نحو قانونٍ عربيٍّ موحّد لملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الإسرائيلية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب ديمتري دلياني:
تعمل الكنيست الإسرائيلية في هذه المرحلة على إقرار قانونٍ للإعدام يُضفي شرعيةً قضائيةً على قتل الإنسان الفلسطيني، ويكرّس موقع القضاء الإسرائيلي كأداةٍ تنفيذية في خدمة أهداف دولة الإبادة. إنّ هذه الخطوة تعبّر عن انتقالٍ رسميٍّ ومعلنٍ في وظيفة المنظومة القانونية داخل كيان الاحتلال، وتختزل الحق في الحياة في امتيازٍ يخضع لمعيار العرق والانتماء الوطني.
القانون المطروح أمام الكنيست ينصّ على فرض عقوبة الإعدام على كل من يُدان بقتل إسرائيلي بدافعٍ يُصنّف بأنه كراهية أو تهديد لأمن الدولة، في حين صيغت مواده بطريقةٍ تسمح بتوسيع نطاق التنفيذ ليشمل أي فعلٍ فلسطيني يمكن تأويله سياسياً أو أمنياً. أمّا الإسرائيلي الذي يقتل الفلسطينيين، سواء بصفةٍ عسكرية أو مدنية، فيبقى بمنأى عن الملاحقة والعقاب. إنّ هذا النصّ يشكّل امتداداً طبيعياً للعقيدة الصهيونية التي تقوم على التمييز العنصري وتستند إلى نزع الإنسانية عن الفلسطيني لتبرير إبادته.
إنّ مشروع القانون الإسرائيلي يشكّل خرقاً فاضحاً للمنظومة القانونية الدولية، إذ يتناقض مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 الذي يحظر العقوبات القائمة على أساسٍ عرقي، ويتصادم مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965، كما ينتهك أحكام اتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تمنع سلطات الاحتلال من فرض عقوباتٍ جسدية أو أحكامٍ بالإعدام بحق السكان المدنيين الخاضعين لسلطتها الاحتلالية. ويؤدي هذا التشريع إلى تحويل المحاكم العسكرية في الأراضي المحتلة إلى ساحات إعدامٍ مشرعة قضائياً.
إنّ ما يجري في الكنيست لا ينفصل عن المشروع الإبادي الأشمل الذي تتبناه الدولة الإسرائيلية بحق أبناء شعبنا في غزة وسائر فلسطين. فالاحتلال يسعى إلى إدماج جريمته في نسيج نظامه القانوني، بحيث تصبح الإبادة جزءاً من البنية المؤسسية للدولة، ويُحوَّل الإعدام من فعلٍ عسكري إلى فعلٍ تشريعي يوقّعه القاضي بصفته ممثلاً للدولة.
أمام هذا الانحراف العميق، بات من الضروري أن تتحرك جامعة الدول العربية لإطلاق قانونٍ عربيٍّ موحّد لملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الإسرائيلية، يستند إلى مبدأ الاختصاص القضائي العابر للحدود، ويُلزم كل دولةٍ عربية بمحاكمة أي فردٍ شارك أو موّل أو حرّض على جرائم الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية بحق أبناء شعبنا. ويستمدّ هذا القانون شرعيته من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 ومن الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 2004، ويمكن تفعيله من خلال مجلس وزراء العدل العرب الذي يملك صلاحية التنسيق القضائي والتعاون بين الدول الأعضاء.
كما يُستحسن إنشاء هيئة عربية خاصة للعدالة في فلسطين تتولى جمع الأدلة، وتوثيق الجرائم، ومتابعة القضايا أمام المحاكم الوطنية والإقليمية، وتقديم الملفات إلى المحاكم الدولية عند الحاجة. ويجب أن يتضمّن القانون نصوصاً واضحة تنص على العقوبات القصوى، بما فيها عقوبة الإعدام، بحق من يثبت تورطه في ارتكاب الإبادة أو التواطؤ فيها.
إنّ هذه المبادرة تمثل استعادةً عربيةً لكرامة العدالة في مواجهة الانهيار الأخلاقي للمجتمع الدولي الذي أخفق في وضع حدٍّ لدولةٍ جعلت من الإبادة ممارسةً يومية ومن القانون أداةً لتبرير الجريمة. فحين تفشل العدالة الدولية في حماية الحق في الحياة، تصبح العدالة العربية مسؤوليةً تاريخية وأخلاقية وسياسية، وركيزةً لحماية الوجود الفلسطيني من نظامٍ استعماريٍّ جعل من القتل مشروع دولة.




