شبكة الخامسة للأنباء - غزة

مصطفى إبراهيم
تتفق غالبية من الخبراء الاستراتيجيين والمحللين العسكريين الإسرائيليين وقادة في الجيش الإسرائيلي، أن إسرائيل لا تستطيع القضاء على البرنامج النووي الإيراني بمفردها، وأن حسم المعركة يتوقف على قرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بتقلب مزاجه وميله لتجنب الحروب. إلا أن استثمار “النجاح الإسرائيلي” قد يكون مغريًا له لإعلان نفسه من قضى على التهديد الإيراني بالقوة.
تدعي إسرائيل إن الإنجاز العسكري في الأيام الأولى من الحرب كان مذهلاً، وغيّر الموقف الأمريكي – وكأنه كان معارضاً للحربّ. لكن محللين عسكريين نقلوا عن قادة في الجيش الإسرائيلي قالوا: أن الحرب بدأت تستنزف قدراتها، والخشية من دخولها في حالة استنزاف مع تراجع فعالية الضربات الجوية، وهذا يهدد بتحول الهجوم إلى نتائج هامشية متناقصة. ما يفتح الباب أمام مشاركة أمريكية محتملة.
وعلى الرغم من القدرات الكبيرة لسلاح الجو الإسرائيلي، يعترف مسؤولون إسرائيليون بعدم قدرتهم على تدمير منشأة فوردو المحصنة بمفردهم، وهو ما يتطلب مشاركة أمريكية مباشرة. قاذفات “بي-2” الأمريكية التي يمكنها تنفيذ المهمة غير متاحة للإيجار، ولا يمكن للإسرائيليين قيادتها دون تدريب طويل، ما يجعل قرار ترامب حاسمًا.
صحيفة فاينانشال تايمز تحدّثت عن “متلازمة تاكو” التي تصف تراجع ترامب عن المواجهات في اللحظة الأخيرة، وهي تهمة تُثير غضبه وتدفعه للتفكير باستغلال الضربات الإسرائيلية لإعادة تشكيل صورته كرئيس قوي لا يتهاون مع التهديدات.
ونقلت وسائل اعلام أمريكية أنه خلال قمة مجموعة السبع في كندا، رفض ترامب تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن سعيه لوقف إطلاق النار، وأكد أن “الأمر أكبر بكثير”. كما هاجم الإعلامي اليميني تاكر كارلسون ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد بسبب مواقفهم الانعزالية، مؤكداً أن “أميركا أولاً” لا تعني السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
وحسب ما ذكرته صحيفة هآرتس أن ترامب قد أبدى دعمه للتقييمات الإسرائيلية التي تؤكد أن إيران تقترب من إنتاج قنبلة نووية، وهو ما يستخدمه الجناح الجمهوري المتشدد كذريعة للضغط على ترامب لتوجيه ضربة حاسمة وربما السعي لتغيير النظام.
لكن رغم هذه المؤشرات، يبقى ترامب مترددًا، ومتقلبًا في مواقفه من إيران، حتى قبل ساعات من الهجوم الإسرائيلي الأخير، ولا يبدو أن القرار النهائي سيتضح إلا إذا سقطت القنابل فعليًا على فوردو.
الإعلام الإسرائيلي يروّج لإنجازات كبرى في الأيام الأولى من الحرب، منها تعطيل نصف منصات الصواريخ الباليستية، وتدمير 40% من الصواريخ القادرة على ضرب العمق الإسرائيلي، واعتراض أكثر من 90% من الصواريخ و250 طائرة مسيّرة إيرانية. ويعتبر الجيش الإسرائيلي هذه النجاحات قفزة نوعية، مقارنة بعجزه العام الماضي في مواجهة طائرات حزب الله المسيّرة.
مع ذلك، لا تضمن هذه النجاحات تفادي وابل جديد من الهجمات أو حماية الطيارين الإسرائيليين في الأجواء الإيرانية. وفي حين تصاعدت الثقة مع الأداء الميداني، تبقى نهاية العملية مفتوحة، ما لم يتحقق الحسم عبر فوردو، وهو ما يرتبط بشكل مباشر بموقف ترامب.
الجيش الإسرائيلي، رغم رغبته في مواصلة الضربات، يوصي بتجنّب حرب استنزاف قد تقوّض ما تحقق. من دون خطة خروج سياسية، وضربة قاصمة لمنشآت إيران النووية، قد يتحول “الإنجاز” إلى عبء ثقيل.
وحسب المحللين الإسرائيليين أن بداية التحول جاءت مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما غيّر تعامل واشنطن مع طموحات نتنياهو. في يونيو/ حزيران، حصلت تل أبيب على الضوء الأخضر “الأكثر اخضراراً” حسب الوصف، بدأت منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 فرق مشتركة من سلاح الجو والاستخبارات والوحدة 8200 في بلورة خطة هجومية متقدمة، طُبقت جزئياً في اذار/ مارس، وبلغت ذروتها في الضربة الأخيرة.
وعلى ضوء ما ذكر وتهديد الجبهة الداخلية الإسرائيلية والخسائر التي تلحق بإسرائيل، فإن الرأي العام الإسرائيلي يعتبر أن الوقت لا يزال مبكرًا للحكم على الحرب، وذلك وفق استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بعد الأيام الثلاثة الأولى، أظهر رضاً واسعاً عن أداء المؤسسة الأمنية، وتشكل وحدة داخلية إسرائيلية حول أهداف الحرب. فالغالبية في إسرائيل تؤيد القضاء التام أو شبه التام على التهديد النووي الإيراني، وترى ضرورة في إسقاط النظام الإيراني نفسه.
لكن الرأي النهائي، كما هو الحال دائمًا، سيُبنى على النتائج، هل يتم القضاء على البرنامج النووي الإيراني؟ وهل يُستثمر النجاح العسكري سياسياً؟ حتى اللحظة، لا تزال رهينة قرار من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقدرة إيران على الصمود، وايقاع خسائر كبيرة في إسرائيل.