تقاريرثابت

نزوح تحت النار… معاناة لا تُحتمل وتكاليف تفوق الخيال

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

نزوح تحت النار .. تقرير خاص إعداد: سهر دهليز

النزوح في قطاع غزة ليس مجرد انتقال جغرافي من مكان إلى آخر، بل هو اقتلاع قسري تحت نيران القصف، واندفاع قهري نحو المجهول. آلاف العائلات تُجبر يوميًا على مغادرة منازلها المدمرة، مثقلة بالخوف ومرارة الفقد، بحثًا عن مأوى قد لا يحمل لهم شيئًا من الأمان.

فواقع النزوح هو رحلة يومية تتكرر تحت النار، لا تشبه أي تجربة إنسانية أخرى. فهو ليس هروبًا من الموت فقط، بل اصطدامًا مباشرًا مع التشرد، الجوع، وانهيار مقومات الحياة. وسط غياب أي حماية دولية أو حلول واقعية، وحال النازحين في غزة بات عنوانًا صارخًا لكارثة مفتوحة. تتفاقم يومًا بعد يوم، في ظل صمت العالم وتجاهله المتعمد لمعاناة المدنيين.

تكاليف النزوح الخيالية.. عبء يفوق الاحتمال

في ظل الانهيار الكامل للبنية التحتية وتوقف معظم أشكال الدعم، لم تعد رحلة النزوح مجرد قرار صعب. بل أصبحت تحديًا ماليًا يعجز عنه معظم سكان غزة. حيث تشير تقديرات ميدانية إلى أن تكلفة النزوح لأسرة واحدة قد تتجاوز 3,000 دولار. وهو مبلغ يفوق قدرة الغالبية العظمى من العائلات المحاصَرة.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

تفاصيل التكلفة:

– النقل: من 800 إلى 1,000 دولار، بحسب المسافة وعدد الأفراد وحجم الأمتعة.
الخيمة: يصل سعرها إلى 700 دولار، رغم أنها لا تضمن أدنى مقومات الكرامة الإنسانية.
– استئجار أرض: تتراوح التكلفة ما بين 400 و600 دولار شهريًا، لمساحة صغيرة تُستخدم كملاذ مؤقت.
– مستلزمات أساسية (شوادر، خشب، أدوات بسيطة): تقترب من 1,000 دولار إضافية.

أمام هذه الأرقام الصادمة، تجد الكثير من العائلات نفسها عاجزة عن النزوح، ليس لأن الخطر بعيد عنها. بل لأن تكاليف الفرار من الموت باتت تفوق قدرتها على البقاء حيّة. وهكذا، تُترك بين خيارين أحلاهما مرّ: البقاء في منازل مهددة بالقصف، أو البدء برحلة نزوح لا تقوى على كلفتها الجسدية والمالية.

شهادات من قلب المأساة

لم يعد النزوح في غزة مجرد انتقال اضطراري، بل تحوّل إلى رحلة عذاب مفتوحة، تتخللها تكاليف باهظة وواقع معيشي مأساوي، في ظل انعدام المأوى وتواصل القصف حتى في المناطق التي توصف بأنها “آمنة”.

يقول أبو محمد، ربّ أسرة نازحة من شمال القطاع: “طلعت من بيتي وما قدرت آخد غير شوية هدوم للولاد. دفعت 900 دولار بس عشان سيارة تنقلني أنا وعيلتي للنصيرات. ولما وصلت، ما لقيت لا خيمة ولا مكان، ونمنا على الأرض”.

أما أم علاء، فتروي جانبًا آخر من المعاناة: “الخيمة اللي اشتريتها بـ700 دولار ما بتحمينا من الحر ولا المطر. كل يوم بقول لحالي: لو قعدت في البيت المهدوم، كان أهون من إني أعيش هيك قدام عيالي”.

الجنوب لم يعد يتسع للنازحين

تشير البيانات المحلية إلى أن أكثر من مليون ونصف نازح تكدسوا في جنوب ووسط القطاع منذ بدء العدوان. وهو ما فاق قدرة هذه المناطق على الاستيعاب. فالساحات العامة والمدارس امتلأت بالكامل، وتحولت الطرقات إلى مخيمات عشوائية. ولم تعد هناك مساحة لزرع خيمة جديدة.

وفي الوقت الذي يُفترض أن تكون هذه المناطق ملاذًا، فإن الاستهداف المتكرر طال حتى ما يُوصف بـ“المناطق الآمنة”. ما أبقى النازحين في دائرة الخوف المستمر، بلا مأوى حقيقي، ولا حماية، ولا أدنى شعور بالأمان.

مأساة مركّبة

لا تقتصر معاناة النازحين في قطاع غزة على فقدان المأوى، بل تتسع لتشمل جميع جوانب الحياة. في ظل انهيار كامل للبنية التحتية وغياب أدنى مقومات البقاء.

وحذّرت الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية مرارًا من أن أوضاع النازحين في غزة بلغت حدّ الكارثة الشاملة. وسط تصاعد المخاوف من تدهور أكبر في حال استمرار العدوان.

أضافت: “أن انعدام الأمن الغذائي، غياب المياه النظيفة، نقص حاد في الأدوية، وانهيار المنظومة الصحية. كلها عوامل تحوّل النزوح إلى معركة يومية من أجل البقاء”.

يقول أحد الناشطين الإغاثيين لشبكة الخامسة: “النزوح في غزة لم يعد خيارًا، بل هو معركة يومية للبقاء على قيد الحياة. العائلات إما تواجه القصف في بيوتها، أو تواجه الجوع والمرض والتشرد في الخيام. كل الطرق تؤدي إلى المأساة”.

نزوح بلا أفق… ولا أمل

مع استمرار القصف الإسرائيلي وتقلّص المساحات “الآمنة”، لم يعد لدى العائلات النازحة أي أفق واضح.
لا أماكن كافية للإيواء، لا ضمانات بالحماية. ولا قدرة مادية لتحمّل نزوح جديد في حال تعرّض مناطق اللجوء الحالية للقصف مجددًا، كما حدث مرارًا.

تقول تقارير أممية إن أكثر من 1.9 مليون شخص نزحوا داخليًا في قطاع غزة، وهو ما يُمثّل أكثر من 85% من سكانه.

وفي هذا السياق، يصبح النزوح وجهًا آخر من وجوه الإبادة البطيئة التي يتعرّض لها الفلسطينيون. حيث يُجبر الناس على التخلي عن بيوتهم، ومدخراتهم، واستقرارهم، وعيشهم تحت سقف الخوف والجوع والتشرد. وسط صمت دولي مريب، وأن هذا الواقع لا يكشف فقط عمق المأساة الإنسانية في غزة. بل يُبرز أيضًا غياب الحد الأدنى من الحماية والدعم الدولي للمدنيين، في ظل كارثة مركبة تتجاوز حدود القدرة على التحمّل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى