مقالات الخامسة

وقاحة إسرائيلية منقطعة النظير!

شبكة الخامسة للأنباء - غزة

بقلم د عبد الرحيم محمود جاموس
في مشهد يفتقر إلى الحد الأدنى من النزاهة الأخلاقية والاحترام لعقول العالم، خرج الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ يوم الأربعاء 23 يوليو 2025 خلال زيارة لقوات الاحتلال في قطاع غزة، ليعلن بكل وقاحة أن “إسرائيل دولة تلتزم بالقانون الدولي”. هذا التصريح، في توقيته ومضمونه، لا يمكن وصفه إلا بأنه تزوير فاضح للحقيقة، وتحدٍّ سافر للرأي العام العالمي، الذي بات يدرك بالوثائق والشهادات أن إسرائيل اليوم ترتكب إحدى أبشع جرائم العصر في قطاع غزة.
ففي الوقت الذي تحدّث فيه هرتسوغ عن “الالتزام”، كانت غزة تعيش أسوأ كارثة إنسانية في تاريخها. أكثر من 2.1 مليون إنسان يتعرضون لتجويع ممنهج، لا يجدون فيه ما يسد رمقهم أو يروي ظمأهم، منظمة العفو الدولية، في تقريرها الصادر مطلع يوليو الجاري، وصفت الوضع صراحة بأنه “استخدام للتجويع كسلاح حرب”. والنتائج كارثية: موت جوعًا، انهيار صحي، وحرمان من المساعدات بفعل الحصار وتقييد الدخول عبر المعابر.

الأدهى من ذلك، أن تصريحات هرتسوغ جاءت بعد أشهر من قرارٍ صادر عن محكمة العدل الدولية (مارس 2024)، طالب إسرائيل بوقف الحصار، وضمان إدخال المساعدات بشكل عاجل وغير معوق. لكن الواقع يؤكد أن إسرائيل لم تكتفِ بتجاهل القرار، بل صعّدت من حصارها، وواصلت استهداف الطواقم الطبية والإغاثية والمدنيين عند نقاط توزيع المساعدات، كما وثّقت “أطباء بلا حدود” ومنظمة “أوكسفام”.

أما من الناحية القانونية، فإن الادعاء بالالتزام بالقانون الدولي يبدو مثيرًا للسخرية حين تصدره دولة تُلاحق أمام المحاكم الدولية بتهم تتعلق بالإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية. تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة الصادر في يونيو 2024 حمّل إسرائيل مسؤولية “أعمال ممنهجة من القتل والتدمير والتجويع والتهجير”، موثقًا شهادات وبيانات تشير إلى ارتكاب جرائم إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين.
وفي مارس 2025، أضافت اللجنة تفاصيل جديدة، مؤكدة استخدام الاحتلال للعنف الجنسي ضد النساء والأطفال، واستهداف المراكز الطبية والمدارس والملاجئ، ضمن سياسات لا تترك مجالًا للشك في نوايا الإبادة المتعمدة.

كيف يمكن إذًا الحديث عن “دولة قانون” تمارس هذه الجرائم علنًا؟!
وكيف يمكن أن تنطلي هذه الأكاذيب على المجتمع الدولي، بينما يُقتل كل 12 دقيقة فلسطيني في غزة، وفق تقديرات المنظمات الدولية، ويُحرم الأطفال من الحليب، والمرضى من العلاج، والناس من أبسط مقومات الحياة؟
إن ما قاله هرتسوغ لا يعبر فقط عن كذب رسمي، بل عن أزمة أخلاقية عميقة يعيشها نظام الاحتلال، الذي بات عاجزًا عن تبرير جرائمه، فلجأ إلى إنكارها علنًا، في محاولة بائسة لقلب الرواية.
لكن المؤكد أن هذه الرواية تنهار يومًا بعد يوم، أمام وثائق المحاكم، وشهادات الضحايا، وأرقام الوكالات الدولية، ومشاهد التجويع التي تصفع ضمير الإنسانية جمعاء.
غزة لا تحتاج إلى محاضرات في القانون الدولي من قتلتها، بل إلى عدالة تُنصف دماء أطفالها، وإلى ضمير عالمي لا يساوي بين الجلاد والضحية، والذين يربطون الصخر على بطونهم في غزة، وهم يواجهون الطائرات والدبابات بالجوع والصبر، لا يصدّقون هراء هرتسوغ، بل يؤمنون أن زمن الأكاذيب سينتهي، وأن الحقيقة مهما طال زمن الصمت ستنتصر.

قناة واتس اب الخامسة للأنباء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى