الإسرائيلية الساعية لتصفية القضية الفلسطينية.
ولكن ما الذي يدعو ترامب إلى الاستعجال، لإنهاء الحرب الإبادية بعد كل هذا الوقت عدا أن نتنياهو فشل في تحقيق أي هدف من الأهداف التي تحدث عنها بشأن كل ملف القطاع؟
لا شكّ أن المناخ الإقليمي الذي تولّد بعد حرب الـ 12 يوماً على إيران، يدفع ترامب لتتويج ذلك، بمكاسب سياسية واقتصادية.
الحرب إن توقفت على ما جرى، من دون إنجازات سياسية وحالة استقرار هشّة في المنطقة، فإن ذلك لا يعني أن أميركا حققت الانتصار في ظلّ صمود إيران، وتمسّكها بمواقفها المتصّلبة.
لا شكّ أن الادعاء بتحقيق الانتصار في الإقليم يتطلّب الانتقال إلى «اليوم التالي»، نحو توسيع «اتفاقات أبراهام» بأبخس الأثمان.
لا يمكن حتى الحديث عن «اليوم التالي» طالما أن الحرب العدوانية على القطاع مستمرة، حيث إن ذلك يتسبّب في حرجٍ كبير للدول العربية والإسلامية المستهدفة بـ»التطبيع».
سيدّعي ترامب أنّ وقف الحرب والانتقال إلى مرحلة «التطبيع» يشكّلان انتصاراً لدولة الاحتلال، التي أرادت فرضه على العرب بالقوة، وانتصاراً لأميركا التي أثبتت أنها ملتزمة بحماية أمن حلفائها العرب والتخلّص من أيّ تهديد يستهدفهم.