من خلف المايكروفون إلى سجل الخالدين… حكاية شهيد الإعلام محمد علي
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

حكاية شهيد الإعلام محمد علي إعداد: طارق وشاح
وُلد الصحفي الفلسطيني محمد محمد عبد الرحمن علي (أبو عهد) في 30 ديسمبر 1992 في جباليا شمال قطاع غزة، ونشأ وسط عائلة متواضعة في مشروع بيت لاهيا، محبة للعلم والعمل. أنهى دراسة البكالوريوس في كلية الإعلام بجامعة الأزهر بتفوق، حيث حصل على معدل امتياز وكان الأول على دفعته. منذ صغره، أبدى شغفًا كبيرًا بالتكنولوجيا والصوتيات، فجمع بين حبه للتقنية والإعلام، وبدأ رحلته الصحفية بصوته الهادئ وابتسامته الدائمة.
من التطوع إلى راديو الشباب.. إعلامي لا يعرف المستحيل
بدأ محمد مسيرته متطوعًا في بلدية بيت حانون، ثم التحق بـ راديو الشباب، حيث عمل معدًا ومقدمًا للبرامج، ثم أصبح مدير قسم الهندسة الصوتية. ترك بصمته في كل تفصيل تقني يخص البث، واشتهر بجُهده المتواصل وخبرته العالية. وصفه زملاؤه بـ”السند الحقيقي” ، لا يبخل بعلمه أو وقته، وكان أول من يبادر لإصلاح الأعطال حتى في أقسى الظروف.
عُرف بدماثة خلقه وروحه المرحة، وكان وجوده يخفف وطأة الحرب على فريقه. ورغم أنه لم يكن مراسلًا ميدانيًا، لعب دورًا حيويًا خلف الكواليس، وسهر طويلًا ليبقي صوت غزة حاضرًا. خلال الحروب السابقة، لم يغادر مقر الإذاعة إلا بعد تهديد الاحتلال للبرج الذي يضم المقر، لينتقل لمواصلة عمله من مجمع الشفاء الطبي.
“منصورين بإذن الله”.. آخر الكلمات قبل الرحيل
في مساء 19 أكتوبر 2023، عاد محمد إلى منزله في بيت لاهيا لتفقد أسرته، رغم أوامر الإخلاء. وفي اتصال هاتفي قبل دقائق من استشهاده، قال لصديقه أحمد أبو جراد: “مش طالع من بيت لاهيا.. ولدت فيها وحأموت فيها.. وما بشيل الراس إلا اللي خلقها.. اللي حط الراس هو اللي بشيلها، ومش متزحزح من مكاني”.
رحل محمد، وبقي صوته شاهدًا على الصبر والمقاومة.
استهدفت طائرات الاحتلال المبنى السكني، فاستُشهد محمد برفقة زوجته “مي أحمد عبد الرحمن علي” وابنتهما الصغيرة “سلمى”، فيما نجت ابنته الكبرى “عهد” لتبقى شاهدة على الفاجعة. كما استُشهد معهم والديه و زوجة اخوه وبناتها، واخته وزوجها وأبنائهم وعدد من أبناء عمومته.
نعته نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ووصفتْه بأنه “من أكثر المهندسين إخلاصًا للمهنة”. وكتب أحد زملائه: “كان يصلح الأعطال التقنية، ويُصلح القلوب بكلماته الطيبة.”
رحل الجسد.. لكن الصوت باقٍ
في ذاكرة زملائه، كان محمد ناشطًا شبابيًا نادر الطيبة، يعمل بصمت، لا يرفض طلبًا، ولا يتأخر عن مساعدة أحد. تقول إحدى زميلاته: “كان يضحك رغم القصف، يطمئن على الجميع قبل نفسه.”
ترك محمد إرثًا من الإخلاص والإنسانية: أبًا لطفلتين، ومهندسًا للصوت، ومقاتلًا خلف المايكروفون.
“غزة تدفن صوتًا… وتُنبت ألفًا”
رغم غياب جسده، لا يزال صوته يتردد في أرشيف الإذاعة وقلوب من عرفوه. فقد كان من أولئك الذين حوّلوا الاستوديو إلى خندق، والميكروفون إلى سلاح. صوته اليوم… صدى لا يُقهر.