مائة وخمس سنوات على بداية النكبات الفلسطينية
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

خاص الخامسة للأنباء – تقرير محمد الذهبي:
أن تمنح ما لا تملك.. لمن لا يستحق! هي مأساةٌ حقيقية على الصعيد الإنساني الحقوقي والمعنوي، كيف لا وما أُعطيَ كان وطناً؟ كيف لا وما تم نهبها كانت أرضاً وبيتاً وحضناً لآلاف الفلسطينيين؟ إنها فلسطين.. أرض المحشر والمنشر، التي ادعى اليهود بموجب وعد بلفور المشئوم أنها “أرض الميعاد”.
في الثاني من نوفمبر 1917 صدر وعد بلفور المشؤوم، الذي منحت بموجبه بريطانيا حقًا لليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، بناءً على المقولة الزائفة “أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض”.
أولى خطوات احتلال أرض فلسطين
وكان هذا الوعد بمثابة الخطوة الفعلية الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين استجابة لرغبات الصهيونية العالمية على حساب تاريخ وحضارة وحق شعب أصيل متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين.
وجاء الوعد على شكل تصريح موجه من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك (آرثر جيمس بلفور) في حكومة ديفيد لويد جورج، في الثاني من نوفمبر من عام 1917م إلى اللورد روتشيلد (أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية)، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهةٍ أخرى؛ واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918م، ثم تبعها الرئيس الأمريكي ولسون رسمياً وعلنياً سنة 1919م؛ وكذلك اليابان.
مؤتمر سان ريمو
وفي الخامس والعشرين من نيسان 1920م، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر “سان ريمو” على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي الرابع والعشرين من تموز 1922م، وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في التاسع والعشرين من أيلول 1923م، مما دوّل وعد بلفور وجعله وعداً دولياً غربياً.
الموقف العربي
على المستوى العربي، اختلفت ردود أفعال العرب تجاه التصريح بين الدهشة والاستنكار والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها وعد بلفور؛ أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين ملك الأردن، بواسطة الكولونيل باست تؤكد فيها على أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية؛ ولكنها في الوقت نفسه أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، بأن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن (خليفة هرتزل)؛ كما عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمة لهم.
رد الفعل الفلسطيني
لم يستسلم الشعب الفلسطيني للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرضها الحركة الصهيونية وعصاباتها على الأرض بقوة السلاح؛ بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929م، ثم تلتها الثورة الكبرى عام 1936م .
ويقول حازم قاسم، المتحدث باسم حركة حماس بغزة، أن وعد بلفور مثل جريمة تاريخية ارتكبتها بريطانيا الاستعمارية بحق الشعب الفلسطيني، وانه شكل بداية العدوان الحقيقي على الشعب الفلسطيني الذي كان تهميداً للاستعمار الصهيوني على الأرض الفلسطينية .
كما يرى قاسم وعد بفلور باطلاً من كل الجوانب والأشكال، وأنه لا يمكن أن يشكل أي مرتكز قانوني، لاسيما وأنه عدوان على الحق التاريخي للشعب الفلسطيني.
وعد بلفور.. حجة قانونية للصهيونية العالمية!
الحركة الصهيونية العالمية وقادتها اتخذت من هذا الوعد مستنداً قانونياً لتدعم به مطالبها المتمثلة في إقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين، وتحقيقاً لحلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد على أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
معارضة اليهود الليبراليين..
وعلى الرغم من ظهور معارضة شديدة لهذا التوجه من قبل اليهود الليبراليين الذين استطاعوا الاندماج في المجتمعات التي عاشوا فيها، ورأوا في هذا التوجه دليلاً قد يتخذه من يسمونهم (أعداء السامية)، على غربة اليهود، وعدم قدرتهم على الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، إلا أن هذه المعارضة لم يكن لها أي تأثير على توجه الحركة الصهيونية العام.
وعد بلفور وتقسيم أرض فلسطين التاريخية
لقد تمكن اليهود من استغلال ذلك الوعد الزائف والصادر عن مكتب آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947م القاضي بتقسيم فلسطين، ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في الخامس عشر من أيار من عام 1948م.
وحظي هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي تقوم على أرض الغير، وتلقى مساندة دولية جعلتها تتمادى في غطرستها وتتوسع وتبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية، وتبطش وتنكل بمن تبقى من الشعب الفلسطيني على أرضه دون رحمة.
اللايك هو السّبب.. فلاتر التواصل الاجتماعي.. متعةٌ جمالية أم كمين وخداع؟
واعتبر حازم قاسم، أن بريطانيا واصلت كل أشكال العدوان على الشعب الفلسطيني لتمهد لإقامة وطن قومي لليهود على الأرض الفلسطينية، ومن أجل الحصول على غطاء قانوني في المحافل الدولية حتى الوقت الراهن.
وأشار إلى أنها سوف تظل مدينة بالاعتذار للشعب الفلسطيني على هذه الجريمة، وكذلك بتعويضه عن كل الأذى الذي لحق به جراء احتلال أرضه وطرده منها.
وأوضح أن المقاومة الشاملة بكافة أشكالها هي وحدها القادرة على إبطال مفاعيل هذا الوعد واسترداد الأرض الفلسطينية التي اغتصبها الاحتلال الصهيوني بتواطؤ من القوى الغربية.
أسباب ودوافع وعد بلفور المشئوم..
لعل الدوافع والأسباب التي قادت بريطانيا إلى تبني وإصدار هذا الوعد كثيرة، تقف في مقدمتها، حسب رأي السياسيين والمؤرخين، تلاقي المصالح الاستعمارية وتقاطعها مع الحركة الصهيونية انطلاقاً من القيمة الاستراتيجية لفلسطين باعتبارها بوابة العبور إلى آسيا.
وفي هذا الإطار وصف تيودور هرتزل دور الدولة اليهودية في فلسطين بقوله “سنكون بالنسبة إلى أوروبا، جزءاً من حائط يحميها من آسيا، وسنكون بمثابة حارس يقف في الطليعة ضد البربرية”.
وهناك دوافع وأسباب أخرى، منها رغبة بريطانيا في كسب تأييد يهود العالم لها أثناء الحرب العالمية الأولى، ولتقليص موجات الهجرة اليهودية نحو أوروبا وتحويلها باتجاه فلسطين؛ لما تحمله هذه الهجرات من أعباء وتبعات تضر ببريطانيا ودول أوروبا الأخرى بشكل عام.
وعد بلفور من وجهة نظر القانون
يرى رجال القانون أن وعد بلفور باطل من الناحية القانونية؛ وبالتالي فإن كل ما نتج عنه، وكل ما تأسس عليه فهو باطل، فالوجود البريطاني في فلسطين كان مجرد احتلال، ولا يمنح الاحتلال، أو الانتداب الدولة المنتدبة حق التصرف بالأراضي الواقعة تحت وصايتها، أو أي جزء منها.
وفلسطين ليست جزءاً من الممتلكات البريطانية، حتى تمنحها لمن تشاء، ولأن الحكومة البريطانية أعلنت في مناسبات كثيرة أن الهدف من احتلالها هو تحرير فلسطين من السيطرة العثمانية، وإقامة حكومة وطنية فيها، فمن هنا يرى خبراء القانون الدولي أن تصريح بلفور ليس له صفة الإلزام القانوني، فهو تصريح من جانب واحد، لا التزامات متقابلة فيه، وقد صدر في صيغة رسالة موجهة من وزير الخارجية إلى أحد رعايا الدولة ذاتها، فليس لهذا التصريح صفة المعاهدة أو الاتفاق أو العقد الدولي.
وعد بلفور.. تجاهل الأغلبية ومنح الوطن للأقلية
لقد جعل تصريح بلفور فلسطين وطناً لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين، حيث لم يكن في فلسطين من اليهود عند صدور التصريح سوى خمسين ألفاً من أصل عدد اليهود في العالم حينذاك، والذي كان يقدر بحوالي 12 مليوناً، في حين كان عدد سكان فلسطين من العرب في ذلك الوقت يناهز 650 ألف مواطن عربي، ومنذ آلاف السنين يطورون حياتهم في بادية وريف ومدن هذه الأرض، ولكن الوعد المشؤوم تجاهلهم ولم يعترف لهم إلا ببعض الحقوق المدنية والدينية، متجاهلًا حقوقهم السياسية والاقتصادية والإدارية.
مائة وخمس سنوات على وعد بلفور المشئوم، الوعد الذي ألحق مئات، بل آلاف النكبات بأبناء الشعب الفلسطيني، متجاوزاً كافة الشرائع والأعراف الدولية ولاسيما حق الشعوب في تقرير مصيرها، مات بلفور وتبدلت حُكاماً وتحررت دولاً.. وما زال الفلسطينيون يحاولون بكل ما أوتوا من قوة استعادة حقهم في وطنهم المسلوب كآخر شعوب الأرض الواقعة تحت الاحتلال إلى يومنا هذا.