أقمار الصحافةالرئيسية

محمد المنيراوي… حكاية صحفي كُتبت نهايتها بالدم وبقيت كلماته تضيء درب الحقيقة

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

محمد المنيراوي .. أقمار الصحافة إعداد: آمنة غنام

في زاوية مكتبه في صحيفة فلسطين يجلس واضعًا سماعة أذنه، يحرر الأخبار ويجهز تقاريره، يجري اتصالاته ولا يفارقه دفتر ملاحظته، عقدٌ ونيّف من الزمن في مجال الصحافة ومحمد المنيراوي هادئ الطباع، يعمل بشكل دؤوب وكلمات لا تنضب ليكون صوتًا للحقيقة ومرآة لعين الواقع الذي يعيشه قطاع غزة، ولكن ليلة وضحاها أصبح الصحفي هو محتوى الخبر.

مولد ونشأة الشهيد الصحفي محمد أحمد يوسف المنيراوي

ولد الشهيد الصحفي محمد أحمد يوسف المنيراوي في الثاني من نوفمبر عام 1989 في مخيم جباليا عاش وتعلم وتزوج وأنجب طفلتيه “شام وليلى” بين حكايا المخيم وألم الفقد، واختار أن يمضي في طريق الحقيقة وايصال صوت الفلسطينيين إلى العالم أجمع.

صانع الأمل

عُرف عن محمد أنه كان مثالًا للصحفي المثابر، كما كان نموذج للإنسان صانع الأمل، واكب عمله الوظيفيّ بإكمال دراسته العليا وحصل على درجة الماجيستير في الصحافة والإعلام، وقد ارتبط مساره المهني بجانبه الإنساني والاجتماعي، فعقد قرانه على زوجته واحتفل بمناقشة رسالته للماجيستير وخطوبته في آنٍ معًا.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

قالت زوجته: “كان بارا بوالديه، حنونا على طفلتيه، رغم عمله وانشغاله لساعات طويلة، لكن كان حريصًا على أن يقوم بواجباته تجاهنا، يوفر الطعام والدقيق وكل ما تطاله يده، حتى ليلة استشهاده كان يحاول جاهدًا ألا ينقصنا شيء”.

وتابعت: “ليلة استشهاده كانت طفلتنا ليلى مريضة، وكنا سنذهب في صباح اليوم التالي إلى الطبيب من موقع نزوحنا في النصيرات إلى طبيب في مدينة غزة، ولكن الاحتلال لم يمهلنا أن تشرق علينا شمس اليوم التالي، فكانت صواريخه أقرب إلينا من يوم جديد”.

لحظات الرحيل الأخيرة

وعن تفاصيل ليلة الرحيل قالت: “كان محمد يشعر بأنها الساعات الأخيرة، أتى بهاتفه إليّ وقال: هذا باسوورد جوالي، وهذا باسوورد حسابي البنكي والمحفظة، وهذا حسابي على فيسبوك وواتس آب وتليغرام وجيميل وسامسونج وهذا رقم فك تشفير المحادثات، هذا دين فلان وفلان، هذه حقيبة كذا وكذا، بوصيكِ على أمي وديري بالك على حالك وعلى البنات”.

يذكر أن محمد المنيراوي استشهد مع والدة زوجته الشهيدة ميرفت الخالدي. فيما أصيبت زوجته وطفلتيه بجراح طفيفة، ملتحقًا بشقيقه وحيد المنيراوي الذي ارتقى عام 2023 في قصف إسرائيلي شمال القطاع.

شهادة الزملاء: كاريزما خاصة وحضور مهني

فيما قال زميله الصحفي نبيل سنونو: “محمد كان إضافة نوعية للإعلام الفلسطيني، وتميز بقلم إبداعي ودقة مهنية عالية. وكان حريصاً على قضايا وطنه وأمته، متفانياً في رفع شأن القضية الفلسطينية والتصدي إعلامياً لكل ما يحيط بها من مخاطر”.

ويضيف أن ما جعل محمد في صدارة المشهد الصحفي هو امتلاكه شخصية صحفية لافتة وكاريزما خاصة. مع قدرة على إدارة العمل التحريري بدقة نادرة.

وعن علاقته بزملائه قال سنونو: كانت علاقة أخوة وصداقة صادقة، فـالشهيد كان يمتلك روحاً مرحة تخفف من ضغط العمل اليومي. ويزرع في المكتب أجواءً من الألفة والتعاون رغم صعوبة الظروف.

رحيل محمد في فجر النصيرات

كما نعاه المدير العام لصحيفة “فلسطين” د. إياد القرا وكتب: “وين يا مديري؟ هكذا يناديني محمد منذ 15 عامًا.. محمد المنيراوي أبو وحيد كما أحب أن نناديه، العزيز والزميل والحبيب الصحفي يلتحق اليوم بشقيقه وحيد شهيدًا في قصف الاحتلال على النصيرات.. وداعًا محمد”. وأضاف: “لا تكفيك الكلمات حقك، ولا يفيك الحبر ما قدمت من صدقٍ ومروءةٍ.. رحمك الله وجمعك بأخيك في عليّين”.

فجر الرحيل القاسي

في فجر التاسع والعشرين من أكتوبر لعام 2025 كان محمد يستعد لأداء صلاة الفجر في خيمته بمنطقة السعافين في مخيم النصيرات وسط القطاع. كانت تراقبه زوجته بصمت وهو يبدو عليه علامات الحيرة وكأنه يبحث عن بابًا للخروج ولا يجده وكأن روحه تتهيأ لتغادر هذه الدنيا.

ما هي إلا ثوانٍ وانقلب الهدوء إلى فاجعة حيث قصفت طائرات الاحتلال خيمة محمد بشكل مباشر. وبعد أن انتشلت زوجته نفسها وطفلتها من تحت الركام، أخذت تبحث عنه لتجده ممددًا مدمى الجسد، كان نبضه يغادر جسده ببطء حتى توقف.

وقاحة القاتل وتبرير الجرائم

من جديد عاد الاحتلال ليبرر جرائمه بأكذوبة جديدة ليجعل استهداف الصحفيين مسوقًا ويحمل شرعية. حيث زعم أن الشهيد محمد المنيراوي كان مسؤولًا عن وحدة مضاد الدروع في شمال قطاع غزة. كما حاول أن يبرر من قبل استهداف أنس الشريف ومصطفى ثريا وإسماعيل الغول وشيرين أبو عاقلة وغيرهم من الصحفيين.

الحكاية

رحل محمد في قصفٍ إسرائيلي اخترق هدنة هشة مازال يدفع أبناء قطاع غزة ثمنها يوميًا. تاركًا خلفه حكاياتٍ ظلّ يحاول أن يمنحها حقّها من الضوء. استشهد الصحفي محمد الذي كان يقاتل بالكلمة ليمنح العالم رواية الشهداء التي يحاول الاحتلال إسكاتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى