يوم الصحة العالمي عام 2023… وشعار «العدالة الصحية للجميع»
شبكة الخامسة للأنباء - غزة

كتب: عقل أبو قرع:
ويأتي الاحتفال بيوم الصحة العالمي هذه الأيام، ولا أحد يجادل أن العالم، يشهد تغيرات في مختلف الجوانب، من حروب مدمرة مع عشرات الآلاف من الضحايا، ومن كوارث طبيعية مثل الزلازل التي حدثت مؤخرا في تركيا وسورية، ومن تغيرات مناخية بيئية عالمية مقلقة، تتمثل في ارتفاع حرارة الأرض ومياه المحيطات بسبب ذوبان الجليد وبالتالي زيادة منسوب المياه، وقلة الأمطار، وزيادة شدة الأعاصير والفيضانات والتصحر والحرائق والتلوث واحتمال انتشار أوبئة لم يعرفها البشر من قبل، وما إلى ذلك من تداعيات بيئية ذات أبعاد صحية بعيدة المدى على العالم، وبالطبع نحن في فلسطين لن نكون بعيدين عن ذلك، أجلا أو عاجلا.
وفي إطار شعار اليوم، فالقطاع الصحي في بلادنا، وأسوة بالعديد من الدول في العالم، والتي تعتبر أن جل اهتمامها هو المواطن، من المفترض أن يحتل مستوى الأولويات الوطنية، في الميزانية الحكومية، سواء من حيث رصد الميزانيات، أو من حيث إعداد وتدريب والاحتفاظ بالكفاءات المتخصصة، أو من حيث الحصول على أفضل الأجهزة والمعدات، أو من حيث فعالية الإدارة والمسؤولين، أو من حيث طبيعة التعامل والاحترام مع المريض والمواطن.
ومبدأ توفر العدالة الصحية للجميع يشمل توفر العدالة أو التعامل بالمساواة في الكيفية أو الطريقة التي يتم اتباعها للحصول على الخدمات، وعلى المعلومات المتعلقة بصحة المواطن، أو من حيث الاهتمام بالرعاية الصحية بشكل عام، سواء أكانت الرعاية الأولية وهي الأساس، أو الثنائية أو الثلاثية، أو من حيث التركيز على مفهوم الصحة العامة كمفهوم وقائي بالأساس، شامل للبلد وللمجتمع، ويشمل الطعام الصحي والحفاظ على بيئة صحية، وتوفير الأدوية والتطعيمات والنشرات وما يتبع ذلك من أمور صحية متنوعة.
وتوفر العدالة الصحية للجميع يعني الابتعاد عن الاكتظاظ الكبير في غرف الطوارئ في المستشفيات، وبالتالي توفر أماكن أو أسرة لحالات طارئة، ومن ثم الحاجة إلى المزيد من الأسرة والى المزيد من الطاقم والإمكانيات، وحتى الحاجة إلى إعادة ترتيب أولويات، والى تبني أنظمة إدارية اكثر كفاءة واكثر وضوحا ونجاعة. ورغم الجهد الكبير والعمل المتواصل، والعناية والاهتمام، الذي يبذله الأطباء والممرضون والطواقم، في المستشفيات الحكومية، إلا انه قد يحدث أن يبقى المرضى لعدة ساعات ينتظرون في قسم الطوارئ، وهذا يمكن أن ينطبق على الأقسام الأخرى ما يؤكد على الحاجة الملحة إلى التوسع الأفقي والعمودي والذي بدورة يحتاج إلى قرارات إدارية، من خلال إعادة توزيع المصادر والإمكانيات المادية والبشرية، سواء الداخلية، أو الخارجية، من اجل تلبية أولويات الناس، والتي في أحيان عديدة تكون أولويات مصيرية.
والعدالة الصحية للجميع تشمل موضوع الأدوية، سواء من حيث توفرها وبالأخص في العيادات الحكومية، أو من حيث تطبيق قرارات تخفيض أسعارها الدورية، ما يسبب القلق عند المواطن، ومن الأمثلة على ذلك، ما يتم الإعلان عنه بين الفترة والأخرى عن تخفيض أسعار الكثير من الأصناف من الأدوية الأجنبية، دون أن يكون لذلك اثر سريع على المريض، وهذا يتطلب إعادة النظر في الآلية أو في الطريقة الإدارية، التي تتم من خلالها مراجعة أسعار الأدوية، وفي طريقة الإعلان عن ذلك، وكذلك والاهم في متابعة ومراقبة تطبيقها في الصيدليات والمستودعات.
والعدالة الصحية للجميع تعني الخروج من دوامة الحصول على التحويلات الطبية لخارج القطاع الصحي الفلسطيني الحكومي، ورغم التطور ومحاولة الضبط والمأسسة والحذر، ورغم النقاش المستفيض الذي أخذه هذا الموضوع، إلا أن الموضوع ما زال مقلقا، ومربكا، ومكلفا ومحيرا، ويحتاج إلى العناية والدراسة والمراجعة.
وما زال المواطن العادي يشك في الإجراءات وفي إمكانية حصوله على تحويلة ملائمة وسريعة ولازمة إذا احتاجها، دون أن يضطر إلى اللجوء إلى الآخرين للواسطة والمحسوبية وما إلى ذلك من تعقيدات مملة، وما زال هناك اعتقاد أن هذه التحويلات أو معظمها هي حكر على جهات أو أشخاص محددين، وبالتالي ما زالت هناك حاجة إلى الضبط والى توخي العدل والإنصاف لمن يستحق، والى التوجه اكثر نحو زخم الاعتماد على الذات، من خلال الاستثمار اكثر وبشكل مستدام في إمكانيات وكفاءات وخدمات، يمكن من خلالها، التقليل من التحويلات الخارجية المكلفة، والاهم تبني مسار الشفافية والمتابعة والتقييم لهذا الموضوع المهم والمقلق والمكلف لميزانية الوزارة.
والعدالة الصحية في بلادنا، وفي ظل مواصلة ضبط ومصادرة مواد فاسدة متعددة، أي غير آمنة أو تفتقد إلى الفعالية المرجوة، تتطلب العمل من اجل طمأنة المستهلك حول الطعام الذي يتناول، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ولمنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء أكانت من الخضار أو من الفواكه أو من منتجات غذائية متعددة، أو من الدواء، أو حتى من الخبز والكعك، والحليب ومشتقاته، وإجراء الفحوصات الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوصات من خلال الإعلام، لكي تصل إلى المستهلك.
وفي بلادنا، فالتركيز وحشد الإمكانيات من أجل توفير العدالة الصحية للجميع يزداد أهمية في ظل التغيرات المناخية العميقة التي تحدث، من ارتفاع حرارة الأرض والتقلبات الجوية وشح المياه، حيث يفاقم الاحتلال الإسرائيلي ذلك من خلال الاستيلاء على مصادر المياه وبالأخص مصادر المياه الجوفية، والأراضي الزراعية الخصبة، وتشويه النظام الحيوي البيئي الفلسطيني من خلال إقامة المستوطنات وشق الطرق تحت ذرائع مختلفة، والتخلص من النفايات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وسكب مياه مجاري المستوطنات في أراضي المواطنين الفلسطينيين، وإقامة المصانع الكيميائية بجوار المناطق الفلسطينية، حيث شكلت هذه التصرفات وما زالت تهديدا حقيقيا للنظام البيئي الحيوي الفلسطيني بكل مكوناته، ولإمكانية العيش للمواطن الفلسطيني في ظل ظروف صحية وبيئية حسب المعايير الدولية.
وتوفير العدالة الصحية للجميع وبشكل مستدام، يعني التركيز على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد على مبدأ الوقاية والتوعية كأولوية للحفاظ على الصحة العامة ومنها صحة المواطن وصحة البيئة التي يحيا فيها من طعام ومياه وهواء وبيئة العمل، والى التركيز أكثر على التطور النوعي وليس الكمي وبشكل مستدام في الرعاية الصحية الأساسية، لكي يتواصل تراكم الأمور الإيجابية والتطورات الصحيحة التي نراها ونوثقها، ولكي يصبح القطاع الصحي، من القطاعات التي يثق بها المواطن الفلسطيني وبالتالي يدعمها، ويفتخر بها سواء من حيث خدمة المواطن أو من حيث توفر الكفاءات المتخصصة، أو استعمال الأجهزة والمعدات الحديثة، أو وجود أنظمة إدارية توفر على المواطن الوقت والجهد والمال والضغط النفسي لكي يحصل على الخدمة الصحية التي يستحقها.



